فاطمة.. وجع عالق في سقف مدرسة

بغداد/ فرح سالم

“ليش يصير بيه كل هذا!” لن أبالغ إذا ما قلت إنني سمعت هذه العبارة المشحونة باليأس مرات عدة من “فاطمة” ابنة حارس المدرسة، منذ أن عرفتها.

ذلك النهار لم تعلم فاطمة بوجودي، لم تنتبه لخطواتي البطيئة التي كانت تلاحقها، كنت ذاهبةً لشراء بعض الحاجيات من حانوت المدرسة، وصادف أنها سبقتني إليه.
فاطمة التي تجاوزت عقدها الثالث بقليل، تعاني بصمت.. بات معروفاً بين المدرسات أنها تتحدث مع نفسها كثيراً، فهي تلك العالقة بين امرأة متزوجة ومطلقة، لا يمكن اعتبارها أياً من ذلك، إنها ذلك “الكبش” الذي على أحدهم أن يقدم رأسه للمجتمع وضوابطه وقواعده التي لم ترحم تاء التأنيث، كما هو حال فاطمة، ولم تترك “سكونها” ليعيش بسلام.

بداية الوجع
تركت فاطمة، بحسب رواية والدتها، مقاعد الدراسة في سن مبكرة وهجرت الكتب وكراسات الرسم والكتابة الى منزل الزوج ومسؤولياته الكبيرة.

تقول والدة فاطمة “لقد كانت سعيدة (…) تزوجت بإرادتها” لكنها تستدرك “هل تملك ابنة الخمس عشرة عاماً خيارات حقا؟”

لكن زوج فاطمة، لم يكن ليقدم الكثير من المغريات لأجل الموافقة على طلبه للزواج منها، بل لم يكن قادراً على تقديم ما هو أقل من ذلك. العروس ابنة حارس في مدرسة بالعاصمة بغداد، وهي التي تحولت إلى منزل بديل كما حكمت الظروف ذلك، لقد كبرت فاطمة في منزلها “المدرسة” وقد وجدت متطلبات حياتها الطبيعية تتوفر في مكان غير مألوف حيث غرفة المعيشة في حجرة خلفية مخصصة للحراسة، بينما ضيوف العائلة يقضون الوقت في ساحة المدرسة بعد انتهاء الدوام أو في أيام العطل.

هنا في هذه الساحة، استقبلت العائلة العريس وأهله، سوى أن جدران المدرسة لم تكن توفر رائحة بخور “صينية الحنـَّة”.

وبدأ مشوار الألم، فور وصول فاطمة الى البيت المتاهلك للعريس، مع عائلة مكونة من ١١ فرداً، كان على فاطمة الاعتناء بهم جميعاً.

تقول فاطمة بحزن “كان وضعنا المادي مزرياً.. زوجي عامل بأجر يومي، يقضي نهاره في العمل وفي ما تبقى من ساعات يومه فقد كان يقضيها برفقة أصدقاء السوء وشركاء الإدمان على الكحول والحبوب المخدرة”!!

بعد عشر سنوات من الزواج القائم على أُسس خاطئة، رزقت فاطمة بخمسة اطفال، كانوا جميعاً بأعمار متقاربة، لم يكن الأب مرتبطاً بهم من خلال عاطفة خاصة، ولم يكن ليشكل غيابه عنهم فرقاً يُذكر.

غادرت فاطمة منزل زوجها قبل ولادة ابنها الصغير محمد، حيث تخلى الوالد عن شراكته في تسميته، كان ذلك قبل سنتين من الآن.

تقول فاطمة “لم تفلح محاولاتي معه في العودة بعد أن ازداد ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقي، ولم تنجح كذلك محاولات أهلي الرامية لتطليقي منه، فهو يرفض ذلك (…) كان كثيراً ما يردد صارخاَ عبر سماعة الهاتف: (استري على روحج مو زين تزوجتج، منو يفكر أن يرتبط بيج وانت هذا حالج) كان هذا قبل أن يغلق السماعة في وجهي”.

المدرسة التي شكلت أول خطوات فاطمة في مرحلة الدراسة والتعلم، تشهد اليوم وجودها بصفة جديدة مختلفة، إنها اليوم “عاملة خدمة”، لتتمكن من الاعتناء بأطفالها، انها هناك بينما لا يزال وقع خطواتها الثقيلة البطيئة حاضراً برغم مرور عشر سنوات على بداية رحلتها مع الشقاء.

تضيف فاطمة “برغم كل العقبات التي تواجهني، كل الألم الذي أصادفه بسبب وضعي الغريب الذي جعلني عرضة للقيل والقال وقصص المجتمع التي لا تنتهي أو قبضة الفقر التي لا ترحم، إلا إنني مصرة على شيء واحد فقط، سأحققه ولو كلفني الكثير، أنا مصرة على أن يكمل اطفالي تعليمهم علـّهم يحققون ماعجزت انا عن تحقيقه”.
المدى

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here