هؤلاء في حياتي (١٧) فؤاد الشوهاني.. رجل مصنوع من الحرص

هؤلاء في حياتي (١٧)
فؤاد الشوهاني.. رجل مصنوع من الحرص
سليم الحسني

تعرفت عليه لأول مرة خلال عملي رئيساً لتحرير مجلة الجهاد للدراسات، ثم رئيساً لتحرير جريدة حزب الدعوة الرسمية (الجهاد)، فقد كان يتولى الحاج (فؤاد الشوهاني/ أبو آزاد) مسؤولية مدير قسم التوزيع والخدمات.

أيامذاك كان شاباً أكبر مني سناً، ببنيان جسمي قوي، يجسد فيه الصورة المعروفة عن الكرد في قوة أجسامهم، وصوت جهوري ملحوظ، ونشاط لا يفتر من أول دقيقة من الدوام الرسمي حتى بعد نهاية الدوام، حيث يبقى ينجز الأعمال المتبقية، أو يراجع الحسابات أو ينظم مستلزمات العمل لليوم التالي.

طوال الفترة التي عمل فيها ما بين عامي (١٩٨٣ و١٩٨٧) لم أجده غائباً أو مجازاً أو متأخراً، وذلك في مبنى قديم متهالك قرب ميدان (توبخانة) بطهران، ثم بعد ذلك في المبنى المكون من أربع طبقات، في أحد الشوارع الفرعية القريبة من ميدان (فردوسي) بقلب طهران. مبنى تنقصه التدفئة، وشتاء طهران بارد لا يرحم في تلك السنوات، نستعين عليه بدفء أجواء العمل الأخوية المخلصة الصادقة.

كنت ذات يوم مشغولاً بكتابة مقال الصفحة الأولى ـ وهو يوم الأحد من كل أسبوع ـ وسط جو شديد البرودة، فشعرت بغطاء ثقيل على ظهري. لقد خلع (أبو آزاد سترته العسكرية) ليعينني على كتابة المقال.

فشلت كل توسلاتي بالرفض، فقد حسم الأمر مازحاً:

ـ أنا كردي لن أتراجع.. وأنت تكتب المقال للناس، ليس لنفسك ولا لي.

صار الدفء مضاعفاً، مَن هذا الانسان المملوء شعوراً بالمسؤولية؟ هكذا سيقول الذين لا يعرفونه، لكن الذي يعرف الحاج (فؤاد الشوهاني) سيجد ذلك أمراً بسيطاً عادياً في سلوكه وطيبة قلبه وحبه لمساعدة الآخرين.

فؤاد الشوهاني من القلة النادرة من أصدقائي الذين اعرفهم باهتمامه الدقيق بالأرشفة وحفظها، فهو في هذا الجانب مصدر ثمين يرشدك الى الكتاب والبحث والمقالة والمحاضرة. وعندما لا تكون عنده ما تبحث عنه، يرشدك أين يمكنك الحصول عليه، وقبل ذلك يبذل جهده بنفسه لتوفير ما تريد. وقد استعنت به في مرات عديدة، فوّفر عليّ الجهد والوقت.

والحاج (أبو آزاد) من القلة النادرة من الأصدقاء الذين تعاملت معهم، في الدقة والتنظيم والضبط الإداري. كل شيء مُدوّن بالتفاصيل في سجلات ودفاتر مخصصة لذلك، لا فرق عنده بين أقل الأمور قيمة وبين أكثرها أهمية. فهو يتعامل على أنها من مسؤوليات العمل، وأنه مؤتمن عليها أكثر من مقتنياته الشخصية.

ذات مرة أردت إرسال كتاب لصديق خارج العراق عن طريق بريد الجريدة، فوزن الكتاب وأخرج قائمة الأجور البريدية، ثم رفض أن يستلم مني أجور الإرسال، بأن يدفعها عني. وحين رفضت ذلك، ولم تكن لديه بقية إرجاع الثمن البسيط، طلبت منه ان يضعه في نثريته، أخرج دفاتره، فسجل أجور البريد، ثم أخرج سجل النثرية، فكتب فيها المبلغ الزهيد المتبقي.

في صباح يوم الاثنين من كل أسبوع تصدر جريدة الجهاد، فيكون أثقل الأيام على قسم التوزيع، حيث يجري التعامل مع آلاف العناوين في داخل إيران وخارجها، لحوالي (١٨) الف نسخة.

في ساعات الدوام الأولى ذلك اليوم، يستدعي الحاج (فؤاد الشوهاني) قوى أضافية لا أعرف من أين يأتي بها، فهو يساعد الموظفين العاملين في التقسيم وتعبئة الظروف بنسخ الجريدة، وتسجيل عناوين الارسال الى المشتركين في مناطق طهران ومدن إيران وفي دول مختلفة من العالم. وطوال الوقت يتابع الموظفين والموزعين، فلا تفوت منه أدق التفاصيل، وقبل الساعة الحادية عشرة صباحاً يكون قد انتهى كل شيء.

يغضب (فؤاد الشوهاني) غضب الحريص على التفريط بشأن من شؤون العمل. فذات يوم عاتب بشدة أحد الموزعين للجريدة، بأنه قام بجولتين على الدراجة النارية، بينما كان بمقدوره أن يقوم بجولة واحدة، فلقد فرّط بذلك بالوقت وبكلفة الوقود.

أقول بكل الثقة، أنه لو تولى منصباً مهماً في الدولة بعد سقوط نظام صدام، لفعل ذلك بالضبط والدقة والتمام، إنه (أبو آزاد) المخلص الصادق الحريص على عمله ومسؤوليته وعزة نفسه وشرف اخلاقه.

حفظك الله أخي العزيز فؤاد الشوهاني.
لإستلام مقالاتي على قناة تليغرام اضغط على الرابط التالي:
https://telegram.me/saleemalhasani

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here