عراقيات يقمن حفلات بمناسبة طلاقهن


الصالحي رامي

إقامة حفلات الزواج في العراق أمر مفروغ منه فهي ليلة العمر كما يسمونها والبذخ على الحفل في تلك الليلة هي مقياس لسعادة العروسين ومدى كرم العريس، أما أن تقيم النساء حفلات طلاق فهو أمر جديد وملفت للانتباه.

كان المشهد غريباً، حفل صاخب ونساء متزينات يرقصن ويوزعن قوالب الحلوى على الحاضرين، في حين كانت صاحبة الحفل ترتدي ملابس سهرة بألوان زاهية وعنقها يحمل حلياً ذهبية ووجهها مليء بمساحيق التجميل.

لم يكن الحفل الذي أقامته داليا محمد (39 عاما) والموظفة في القطاع الحكومي العراقي احتفالاً بمولود جديد ولا احتفاءً بخطوبتها، إنما كان إعلاناً عن طلاقها.

أوقدت المرأة المتحمسة شمعة على قالب حلوى وكأنها دخلت حياة جديدة، وان طلاقها هذا مشروع للعيش في حياة مختلفة أوصدت فيها الأبواب على حياة سابقة غير مستقرة تعرضت خلالها وعلى مدى سنوات عدة للضرب والإيذاء النفسي والجسدي.

إيثارها وحرصها على تربية أبنائها في ظل زواج مضطرب كان وراء تأجيل قرارها هذا، ولكن سنوات التنازل انقضت وتقول “تنازلت عن الكثير من الأشياء في محاولة لإنجاح الحياة الزوجية والاستمرار بها برغم الصعوبات لكن زواجي لم ينجح ويوم طلاقي هو أفضل يوم في حياتي”.

المجتمع العراقي وان كان مازال ينظر إلى المرأة المطلقة نظرة قاصرة لكنه يتقبل وجود المطلقات والطلاق أكثر من ذي قبل، ففي السنوات الماضية بات من الطبيعي وجود فتاة مطلقة تحت سن العشرين وتساند الكثير من العائلات بناتهن في طلب الطلاق لاسيما في حال عدم تقبل العائلة ذاتها للزوج وهو ما يفسر أن معظم من يرفعون قضية الطلاق هنّ من النساء وليس من الرجال.

ويجبر الكثير من الرجال النساء على التنازل عن مقدم الزواج والمؤخر ومستحقات النفقة ويضعونها شرطا أساسيا للموافقة على الطلاق وبالفعل يتم ذلك.

أريج سلمان سيدة أخرى تخلصت للتو من زوجها ولم تكتف بقطعة كيك احتفاءً بانفكاكها من زوجها بل أقامت حفلة راقصة مع صديقاتها وكأنها تتحدى الحياة القديمة والتقاليد التي كبتت أنفاسها.

رقصت اريج بحماس وسعادة على أنغام أغنية (طابخين النومي) تلك الأغنية الشعبية التي يرقص عليها العراقيون في الأعراس لكنها باتت تستخدم اليوم في حفلات الطلاق.

أريج تشعر بسعادة غامرة بعد انتهاء زواجها الذي قالت إنها كانت شبه ميتة فيه حتى حصلت على الطلاق وتخلصت من حياة سريعة لم تدم سوى عامين.

حرصت السيدة العشرينية على أن تظهر بكامل زينتها وجمالها وزارت أحد صالونات التجميل في بغداد للتهيؤ لحفل طلاقها تماما مثلما فعلت يوم زواجها وكانت تتبادل التحية مع صديقاتها وتسرد لهن تفاصيل التعاسة في حياتها الزوجية وسعادتها بالانفصال.

تقول أريج لـ”نقاش” إن “الأمور ساءت بعد أشهر من الزواج والمشكلات بدأت تزداد تباعاً وهو ما دفعها لطلب الطلاق مرات عدة قبل أن تغادر الى بيت أهلها إذ عاشت هناك عدة أشهر قبل أن تنفصل رسميا”.

وتضيف: “المجتمع العربي والعراقي خصوصا لا يقبل طلب الزوجة الطلاق من زوجها حتى وإن كان الرجل مريضاً نفسياً او مدمناً او غير ذلك لاسيما العائلات المحافظة إذ تم حصولي على الطلاق بعدما تنازلت عن جميع حقوقي من المقدم والمؤخر والنفقة لذلك عملت حفلة كبيرة للاحتفال بهذه المناسبة التي دعوت اليها مئة سيدة من قريباتي وصديقاتي ومعارفي فهي أهم لحظات حياتي”.

سارة حيدر(31 عاما) سيدة أخرى حصلت على الطلاق تقول لـ”نقاش” إن “علاقتي الزوجية كانت فاشلة جداً ومن جميع النواحي إذ كان زوجي يعاملني بطريقة سيئة ودائما ما كنت اسعى للعودة الى حياة العزوبية التي كانت تتمثل بحرية اكبر”.

وتضيف “عندما حدث الطلاق بشكل نهائي اقترحوا أصدقائي إقامة حفلة بمناسبة الطلاق، وأنا كنت مؤيدة لها بشدة فذهبت واشتريت فستاناً ذا لون وردي كالحياة الجديدة التي سوف ابدأها بعد الطلاق وفي وقتها رقصنا على أنغام اغنية تنصح العزاب بعدم الزواج”.

سارة ترى أن “إقامة حفلة بعد الطلاق تعد فكرة مثيرة وتعيد للمرأة ثقتها بنفسها وتتحدى بها ايضاً فكرة رفض المجتمع العربي للمرأة المطلقة وتبعث الحياة مجددا لدينا، وفي الوقت نفسه ان إقامة هكذا حفلات تعد تحدي للرجال بان استمرار حياة النساء لا يقف على وجود الرجال ولا على زواج النساء”.

الباحثة الاجتماعية نيران يوسف تقول لـ”نقاش” إن “نسبة الطلاق ارتفعت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وبالتالي أصبح الطلاق شيئاً اعتيادياً لا يندرج ضمن قوائم المحرمات والحياء الخاصة بالعادات والتقاليد”.

وتضيف “هناك أسباب عديدة تدفع النساء لإقامة حفلات بعد طلاقهن منها زيادة المشكلات بين الزوجين ووصولها الى طريق مسدود وتمسك الزوج بعدم تفعيل خيار الطلاق كلها أسباب تؤدي الى احتفال النساء بطلاقهن تعبيراً عن خلاصهن من الحياة الزوجية”.

وترى يوسف ان “انفتاح المجتمع على الحياة وتطوره خصوصا بعد عام 2003 يعد أيضاً من الاسباب التي تساعد النساء على إقامة الحفلات التي يعدوها كحفلة تكريمية لخلاصهن من الصعوبات التي كن يواجهنها مع أزواجهن”.

وتسجل حالات الطلاق في العراق ارتفاعا كبيرا في الآونة الأخيرة حتى باتت النسبة الأعلى بين القضايا التي تشهدها المحاكم العراقية وهي ظاهرة يعزوها كثيرون إلى الحروب التي يرزح تحت دوامتها منذ 36 عاماً.

ووفقاً لإحصاءات رسمية من مجلس القضاء الأعلى العراقي فإن نحو عشرين في المئة من حالات الزواج التي جرت في السنوات العشر الأخيرة انتهت بالطلاق إذ تتحدث الأرقام الرسمية عن أن مجموع حالات الطلاق وصل إلى (517) ألفا في السنوات العشر الماضية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here