الاسلام والعالم الانكلوسكسوني، 7 (*)

2815
الاسلام و العالم الانجلوسكسوني، 7 (اقتباس)
بقلم د. رضا العطار

ان التشابه بين التفكير الانكليزي والتفكير الاسلامي يمكن متابعته خلال سلسلة من الحقائق ذات دلالة تستحق بحثا مستقلا. لم تكن الثورة الانكليزية سنة 1688 تتسم بالتطرف. وفي رأي (برتراند رسل) كانت اكثر الثورات اعتدالا وكانت في الوقت نفسه اكثرها نجاحا في العالم. وكثير من الاحداث في التاريخ السياسي البريطاني لم تتماد مطلقا لتبلغ اقصى نتائجها وغلوائها، وانما تجمًدت في وسط الطريق. ففي انكلترا لم ينتج عن الثورة ضد الملكية إلغاء الملكية، بل ظلت هناك عناصر من النظام الارستقراطي تتعايش جنبا الى جنب مع المؤسسات الديمقراطية.

وفي الانكليزية كلمة Minister فيها مضمون ديني وسياسي معا، فهي لقب لوظيفة (وزير) في الدولة ولقسيس في الكنيسة. فنحن هنا نواجه ثنائية في دلالة المصطلحات، كما في المصطلحات الاسلامية، وخلافا لجميع الدول الاوربية الاخرى، جاءت انكلترا بنوع من الضرائب لصالح الفقراء تستدعي الى ذاكرتنا فكرة الزكاة الاسلامية. ولا غرابة في ذلك، فإن تشابه العقول في التفكير، عندما يواجه مشكلات الحياة العملية نفسها، يأتي غالبا بحلول متشابهة.
ومن المتوقع في المستقبل ان اوربا ستقبل جميع النتائج التي سينتهي اليها العلم بما في ذلك تلك النتائج المتطرفة في لا انسانيتها، بينما في الاغلب الاعم ستقف انكلترا وامريكا عند طريق وسط، وهو موقف برجماتي.
في اوربا – اتساق مع الموقف المسيحي – يظل الدين دينا – ويظل العلم علما، بينما في انكلترا سيظل المحك الاكبر هو الخبرة (اي الحياة).

إن الاتجاه الى (الطريق الثالث) يمكن مشاهدته في اجزاء اخرى من العالم، وان كانت مختلفة النزعة عن مثيلتها في انكلترا. ففي انكلترا يوجد الاتجاه على مستوى الفكر والمشاعر معا، بينما يظهر الاتجاه في اوربا كضرورة عملية فقط وليس من باب الاعتقاد. هذه الظاهرة تعبر عن نفسها باسلوب مختلف في الدول الكاثوليكية عنها في الدول البروتستانتية، حيث نجد الاستقطاب العقائدي اكثر وضوحا في الدول الكاثوليكية، ونجد الاتجاه الى الطريق الوسط صعبا دراميا ومشكوكا فيه. لعل هذه البلاد اصبحت – بمعنى من المعاني – غير قادرة على سلوك (الطريق الثالث).
فايطاليا وفرنسا واسبانيا والبرتغال (كانت ولا تزال) نماذج لمجتمعات حادة الاستقطاب. فالرأي العام في هذه البلاد منقسم – بشكل غير قابل للتصالح – بين حركات واحزاب يمينية مسيحية، ويسارية ماركسية.
اما الوسط، فاما انه محدود جدا واما قد تلاشى تماما. في هذه البلاد تصطدم اكبر عقيدتين متصلبتين في التاريخ: الكاثوليكية والشيوعية، وقد انهكهما الصراع الذي لا فوز فيه لاحد. لقد كانت اسبانيا قبل الحرب الاهلية مباشرة نموذجا لهذا الموقف. ففي الانتخابات العامة سنة 1936 حصلت الاحزاب اليسارية على 52% وحصل اليمينيون على 34% ولم يحصل الوسط الا على 4،86% من مجموع اصوات الناخبين. لقد فاز اليساريون بزعامة (جونزاليز).
وفي ايطاليا اليوم يكاد يكون الموقف مشابها للموقف في اسبانيا. وفي فرنسا ايضا نجد هذا الاستقطاب الشامل نفسه.
ان التحليل الداخلي في كل من العقيدتين، مُشاهد في سلسلة من الاعراض. احد هذه الاعراض الحوار الجاري بين الماركسيين والكاثوليك الذي بدأ على حذر في الستينيات.

هذه الحوارات العقيمة نموذج للعقلية الاوربية وللعلاقات على المستوى الايديولوجي بين الماركسيين والدين. لقد استمرت هذه العلاقات التصادمية دون توقف على مدى قرن من الزمان بدون ان يبدي احد من الطرفين اي بادرة من التنازلات. انه عرض من اعراض الفشل نتيجة الاصرار على تنظيم الحياة على مبدأ واحد قطعي. لقد اضطرت الماركسية اضطرارا الى التراجع عن مقولتها التاريخية التقليدية من ان (الدين افيون الشعوب) واعترفت الكاثوليكية اضطرارا بان هدف الماركسية هو تطوير نظام اكثر عدالة.
الى الحلقة التالية !
* مقتبس من كتاب (الاسلام بين الشرق والغرب) لعلي عزت بيجوفيتش.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here