الحكومات المحليّة: سانت ليغو يُنظّم تنافس الأحزاب لكنّه لا يُغيّر الخارطة السياسيّة

بغداد / وائل نعمة

بعد الانتخابات المحلية الأخيرة، وجدت القوى السياسية الكبيرة أنها قد أخطأت حين وافقت على تمرير قانون سمح لقوى صغيرة بالحصول على مقاعد في مجالس المحافظات. وانتقد نواب بعد الانتخابات المحلية عام 2013، “الحكومات الهشّة” التي تشكلت في المحافظات، بسبب نظام “سانت ليغو”، الذي شهد لاول مرة صعود كتل بمقعد واحد.
وتداركت بعد ذلك القوى الكبيرة الخطأ، وقامت خلال انتخابات ٢٠١٤ بتعديل القانون، ووضعت عقبة أمام الكتل الصغيرة، الأمر الذي حدّ من صعود الاخيرة الى البرلمان.
ويتهم مراقبون للانتخابات موظفاً سابقاً في مفوضية الانتخابات، وينتمي الى كتلة سياسية كبيرة، بالوقوف وراء اعتماد نظام جديد لاحتساب الاصوات، من شأنه تقليل حظوظ القوى الصغيرة.
ولم تكن القوى السياسية الكبيرة، بحسب المراقبين، تعتقد أن البرلمان سيوافق على سانت ليغو (1.9) بهذه السرعة، حين عرضت قانون الانتخابات مؤخرا للتصويت.
واستخدمت تلك الكتل “مناورة سياسية”، باستخدام سقف عال للمطالب، فيما كانت تطمح للعودة الى مقترح سابق يقسم أصوات الفائزين على (1.7).
ولذلك تعتقد أطراف سياسية، تمتلك مقعدا واحدا في مجالس المحافظات، ان القوى الكبيرة تريد هذه المرة “قضم الكعة كاملة دون منغص” مهما كان صغيراً.
وفي كل الاحوال، لايغير صاحب المقعد الواحد الكثير من الامور داخل الحكومات المحلية. إذ تمرر القرارات بالتوافق بين القوى الكبيرة، بينما تكتفي القوى الصغيرة بالتحفظ في أغلب الاوقات.
لذا لاتعتقد القوى الصغيرة أنها السبب الرئيسي في إرباك عمل مجالس المحافظات، وتجد ان الكتل الكبيرة هي من تفعل ذلك عندما تختلف حول المحاصصة.
بالمقابل تقول القوى الكبيرة إن الكتلة ذات المقعد الواحد طالما عطلت الحكومات المحلية، حينما “يقفز” العضو من كتلة الى أخرى داخل مجالس المحافظات.
وخلال ست تجارب انتخابية محلية ونيابية، شهدها العراق منذ 2003، دشن البرلمان ثلاثة قوانين انتخابية جديدة، وعدل ثلاثة أخرى، بمعدل قانون واحد لكل دورة.
القفز بين الكتل
ويعتقد أحمد السلطي، العضو المنشق عن ائتلاف المواطن في البصرة، أن “سانت ليغو الذي اعتمد في الانتخابات الاخيرة عطل عمل الحكومة المحلية”.
وتعد البصرة أكبر المحافظات، التي تضم كتلا بمقعد واحد. حيث فاز في الانتخابات الاخيرة ٩ أشخاص من كتل مختلفة كل منها بمقعد واحد.
وبعد تشكيل الحكومة في البصرة، يقول السليطي لـ(المدى) “صار مجلس المحافظة يتكون من 10 كتل، 7 منها تضم مقعدا واحدا”، متهماً بعضهم بـ”بابتزاز القوى الكبيرة حينما يقوم بالانتقال من كتلة الى أخرى”.
لكن فرحان قاسم، العضو الوحيد في مجلس محافظة بغداد عن التيار المدني الديمقراطي، يقول بان “من يخرب عمل مجالس المحافظات هي القوى الكبيرة”.
وفي بغداد أظهرت الانتخابات المحلية، حصول 10 أشخاص على مقاعد وحيدة، بينهم ممثلو “الكوتا”.
ويضيف قاسم، في تصريح لـ(المدى) امس، ان “تلك القوائم تتصارع في ما بينها من أجل المحاصصة على المناصب، وهي من تقوم بإقالة المحافظين، كما حدث مع محافظ بغداد علي التميمي”.
وكانت إدارة بغداد، في السنوات الثلاث الاولى بعد انتخابات 2013، لصالح تحالف (الصدريين، كتلة الحكيم، وتحالف القوى). لكن تحالف القوى انسحب العام الماضي، ملتحقاً بكتلة دولة القانون وتسبب ذلك بتغيير المحافظ الصدري.
ويرى عضو كتلة التيار الديمقراطي ان “صاحب المقعد الواحد لايغير الكثير من القرارات في الحكومات المحلية”، مضيفا “أنا أتحفظ على 90% من قرارات المجلس، ولكنها بالنهاية تصدر بعد ذلك”.
ويرى فرحان قاسم ان “البرلمان بإقراره القانون الجديد لانتخابات مجالس المحافظات، الذي يعتمد نظام احتساب أصوات (سانت ليغو 1.9) مرر ذلك رغم معارضة قوى صغيرة”.
ويقول عضو مجلس محافظة بغداد ان “القانون الجديد جاء لتحصل القوى الكبيرة على كامل الكعكة من دون ان يراقبهم أي أحد، حتى لو كانت قوى صغيرة”.
من جهته يعتقد أحمد السليطي، عضو مجلس البصرة، ان القانون الجديد “سيمنع ظهور أحزاب هي بالحقيقة دكاكين سياسية تظهر قبل الانتخابات لتشتيت الاصوات”.
ويضيف السليطي “لامصلحة للمحافظة بتعدد القوى السياسية وإدخال الناخب في دوامة أسماء المرشحين”، مشيرا الى ان “بعض الكتل الصغيرة تقدم 70 مرشحاً ليفوز مرشح واحد”.
وينفي المسؤول البصري ان تكون تلك القوى تمثل أقليات، مشيرا الى ان “الاقليات يمكن تأكيد مشاركتها من خلال بنود في القانون، لكن تلك القوى لديها ممثلون من طوائفها ويمكن ان تندمج في تحالفات اخرى، وهي ستفعل ذلك بكل الاحوال”.
ويعتقد السليطي ان “الدخول منفرداً بالانتخابات لايعني الخسارة دائما كما تصوره التيارات الصغيرة”.
ويضيف قائلا ان “النائب عن البصرة محمد الطائي كان قد حصل لوحده على 60 ألف صوت بانتخابات 2014، وعضو آخر في كربلاء حصل على 80 ألف صوت في الانتخابات المحلية الاخيرة”.

