مِـنَ النصـرِ ما قَتَـل

أحمـد كاظـم

إنَّ من البديهي والمسَلَم به أن ما يبتغيه أي شخص قد يدخل نزالاً أو منافسةً أو حتى معركةً (من أي نوع)، هو الفوز والإنتصار. هذا ليس بجديد، بل هو شيءٌ غريزيٌ غير قابلٍ للترويض (إلا في بعض المواضع التي تعتبر استثناءاً).

فهذا المبتغى قديمٌ قِدَمَ الزمان، ولا يموت إلا بموت آخر كائنٍ بشريٍ في المعمورة. والكثير من الفلاسفة وعلماء الانثروبولوجيا (علم الإنسان) يختلفون على نمطية هذا المبتغى، فيما إذا كان فضيلةً أم رذيلة.

فانقسموا الى قسمين،

الأول منهم يقولون بأنه فضيلة، لأنهُ يثبت فاعلية النفس البشرية ودورها الذي يجب أن تلعبهُ دون أي تدخل مما يسميه أتباع الأديان بـ(القدر)، وهؤلاء ينتمون الى المدرسة الماركسية التي تنظر الى كل الموجودات بنظرة مادية مستمدة من الفكر الشيوعي، وهذا يتضح بشكل كبير من خلال الإطلاع على أفكارهم.

أما القسم الثاني،

فيدّعون بالعكس تماماً، فقد قالوا أن هذا المبتغى رذيلةٌ بكل ما فيه، لكنهم قرنوا قولهم هذا بشرط، وهو أن يكون الإنتصار مدمِراً لكرامة الطرف الآخر ومُسبباً لأثرٍ نفسيٍ بالغ قد يرتد عليه مستقبلاً ،وقد إستندوا في تفسيرهم هذا الى مبدأ يؤمنون به وبشدة، ألا وهو القدر، فهم يؤمنون بأن كل شيءٍ مقدرٌ ومكتوب مسبقاً، وهؤلاء يُحتَمَل أن يكونوا قد إطلعوا على نصوص الأديان الابراهيمية بطريقةٍ ما.

لكن بالرغم من إختلاف الفريقين بشكلٍ واضح، إلا أنهم يتفقون على مبدأ مهم جداً، وهو أن الإنتصار ليس ضرورياً دائماً، وحيثما كان الإنتصار مؤثراً بشكل سلبي على النفس البشرية فهو مرفوض كيفما كان.

أما هذا الاتفاق فقد جاء الى الوجود بسبب إيمان الفريقين بإمتلاك الضمير ودورهِ كحكم في مثل هذه القضايا.

بعدها تم الاتفاق على رفض وإستبعاد بـ(الانتصار القاتل)، وهو النوع الذي ينتج مردوداً سلبياً ومرفوضاً على جميع الأصعِدة وتحت أي ذريعة، لأنهُ مخالف لمبادئ الوجودية التي يتفق عليها الكل، سواءً من أصحاب الاديان أم من متبعي العلمانية البحتة ووصولاً الى الملحدين.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here