فشل جهود أميركيّة وأمميّة لتجاوز عقدة كركوك في انتخابات المحافظات

بغداد / محمد صباح

فشلت مساعٍ بذلتها بعثة الامم المتحدة والسفارة الامريكية، أمس الثلاثاء، بالتصويت على ٣٢ مادة من قانون انتخابات المحافظات، نظرا لاستمرار الخلاف بين مكونات كركوك. واكتفى البرلمان بالتصويت على 21 مادة من اصل 53 مادة، مقرراً إكمال التصويت الى جلسة الخميس بانتظار حلحلة الخلافات التي يبدو أنها مازالت مستعصية.
وفشلت المساعي التي بذلتها أطراف عديدة، على مدار الاشهر الماضية، لإيجاد مخرج توافقي حول انتخابات كركوك. إذ اصطدمت هذه المساعي بمطالب تركمانية تدعو لتشريع قانون انتخابي خاص بالمحافظة.
بدوره لا يمانع المكون العربي من إجراء انتخابات كركوك بالتزامن مع بقية المحافظات، لكنه يشترط الالتزام باستثناءات المادة 37 من قانون انتخابات مجالس المحافظات، وهذا ما يرفضه المكون الكردي الذي يصر على إلغاء هذه الاستثناءات من أصل القانون.
ويذكر مقرر مجلس النواب النائب نيازي معمار أوغلو، في تصريح لـ(المدى)، ان “الكتل السياسية اتفقت مع رئاسة مجلس النواب على تمرير نصف مواد قانون انتخابات مجالس المحافظات وترك ٣٢ مادة إلى جلسة يوم الخميس لإعطاء فرصة أخيرة لكل الأطراف لتسوية خلافاتها التي تعيق التصويت على القانون”.
وتطالب بعض مكونات كركوك بإجراء الانتخابات المحلية مع بقية المحافظات وفق الآلية التي نص عليها القانون الحكومي، لكن القوى التركمانية والعربية السنّية تطالب بقانون خاص للمخافظة المتنازع عليها.
ولم تشهد كركوك إجراء انتخابات محلية منذ عام 2005، نظرا لخلافات مكوناتها حول التلاعب بسجل الناخبين، وتنفيذ المادة 140 من الدستور.
ويؤكد معمار اوغلو ان “التركمان والعرب يطالبون بصياغة قانون خاص لمحافظة كركوك لخصوصيتها، لكن ذلك اصطدم بتحفظات من قبل الكرد الذين يصرون على إجراء الانتخابات في المحافظة مع بقية المحافظات”.
ويعزو النائب التركماني الأسباب التي تدفع بالمكونين العربي والتركماني إلى المطالبة بقانون خاص في كركوك إلى حدوث تغيير ديموغرافي بعد 2003، وسيطرة أحد المكونات على أهم المواقع والمناصب في محافظة كركوك.
ويتابع مقرر مجلس النواب ان “المكونين العربي والتركماني طالبا بإضافة شرطين الى استثناءات المادة (37) في قانون الانتخابات الخاصة بكركوك، الاول ينص على تقاسم السلطة بين مكونات كركوك بعيدا عن الاستحقاق الانتخابي، والثاني عدم منح الصلاحية لمجلس محافظة كركوك بتقرير مصير المحافظة على أن يكون هذا الأمر متروكا إلى مجلس النواب الاتحادي”.
وتنص المادة (37 / أولا) من مسودة قانون انتخابات مجالس المحافظات على ان “تجرى انتخابات مجلس محافظة كركوك والاقضية بعد مراعاة ما يأتي:
أ/ مراجعة وتدقيق البيانات والسجلات كافة، المتعلقة بالوضع السكاني للمحافظة بما في ذلك سجل الناخبين.
ب/ تحديد آلية لتقاسم المناصب العليا في المحافظة باستثناء المناصب الاتحادية بما يضمن تمثيل جميع مكونات المحافظة.
ج/ يبقى وضع محافظة كركوك على ما هو عليه حالياً لحين بت مجلس النواب بوضع المحافظة مستقبلا.