ماهو سانت ليغو؟
وكانت المسودة الجديدة لقانون الانتخابات المحلية، التي أرسلتها الحكومة الى البرلمان وصوت عليها مؤخرا، اعتمدت طريقة معدلة عن نظام سانت ليغو، التي تبدأ بالقسمة على 1,7.
لكن عادل اللامي، الرئيس الاسبق لمفوضية الانتخابات، يقول لـ(المدى) ان “اللجنة القانونية عدلت الى 1.9 وهي لم تكن تطمح للحصول على هذه النسبة”.
ويشير اللامي الى ان “القوى السياسية الكبيرة وضعت سقفا عاليا للقانون، لتصل في النهاية الى الحد الادنى الذي تريده وهو 1.7، الذي جاء في النسخة الاصلية للقانون”.
واستخدم نظام (سانت ليغو المعدل)، لاول مرة في الحقبة التي سبقت الحرب العالمية الثانية من قبل أحزاب دكتاتورية، كانت ترفع شعار الديمقراطية ولكن تعتمد طريقة لاحتساب الأصوات تجعلها المسيطرة على الحكم.
ويقضم (سانت ليغو) الاخير، بحسب اللامي، معظم اصوات الكتل الصغيرة، حيث ستحصل الكتلة التي تجمع 10 آلاف صوت، بعد القسمة، على 5260 صوتاً.
وتشير معلومات حصلت عليها (المدى) من جهات قريبة من البرلمان، ان مفوضا سابقا بمفوصية الانتخابات قام بالتأثير على اللجنة القانونية لتعديل سانت ليغو في 2014، وقام بالدور ذاته في التعديل الاخير”.
وشرع البرلمان قانونا جديدا عام 2013، واعتمد طريقة (سانت ليغو المعدل 1.6)، وتم اعتماد هذه الطريقة في انتخابات 2014.
ويعتقد عادل اللامي، الخبير في شؤون الانتخابات، ان “العدالة تتحقق باستخدام سانت ليغو الذي يبدأ القسمة على واحد دون كسور، او تقسيم البلاد الى دوائر صغيرة”.
من جهته يعتقد عبد الرحمن الوكاع، عضو مجلس محافظة نينوى، ان اعتماد “سانت ليغو المعدل فيه جوانب إيجابية وأخرى سلبية”.
ويقول الوكاع، في اتصال مع (المدى) امس، ان “القانون الجديد سيقلل من حجم الاحزاب الكثيرة التي تنافس في الانتخابات، لكن بالمقابل لن يحدث تغيير في الخارطة السياسية”.
ويضيف المسؤول الموصلي ان “القانون سيدفع القوى الصغيرة الى الاندماج مع كتل كبيرة، وآنذاك ستكون صورة طبق الاصل منها ولن نجد وجوهاً أو سياسة جديدة”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here