عَنْ فَوْضَى آلزِّيَارَاتِ!

نـــــــــزار حيدر
بَيْنَ الفينَةِ والأُخرى تشتعل وسائل التَّواصل الاجتماعي بأَخبار وتقارير وتعليقات الزِّيارات المكوكيَّة التي يقوم بها [زُعماء] وسياسيِّين و[أَنصاف مسؤولين] و [موظَّفين حكوميِّين فاسدين وفاشلين! لا يهشُّون ولا ينشُّون حسْب الدُّستور] عراقيِّين الى هذه الدَّولة أَو تلك!.
والمواقفُ، كعادتِها، تنقسمُ على نفسِها بين أَقصى اليمين وأَقصى اليسار، فبينَ مادحٍ على كلِّ حالٍ وآخرَ ذامٍّ على كلِّ حالٍ! إِذ يعتمد الموقف عادةً على الخلفيَّة والولاء والانتماءِ بكلِّ أَشكالهِ [طبعاً باستثناء الولاء الوطني الذي لا محلَّ لَهُ من الاعرابِ هنا أَبداً!] من دونِ أَن يخلو التَّقييم والرَّأي من التَّسقيط والاستهداف السِّياسي لبعضهِم بكلِّ تاكيد!.
فبينما يعتبرُ أَنصار [الزَّائر] زيارتهُ تاريخيَّة تصبُّ في مصلحة الوطن! يعتبرها مناوئوهُ زيارةً حزبيَّةً الغرض منها دعاية إِنتخابيَّة مبكِّرة للاستقواء على الآخرين إِن لم يتطرَّفوا أَكثر ليعتبرونها خيانة تُعرِّض أَمن البلد واستقلالهِ وسيادتهِ للخطر!.
والمتتبِّعُ للتَّعليقات وحالات الثَّورةِ والغضب على هذه الفوضى في الزِّيارات لا يجدُ فيها من يُناقشَ أَصل الموضوع وإِنَّما النِّقاش كلَّهُ يصبُّ في الهوامش [التَّوقيتُ مثلاً أَو طبيعة البروتوكولات التي تُصاحب الزِّيارة مثل هويَّة المسؤُول الذي يستقبل الزَّائر والمكان الذي يجتمع فيه معهُ] والى غير ذلك من الهوامش التي لا تضرُّ ولا تنفعُ!.
لم يسأَل أَحدٌ مثلاً عن أَصل هذه الزِّيارات؟! وما إِذا كانت دستوريَّة وطبيعيَّة وسليمة؟! أَم أَنَّها خارجة عن كلِّ السِّياقات السِّياسيَّة والديبلوماسيَّة المُتعارف عليها في الدُّوَل الأُخرى؟!.
سأُحاول هنا أَن أُبدي وجهة نظرٍ عن أَصل الموضوع من دونِ تقييم أَيٍّ من الزِّيارات التي قام بها مؤخَّراً عدد من [العراقيِّين] لعددٍ من الدُّوَل حولَ العالَم! فالمقالُ ليس في معرض التَّقييم وإُنَّما لتحليلِ علَّة الفوضى!.
إِنَّ العلاقات الخارجيَّة للعراق ومنذ التَّغيير وسقوط نِظامُ الطّاغية الذَّليل صدَّام حسين بُنيَت على أَساس المُحاصصة حالها حال كلِّ القضايا الأُخرى! فهي تقومُ على فلسفة الكانتونات والمكوِّنات والكُتل والأَحزاب والزَّعامات وليس على أَساس رُؤية الدَّولة التي تُدير الحكومة ووزارة الخارجيَّة حصرا علاقاتها الخارجيَّة سواء مع دُوَل الجِوار أَو الدُّوَل الاقليميَّة والمُجتمع الدَّولي!.