ويلفت نيازي معمار اوغلو الى ان “مكونات محافظة كركوك اجرت، طوال الاشهر الماضية، سلسلة من الجولات التفاوضية بغية تقريب وجهات النظر وحلحلة هذه الخلافات لكنها انتهت بالفشل”، مشيرا الى ان “آخر هذه الاجتماعات واللقاءات عقد قبل أسبوع في محافظة كركوك دون التوصل لاية نتيجة”.
ويقول النائب عن تركمان كركوك بأن “اصل قانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية والنواحي يتكون من (53) مادة صوت مجلس النواب امس على (21) مادة، والمتبقي منه 32 مادة ” مبينا أن هذه المواد المتبقية ليست كلها خلافية ماعدا مادة واحدة او ثلاث مواد”.
ويوضح معمار اوغلو بان “المواد الخلافية يتعلق قسم منها بصلاحيات مجالس المحافظات، وكذلك يتعلق بعضها بإعفاء أعضاء مجالس المحافظات وفق معايير تختلف عن قانون انتخابات مجالس المحافظات السابق”.
وكان المكون الكردي قد شكل، في وقت سابق، لجنة مصغرة للتفاوض مع المكونات في كركوك من أجل تسهيل عملية تمرير قانون انتخابات مجالس المحافظات، وحل المشكلة. وأجرت هذه اللجنة لقاءات طويلة مع هذه المكونات، في الفترات القليلة الماضية لكنها لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق بشأن ملف انتخاب محافظة كركوك.
وعن هذه اللجنة واللقاءات التي أجرتها مع ممثلي المكونات، يقول النائب نيازي معمار أوغلو ان “هذه اللجنة الكردية المصغرة اجرت اكثر من عشرة لقاءات مع مكونات محافظة كركوك لكن هذه اللقاءات اصطدمت بنقطة خلافية تتعلق بمن يحدد مصير محافظة كركوك، هل هو مجلس المحافظة او مجلس النواب الاتحادي؟”، مؤكدا أن “الكرد وافقوا على تقاسم السلطة بين مكونات محافظة كركوك”.
ويكشف مقرر مجلس النواب عن “وجود تدخلات من قبل الأمم المتحدة والسفارة الأمريكية في بغداد لحل الصراعات والخلافات بين مكونات محافظة كركوك”، مبينا ان “الأمم المتحدة تبنت فكرة تقاسم السلطات بين مكونات محافظة كركوك (الكرد، والعرب، والتركمان) ووزعت المواقع والمناصب على اساس 32% لكل مكون”.
ويرى النائب التركماني ان “تدخلات السفارة الأمريكية فيها شيء من الغموض وهي غير واضحة المواقف بالنسبة للعرب والتركمان”، مؤكدا ان “الامم المتحدة والسفارة الأمريكية لم يتمكنا من حلحلة الخلافات بين مكونات كركوك”.
وصوت المجلس على 21 مادة من أصل 53 مادة في مشروع قانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية.
وأشار رئيس البرلمان سليم الجبوري، في جلسة الثلاثاء، الى ان الكتل النيابية لم تتوصل الى صيغة نهائية مقبولة من الجميع بشأن المادة 37 من مشروع القانون الخاصة بكركوك، لافتا الى ان “الحوارات بين الكتل مستمرة من اجل حسم التباين في الآراء بخصوص المادة المتعلقة بانتخابات محافظة كركوك”.
ويؤكد أحد أعضاء اللجنة الكردية التفاوضية مع مكونات محافظة كوكوك أن لجنته “ستعقد لقاءات خلال الساعات القليلة المقبلة مع كل مكونات كركوك للبحث عن آلية توافقية تمكننا من ايجاد حلول لانتخابات محافظة كركوك.
ويقول النائب أمين بكر، في تصريح لـ(المدى)، ان “المحاولات والاجتماعات مستمرة ولن تتوقف من قبل اللجنة الكردية المصغرة التي تضم في عضويتها رئيس اللجنة القانونية النيابية عن الحزب الديمقراطي الكردستاني محسن السعدون، وآلا طالباني عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وأمين بكر عن كتلة التغيير”، مشددا على انه “خلال هذه الفترة المتبقية سنحاول بشكل وبآخر لكي نتوصل إلى توافق مع باقي مكونات محافظة كركوك”.
