داعــش والمغول تشابه واختلاف

عبدالوهـــــــاب جـــــاسم علي*
(نينوى)
في كثير من الاحيان يعيد التاريخ نفسه أي ان بعض الاحداث التاريخية تتكرر على مر العصور ولكن يختلف الزمان والمكان والشخوص والدول، وفي وقتنا الحاضر نجد البعض من الناس يقارن بين الغزو المغولي للبلدان الاسلامية الذي حدث خلال القرن الثالث عشر الميلادي ((السابع الهجري)) وما حدث خلال هذا الغزو من ويلات وحروب ومجازر راح ضحيتها الاف الابرياء وخراب وطمس للحضارة والثقافة والعلوم، وبين سيطرة ما يعرف بتنظيم داعش على مناطق ومدن عديدة في سوريا والعراق وليبيا وغيرها من البلدان وقيام هذا التنظيم بأعمال وحشية لا تمت الى الاسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد .
وفي الحقيقة يوجد بعض التشابه بينهما على الرغم من سعة الفجوة الزمنية بين الاثنين ومنها ما يأتي :ـــ
1- القتل وسفك الدماء :ــ
وهذا ما حدث للبلدان التي سيطر عليها المغول حيث كانوا يقتلون بلا رحمة وزهقت ارواح اعداد كبيرة من الناس ، فبعد سيطرتهم على بغداد سنة (656هـ ــ 1258 م) بدأوا بقتل كل من يصادفهم من اهلها واستمرت اعمال السلب والنهب والقتل اسبوعا كاملا حتى قيل ان الدماء سالت في الازقة والطرقات، كما ان تنظيم داعش قتل اعداد كبيرة من الناس العزل في المناطق التي سيطر عليها فعندما يسيطر على مدينة معينة يبادر الى القتل والتهجير بهدف بث الرعب في نفوس السكان ومن الامثلة على ذلك مجزرة سبايكر والبو نمر وقتل الايزيدية والمسيحيين والشبك وتهجيرهم، تعد دليل صارخ على وحشية هذا التنظيم الظلامي .
2- محاربة الثقافة والآدب والعلوم :ــ
فبعد سقوط بغداد على ايدي المغول بادروا الى حرق واتلاف كل ما يقع على ايديهم من كتب ومصنفات لا تقدر بثمن حتى ذكرت بعض الروايات التاريخية ان مياه نهر دجلة تغير لونها واصبح يشبه لون الحبر من كثرة الكتب التي رميت فيه، اما تنظيم داعش فقد اتلف الكثير من الكتب الادبية والعلمية والثقافية كما فعل في المكتبة المركزية في جامعة الموصل وقام بحذف الكتب المنهجية للدراستين المتوسطة والاعدادية في المناطق الخاضعة لسلطته بحجج وذرائع واهية واصدر كتبا ومناهج تبيح القتل وتدعو الى اشاعة ثقافة العنف والتدمير والتخريب ، فضلاً عن الدمار والخراب الذي لحق بالأثار التي تزخر بها محافظة نينوى في العراق ومدينة تدمر في سوريا وغيرها بهدف طمس الموروث الحضاري والثقافي وتدمير حضارة عمرها مئات بل الاف السنين .
3- هجرة العلماء والادباء :ــ
من جراء اعمال المغول الوحشية اضطر العدد القليل من العلماء الفقهاء الذين نجوا من مذابح المغول الى الهجرة الى البلدان المجاورة كالشام ومصر ، وغيرها من البلدان حتى عرفت فترة السيطرة المغولية على بغداد بالفترة المظلمة، وفي المناطق التي احتلها تنظيم داعش تكرر الشى نفسه؛ إذ هاجر العلماء والادباء والاطباء وكثيرا من الاساتذة والكفاءات الى اوروبا وبعض البلدان العربية هربا من هذا التنظيم واعماله الوحشية .
4- تدهور الحياة الاقتصادية للسكان:ــ
إذ اصيبت الحياة الاقتصادية في العراق بالشلل التام ابان السيطرة المغولية وحدثت مجاعة كبيرة؛ بسبب هجرة الفلاحين لقراهم ومزارعهم لتعرضهم للهجمات المغولية المستمرة, وفي الوقت الحالي يعاني السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة داعش من تدهورا في احوالهم الاقتصادية والمعيشية، بسبب توقف اغلب اصحاب الحرف والمهن عن العمل وفقدان الكثير من السكان لأعمالهم وقيام تنظيم داعش بسرقة الاموال العامة من المؤسسات الحكومية واستيلائه على البنوك وتضييقه الخناق على المدنيين مع فرضه اتاوات مالية على اصحاب المحال التجارية فضلا عن انقطاع مفردات البطاقة التموينية, الامر الذي جعل الغالبية العظمى من السكان الرازحين تحت سيطرة تنظيم داعش يعيشون تحت خط الفقر .
5- استخدام الناس كدروع بشرية :ــ
كان المغول عند سيطرتهم على مدينة معينة يبادرون الى اسر ما تبقى من الناس الذين نجوا من القتل وعند تقدمهم نحو المدينة التالية يضعون الاسرى في مقدمة الجيش المغولي حيث يقوم الجيش المدافع عن المدينة برمي الجيش المهاجم بالسهام والرماح والاسلحة المتوفرة لديهم في ذلك الوقت فيصيبون مقدمة الجيش الذين هم في الواقع اسرى فيتساقطون قتلى وادى هذا الامر الى بث الرعب في نفوس الناس وفقدان الروح المعنوية وانعدامها لديهم مما ادى الى سهولة سيطرة المغول على بلدانهم في ذلك الوقت .