وتتَّضح هذه الفلسفة مثلاً في نصِّ الرِّسالة الجوابيَّة التي تلقَّيتها قبل فترةٍ وجيزةٍ مضَت من المكتب الاعلامي لرئيس التَّحالف الوطني [وهو الكُتلة النيابيَّة الأَكبر التي تقود البلد] رداً على منشورٍ كنتُ قد استغربتُ فيه من تصرُّف وفد التَّحالف الذي زار مؤخَّراً دولة الكويت وسلَّم أَميرها نسخة من [التَّسوية] طالباً منهُ إِبداء ملاحظاتهِ وتوجيهاتهِ على بنودِها ونصوصِها!.
فلقد جاء في معرضِ الرِّسالة [إِنَّ زيارة زعيم التَّحالف الوطني للكويت تأتي في إطارِ التَّواصل مع دُوَل الجِوار وهذه مسؤوليَّة الدَّولة العراقيَّة وليس مسؤوليَّة الحكومة فقط].
هذا يعني أَنَّ كل مواطنٍ عراقي [ضمن مفهوم الدَّولة المُتعارف عليه] لَهُ الحقُّ بل من واجبهِ الوطني زيارة أَيَّة دولة في هذا العالم لمناقشة علاقات الْعِراقِ الخارجيَّة! وبالتَّبع فانَّ من حقِّهِ بل من واجبهِ الوطني زيارة سفارات دُوَل العالم في بغداد مثلاً لمناقشة علاقات الْعِراقِ الخارجيَّة!.
هذه إِذن هي الفلسفة التي قامت عليها علاقات الْعِراقِ [الجديد] مع العالَم! وهي فلسفةٌ توافقت عليها [العِصابة الحاكمة] ولذلك تراهُم يلوذونَ بالصَّمتِ إِزاء أَيَّة زيارة لأَيِّ واحِدٍ منهم! فلم يعُد أَمراً غريباً إِذا زار موظفٌ حكوميٌّ فاسدٌ وفاشلٌ دولةً ما وناقشَ معها صفقة المليار دولار التسليحيَّة! كما لم ينبس أَحدٌ ببنتِ شفةٍ إِذا زارت مواطنة عراقيَّة [تل أَبيب] وآخرَ واشنطن ورابع [وهو نائبٌ في البرلمان] يحضر مؤتمراً [إسرائيلياً] في إِحدى العواصِم الغربيَّة وخامس الرِّياض وسادس وسابع…وهكذا!.
وهذه حالةٌ فوضويَّةٌ نعيشها منذ [١٤] عامٍ ولحدِّ الآن! فتحت أبواب الْعِراقِ على مصراعَيهِ لكلِّ أَنواع التدخُّلات الخارجيَّة في شؤونهِ!.
نحنُ بحاجةٍ الى خطوتَين لوضع حدٍّ لِهذهِ الفوضى؛
أَوَّلاً؛ تشريع قانون في مجلس النُّوَّاب يحرِّم ويجرِّم أَيَّة زيارة [سياسيَّة] لأَيِّ عراقيٍّ خارج الأُطُر الديبلوماسيَّة!.
ثانِياً؛ أَن تأخذ وزارة الخارجيَّة وبقوَّة زِمام المُبادرة في رسم معالمِ وتنفيذ الأُطر العامَّة للعلاقات الخارجيَّة وعلى مُختلفِ المستويات!.
إِنَّ ضَعف الوزارة في التَّصدِّي لمسؤوليَّاتها الوطنيَّة سببٌ مهمٌّ من أَسباب هذه الفوضى!.
وليس غريباً بعد ذلك أَبداً إِذا صاحبت هذه الزِّيارات الفوضويَّة كلَّ هذه الخروقات الديبلوماسيَّة كما حصل ذلك مثلاً مع زيارة الموظَّف الفاسد والفاشلِ الأَخيرةِ الى موسكو! لأَنَّ الدُّوَل المظيِّفة تحترم نفسَها وتعرف حجم تأثير الزَّائِر! وهي غير مُجبرة على إِحترام الْعِراقِ إِذا لم يحترمهُ مواطِنوه!.
٣٠ تمُّوز ٢٠١٧
لِلتّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1
(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here