ويعتبر النائب عن كتلة التغيير مطالبة التركمان بقانون خاص لكركوك بانه منافٍ للقانون والدستور، مؤكدا ان “قانون انتخابات مجالس المحافظات شامل لكل المحافظات العراقية دون أي استثناء لأية مدينة او محافظة عراقية”.
ويتابع أمين بكر بالقول ان “خلافنا مع المكون العربي يدور حول مطالبتهم بالإبقاء على الاستثناءات التي تتضمنها المادة (37)، في حين تطالب الكتل الكردستانية بحذفها من اصل القانون على اعتبار ان القانون سارٍ على جميع المحافظات بما فيها كركوك”.
وتضمنت المواد التي أقرها البرلمان في قانون الانتخابات المحلية ، حذف وإلغاء مقعد الكوتا المخصص إلى الصابئة في مجلس محافظة ميسان، وإلغاء مقعد التركمان في مجلس محافظة بغداد.
كما حددت الفقرات المصوت عليها في القانون الحد الأدنى لعمر المرشح لمجالس المحافظات بـ(30) سنة، وأن لايقل تحصيله الدراسي عن البكالوريوس، كما اعتمد القانون نظام سانت ليغو المعدل (1,9) لاحتساب عدد المقاعد.
واعترضت غالبية الكتل البرلمانية الصغيرة، التي تمتلك عددا قليلا من المقاعد، على تمرير بعض مواد قانون انتخابات مجالس المحافظات، ووصفتها بالمجحفة وانها تخدم الكتل الكبيرة بالحصول على اكبر المقاعد.
ويقول النائب زاهر العبادي، عضو كتلة الإصلاح البرلمانية في تصريح لـ(المدى)، ان “التصويت على نظام سانت ليغو (1,9) من قبل الكتل الكبيرة سيضر كثيرا الكتل الصغيرة”، معتبرا ان “تمرير هذه المادة سيكرر نفس الوجوه الموجودة في الكتل الكبيرة”.
بدوره اعتبرت كتلة الفضيلة اعتماد نظام احتساب الاصوات وفقا لسانت ليغو (1,9)، بانه يغلق الابواب امام التغيير السياسي ويحكم قبضة القوى النافذة على المشهد السياسي.
وقال رئيس الكتلة النائب عمار طعمة، في بيان تلقت (المدى) نسخة منه، “للاسف الشديد تكرر اليوم نفس الخطأ عندما صوت البرلمان على تمرير النظام الانتخابي غير المنصف المعتمد في توزيع المقاعد على الفائزين من خلال تصويته على سانت ليغو (1,9( “.
واضاف طعمة ان “هذا الموقف يمثل تراجعا واضحا عن دعوات الاصلاح التي سمعناها و المطالبة بإحداث تغيير في القوى و الوجوه السياسية ويؤدي الى هدر كبير في اصوات الناخبين وتحويلها الى قوائم لم يقصد الناخب اختيارها ويعزز هيمنة الزعماء السياسيين وتقوية أدواتهم في السلطة ويغيّب إرادة الناخبين ويضعف الاستماع لمطالبهم وتطلعاتهم”.
ورأى رئيس كتلة الفضيلة ان “أغلب القوى السياسية أخفقت في هذا الاختبار وعادت لنفس المنهج السابق وهو تركيز الهيمنة للكتل النافذة على المشهد السياسي و تضييق المشاركة السياسية التي تمثل حاجة ماسة وضرورية لدعم النظام السياسي ومواجهة التهديدات و التحديات المحيطة به.
وشدد عمار طعمة على ان “التصويت على نظام سانت ليغو (1,9) أغلق الابواب أمام التغيير و الإصلاح السياسي وأحكم قبضة القوى السياسية النافذة على الواقع السياسي لأمد غير معلوم.
وطالب “بإعادة النظر ومراجعة قرارها المؤيد لسانت ليغو (1,9) واعادة التصويت على نظام انتخابي اكثر انصافاً ويسمح بفرص لنشوء قوى سياسية جديدة تسهم في الاصلاح و التغيير السياسي”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here