“الإندبندنت” البريطانية توثق ما يحدث داخل العوامية المحاصرة

بدأت السعودية مؤخرا بحملة أمنية شرقي البلاد ضد من أسمتهم بـ “الإرهابيين”، في معركةٍ لا تزال مستعرة على الرغم من التعتيم المفروض عليها إعلاميًا داخل المملكة وخارجها، وقد نشرت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية، توثيقًا لما يحدث داخل البلدة العوامية السعودية المحاصرة من قبل القوات السعودية منذ أزيد من ثلاثة أشهر.

وأشارت الصحيفة إلى أنها حصلت على معلومات حول ما يجري في العوامية، بعد أن أجرت مقابلات نادرة مع نشطاء محليين، لتكشف الظروف المروعة التي يواجهها المدنيون في تلك المعركة السرية بين الرياض والمتظاهرين المسلحين.

تقع بلدة العوامية في محافظة القطيف شرقي السعودية، مطلة على الخليج العربي، يقدر عدد سكانها بـ30 ألف نسمة، غالبيتهم يعتنقون المذهب الشيعي، أشهر أحيائها الحيّ التاريخي المكنى بالمسورة، إذ يبلغ عمره 400 عام، ويتمتع بتراثٍ فريد، مسجلّ في لائحة التراث العالمي، والعوامية هي أيضًا مسقط رأس رجل الدين الشيعي البارز الشيخ “نمر النمر” الذي أدى قيام السلطات السعودية بإعدامه إلى تصاعد الاضطرابات في المنطقة الشرقية.

وبدأت هذه المظاهرات والاضطرابات في العوامية في شهر شباط 2011 حينما كانت المنطقة العربية تعيش ذروة ما يسمى بالربيع العربي الذي أفلح في إسقاط أنظمة في مصر وتونس. السلطات السعودية حينها اتهمت رجال دين شيعة وعلى رأسهم نمر النمر بالتحريض على المظاهرات، ومحاولة جلب الربيع إلى السعودية، ضريبة الاحتجاجات هذه كانت إعدام النمر ورفاقه، وقرار الرياض بإزالة حي المسورة، الذي يتألف من شوارع ضيقة، بعدما أصبح ملاذًا “للإرهابيين”، حسب قول السلطات.

وقوبل قرار هدم الحي برفضٍ شعبيّ واشتباكات مسلحة بعد أن اعتبره سكان العوامية محاولة لتهجيرهم من مدينتهم بدعوى التنمية، ودعت الأمم المتحدة بدورها الحكومة السعودية لوقف ما وصفته بأعمال الهدم لحي تاريخي، والتي يتعرض سكانها لضغوط الإخلاء دون توفير سكن بديل أو تعويض مناسب.

وتشهد بلدة العوامية، شرق المملكة العربية السعودية، نزوح المئات من سكانها مع تصاعد حدة الاشتباكات بين قوات الأمن السعودية ومسلحين تصفهم السلطات السعودية بـ “الإرهابيين”، وكانت قوات الأمن قد طُوِّقت بلدة العوامية ذات الأغلبية الشيعة – بحواجز أمنية مشددة – وأطبقت عليها حصارًا منذ أزيد من ثلاثة أشهر، وأفاد سكَّان العوامية بأنَّ 25 شخصًا قتلوا على الأقل جرَّاء القصف العشوائي أو برصاص القناصة.

ولا توجد أرقام أو بيانات رسمية سعودية بالنسبة للضحايا المدنيين أو من جانب المسلحين، ولا يوجد في هذا السياق إلا بعض التغريدات لناشطين وعدد من أهالي العوامية على مواقع التواصل الاجتماعي دون إمكانية التأكد من مصدر مستقل بشأن الأعداد. لكن المنظمة السعودية الأوروبية لحقوق الإنسان أشارت إلى مصادر لم تكشف عنها أنّ “12 قتيلًا وما يقارب 79 جريحًا سقطوا برصاص عشوائي أطلقته قوات الأمن السعودية، والإطلاق المتواصل للقذائف حيث أطلقت القوات في الثالث من آب ما يقارب 20 قذيفة وفق ما قالت المنظمة”.

وقال التلفزيون الرسمي إن السلطات دعت النازحين للتوجه إلى مقر محافظة القطيف قصد طلب مساكن مؤقتة أو الحصول على تعويض عن منازلهم التي تركوها.

وتقول الرياض إن المتظاهرين المُسلَّحين في مدينة العوامية هُم “إرهابيون يعملون على زعزعة أمن واستقرار المملكة بأكملها، ويجب منعهم من استغلال المباني المهجورة في البلدة والشوارع الضيقّة والملتوية بها كمخابئ ومنطلقًا لعملياتها ضد قوات الأمن”.

ونقلت “الإندبندنت” عن ناشط مسلح مناهض للحكومة في مقابلة نادرة مع وسائل الإعلام الغربي، قوله “كنت متظاهرًا سلميًا، ويعيش معظمنا في العوامية، حتى قررت الحكومة إدراجنا باعتبارنا إرهابيين مطلوبًا القبض عليهم، وكل ما طالبنا به هو الاستمرار في دعوات الإصلاح”.

وعرَفت العوامية بشكل خاص ومحافظة القطيف عمومًا على مدار ست سنوات كاملة مظاهرات مناوئة للنظام السعودي، توجهت فيها السلطات السعودية إلى ممارسة العنف في أكثر من مرّة لفضّ تلك المظاهرات.

ويخشى العديد من سُكَّان العوامية من الخروج من منازلهم بسبب القصف المتوالي والقناصة المتمركزين على أسطح المباني، وتفيد عدة تقارير بأن سيارات الإسعاف والطواقم الطبيّة لا تستطيع الدخول إلى المدينة؛ إذ يجري تعطيلها في نقاط التفتيش، ما يسهم في تفاقم الظروف الإنسانية في المدينة، حسب تقرير الصحيفة.

وكانت محكمة سعودية قد أصدرت أحكامًا بالإعدام في حق 14 ناشطًا شيعيًّا بتهمة متعلقة بالتظاهر في القطيف وأدانت ذلك منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش وطالبتا السلطات السعودية بإلغاء الأحكام لأنها صدرت دون محاكمات عادلة، وطالبت الرئيس الأمريكي باستخدام صداقته مع الملك سلمان لوقف تلك الإعدامات.

ولطالما وجهت السعودية أصابع اتهامها إلى عدوها اللدود إيران كلما وقعت أزمة داخلية كان للأقلية الشيعية دور فيها. إذ قال عادل الجبير “تبقى إيران الراعي الرئيس المنفرد للإرهاب في العالم، وهي مصرة على قلب النظام في الشرق الأوسط، وما لم تغير إيران سلوكها فسيكون من الصعب جدًا التعاون مع دولة مثل هذه”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here