البكا ..لوريا والرعب المتواصل الذي أفزع أمة !!

احمد الحاج

ﻻيحدث إﻻ في العراق أن طالبة كركوكية تصاب بصدمة نفسية بعد رسوبها في السادس الاعدادي او ” البكالوريا ” وتهرب من منزلها لينشر أهلها صورتها على مواقع التواصل أملا بالتعرف عليها وإعادتها الى المنزل ،المعلقون :شكد حلوووة ! وسط كهذا انما يعطيك لمحة خاطفة عن اسباب تردي التعليم في العراق .

الطالب ” طالب مرتضى محمد ” والذي يسكن منطقة البتيرة بمحافظة ميسان فكر بطريقة أخرى أكثر تشاؤما وسوداوية حين أقدم على الانتحار شنقا بعد إعلان نتائج السادس الاعدادي ورسوبه فيها داخل منزله !

الطالبة ، رفل عامر محمد الشكرجي ، توفيت داخل المركز الامتحاني في ثانوية الخنساء للبنات الواقعة شرقي بغداد بعد إصابتها بضيق تنفس حاد أثناء الامتحان وأزعم أن للقلق والارهاق – البكالوري – دورا فيما وقع لها من مأساة محزنة !

وقبلها بشهر تقريبا انتحر طالب من سكنة الناصرية في السادس الاعدادي يبلغ من العمر 22 عاما، بإطلاق النار على نفسه من بندقية نوع كلاشنكوف – ﻻحظ سنه الكبيرة قياسا بالمرحلة الدراسية – وقبلها بعام أقدم احد الطلاب في محافظة البصرة، على الانتحار بإلقاء نفسه من جسر الشهيد كنعان وسط مياه شط العرب، بعد رسوبه في الصف السادس العلمي.

انتشار أجهزة الغش الالكتروني السمعية وبشكل غير مسبوق في الباب الشرقي وسط العاصمة بغداد وبأسعار تتراوح بين 100- 600$ وبنوعيات وكفاءات مختلفة جعلت من الغش التقليدي أمرا مضحكا للغاية يعتمد عليها العديد من الطلبة ويراهنون عليها في النجاح – زور كوة بلاعلم ولافهم – ، يقابلها ابتكار وزارة التربية لجهاز “كشف الذبذبات” لمطاردة سماعات الغش هذه والذي نجح بحسب بيان لها بأكتشاف عشرات الحالات وإهداء براءة إختراعه لها من قبل نخبة من المهندسين .

كل ذلك بسبب الرعب المتواصل الذي يحيط بامتحانات البكا ..لوريا ومنذ عقود طويلة ، هذه الفكرة الجهنمية التي ابتدعها الرومان بتنظيمهم لمسابقة تسمى (Bac à laurrier) او الحصول على باقة من زهور الدفلى ” lauriers” أو الامتحان الذي بكى فيه ” لوريا ” على زعم – الفكاهيين – أو النحت والإختزال الذي لحق بعبارة ( بحق الرواية ) المعروفة لدى علماء الحديث وتعني إجازة الرواية لتصبح ” بكا لوريا ” على حد وصفهم مقتبسة من اللغة العربية وكلها آراء محل نظر ليس لها مايؤيدها علميا بالمطلق ، اقول إن هذا الرعب الذي لم يجد له حلا قط يصدق فيه قول نابليون ( ساحة معركة ولا قاعة إمتحان) فقد اطلعت على دراسات علمية ونفسية شتى وهي تقدم نصائح الى الممتحنين للتخفيف من روعهم في القاعات الامتحانية وهي في حقيقة اﻷمر زادت من مخاوفهم ، يقابلها فتاوى تحرم الغش في الامتحان وتتوعدهم بالويل والثبور وتحذيرات من ادارات المدارس بعقوبات رادعة ، وضغوط مستمرة من عوائل الطلبة للنجاح بأي ثمن وبأعلى معدل وإلا …. ، كلها مواقف باتت تشكل مصدر قلق حقيقي للطلبة لاينجو من وطأته الكثير منهم حتى تحولت الامتحانات النهائية الى مسلخ يكرم المرء فيه أو يهان .

ولعل ما قاله الروائي والكيميائي الروسي الكبير ، إسحاق عظيموف ، ” أؤمن بكل ثقة بان التعليم الذاتي، هو التعليم المُثمر الوحيد على وجه الأرض” وماقاله خبير التنمية البشرية الامريكي ، جيم رون ” التعليم الرسمي يوفر لك لقمة العيش، التعليم الذاتي يجعلك صاحب ثروة” تلخصان مايجب ان يكون عليه التعليم وتنمية القدرات والمهارات في العراق .