ويلجا تنظيم داعش في هذا الوقت الى الاسلوب نفسه وهو استخدام الناس كدروع بشرية إذ يجعل مقراته ومخازن السلاح وسط الاحياء السكنية تجنباً للقصف الجوي من قبل طيران الجيش وطيران التحالف الدولي كما حدث في كثير من المناطق والاحياء والسكنية التي قصفت جوا حيث راح ضحيت القصف العشرات من القتلى والجرحى من المدنيين.
ومن الاعمال المماثلة التي يقوم بها تنظيم داعش هي اجبار الشباب على اطلاق اللحى وتقصير ثيابهم بهدف الاختباء بين المدنيين تجنبا لاستهدافهم من الطائرات وايضا اجبار السكان على البقاء في المدن وعدم الخروج منها لكي يكونوا بمثابة درع يؤمن لهم الحماية اذا حدث هجوم وتقدم للقوات الامنية لأجل استعادة هذه المناطق المغتصبة .
ما اوردناه آنفا يمثل بعض اوجه التشابه بين المغول وما يعرف بتنظيم داعش وعلى الرغم من سعة الفجوة الزمنية والمكانية بين الاثنين فقد ظهرت افعال وممارسات متشابهة الى حد كبير بينهما وهنا ينبغي ان نطرح سؤالاً مفاده ((ايهما افضل من حيث الممارسات والافعال المغول الهمج ام داعش الذي يدعي الاسلام والاسلام منه براء؟ )).
يبدو لي ان المغول هم افضل من تنظيم داعش لأسباب تتعلق بالدين اولاً وبالعادات والتقاليد ثانياً والقوانين ثالثاً، فالمغول ديانتهم وثنية (ارضية) قائمة على تصورات وهمية تبيح القتل والتخريب ولديهم عادات وتقاليد غريبة ويعدون قبائل بدائية بالمقارنة مع المجتمعات الاسلامية التي سيطروا عليها.
وهذه القبائل كانت متناحرة فيما بينها تغير هذه القبيلة على تلك فتخرب وتدمر وتقتل وتسيطر القبيلة القوية على القبيلة الضعيفة على الرغم من كونهم ينتمون الى اصل وجنس واحد وبقي الحال على وضعه الى ان ظهر تيمو جين الذي عرف فيما بعد بـ (جنكيز خان) حيث استطاع توحيد هذه القبائل تحت قيادته واحكم سيطرته على منغوليا ثم سيطر على الصين وبعدها توجه المغول نحو البلدان الاسلامية التي كانت متفككة أنداك وبدأوا باحتلالها الواحدة تلو الاخرى وتم ذلك في عهده وعهد ابنائه من بعده حتى تمكن حفيده هولاكو من احتلال بغداد منارة العلم والعلماء وعاصمة الخلافة العباسية .
وقام جنكيز خان بوضع اول قانون مكتوب للإمبراطورية المغولية يتضمن العادات والتقاليد السائدة لديهم ومضيفا عليها بعض القوانين مطلقا عليه اسم ( الياسا ) وهذا القانون قائم اساسا على العنف والقتل والتخريب.
من خلال ما تقدم نجد ان المغول عند قيامهم بهذه الاعمال واستباحتهم لدماء الناس نجدهم قد تصرفوا على سجيتهم وطبعهم وفق قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم وما تمليه عليهم قوانينهم فضلا عن كونهم شعب عرف ببداوته وقلة حضه من الحضارة .

بخلاف تنظيم داعش الذي يدعي الانتماء الى الدين الاسلامي وهو دين (سماوي )قائم على التسامح والسلام والخلق الرفيع وينبذ العنف والتطرف ويدعوا الى المعاملة الحسنة مع المسلمين وغير المسلمين وهذه حقيقة الاسلام التي انسلخ عنها داعش بفعله الأفاعيل وارتكابه الجرائم التي يندى لها جبين الانسانية من حرق للناس وهم احياء والاعدام الجماعي وقتل الاسرى والتمثيل بجثث القتلى …………..الخ كل هذه الافعال وغيرها تدل على انهم الخوارج الذين حذر منهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) واي خوارج فبممارساتهم وافعالهم قد فاقوا الخوارج الاوائل كما وفاقوا المغول كذلك ، وهنا نصل الى نتيجة حتمية الا وهي ان داعش لا يمثل الاسلام فهو لا يمثل دين او مذهب او قومية معينة وانما يمثل نفسه ونفسه فقط …

_______________
*كاتب عراقي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here