ولي وجهة نظر شخصية في انحدار نسبة النجاح المئوية في السادس الاعدادي بفروعه كافة في جميع المحافظات للعام الدراسي 2016 – 2017 بمعدل 28.45% وانحدار النسبة في الانبار الى 16% ألخصها في جملة أمور اولاها هي أن أولياء اﻷمور لم يعودوا يحرصون على مستقبل ابنائهم كما في السابق ولم يعودوا يتابعونهم صباح مساء للأطلاع على مستوياتهم ونصحهم وتوجيههم ، ويؤشر الى ان رغبة الطلبة في التعليم قد تلاشت ربما بسبب الفيس ويوتيوب وبقية شلة السوشيال ميديا ، ويؤشر الى خشية ادارات المدارس ومدرسيها من الطلبة المشاغبين فلم يعودوا يحاسبونهم كما في السابق خوفا من الملاحقة العشائرية والفصلية والميليشايوية والمحسوبية والمنسوبية ولا ادل على ذلك من الاعتداء على عدد من المدراء والمديرات والمعلمين بالضرب المبرح من قبل اولياء امور الطلبة الكسالى في عدد من المحافظات ، ويؤشر الى ان بطالة الخريجيين السابقين ولسنين طويلة قد أحبط من جاء بعدهم فلم يعودوا ينظرون الى النجاح على انه بناء لمستقبلهم وتطوير لمهاراتهم ، زيادة لخبراتهم ، وتحسين لمواردهم ، مستخدمين عبارة ” هو اللي تخرجوا قبلنه شحصلوا ؟ ” او ” نكع الشهادة واشرب ميها ” ويؤشر الى ان حصول بعض الاميين على مناصب مهمة قد شجع البقية الباقية على الامية .

ويؤشر الى ان التربية قد فصلت عن التعليم تماما وماعاد المعلم والمدرس اﻻ ما رحم ربك ، يربي ويعلم واكتفى بالتعليم فقط من دون التربية ( اذكر ان مدير مدرستنا وبعد ان هربنا ذات يوم عبر السياج وكان في اجازة طاردنا في الاسواق حتى اعادنا الى المدرسة تاركا زوجته وسط الشارع لوحدها ..ومازلت اذكر استاذ خزعل بخيزرانته القاسية التي خرجت اطباء ومهندسين وطياريين وضباط على اعلى المستويات ) ، ويؤشر الى مدى تأثير المدارس الرباعية والثلاثية والثنائية والطينية والكرفانية على مستوى التعليم ، ويؤشر الى ان الدروس الخصوصية قد اتلفت اجيالا من المدرسين والطلاب على حد سواء وبالاخص ان بعض المدرسين باتوا – يشربتون – موادهم داخل المدرسة لإقتناص الطلاب خارجها وبأقساط مليونية ، ويؤشر الى ان كثرة العطل الرسمية وشبه الرسمية قد مسحت جيلا كاملا واخرجته من دائرة المثابرة والاجتهاد اذ ان طالبا يعطل معظم ايام السنة الدراسية لن تجد عنده رغبة في التعلم بتاتا بعد ان اعتاد الكسل – والخدة والخدر – ، ويؤشر الى انخفاض مستوى المعلمين والمدرسين انفسهم ، ويؤشر الى ان حجم الفاقة الاقتصادية التي اجبرت مئات الالاف من الطلبة على التغيب والتسرب المدرسي لغرض العمل وتأمين لقمة العيش لهم ولعوائلهم ، ويؤشر على مدى تأثير الظروف الخدمية والامنية على الطالب وذويه ومدرسيه ، ويؤشر الى مدى انكسار نفسية الطلبة واحباطهم والى حجم الغش في الامتحانات اذ ان استخدام وابتكار وسائل حديثة لكشف الغش والاجهزة التقنية الحديثة التي يحملها بعض الطلبة في القاعات والمراكز الامتحانية قد اظهر نسب النجاح الحقيقية بعد تفويت الفرصة عليهم للنجاح بوسائل غير مشروعة ، ناهيك عن الفساد المستشري في بعض مديريات التربية شأنه شأن الفساد المنتشر في كل مفاصل الدولة ومؤسساتها، كلها عوامل افضت الى هذه النتيجة الصادمة .. ﻻيفوتنا ان نذكر بان النزوح وتردي الوضع الامني في عدد من المحافظات الساخنة والتأخير والتلكؤ بتوزيع المناهج بداية العام الدراسي وتوقيت الامتحان النهائي في شهري تموز وآب اللهاب مع انقطاع التيار الكهربائي المتواصل لها تأثير كبير في ذلك ايضا ، وختاما فان تدني مستوى التعليم في العراق ﻻتتحمله جهة واحدة فحسب بل كلها مجتمعة وعلى من يضع اللوم كله على جهة واحدة من دون غيرها عليه ان يعيد حساباته كي ﻻنقع في المحذور مرة اخرى .اودعناكم اغاتي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here