الحشد الشعبي دعت له المرجعية الدينية واستجاب لها العراقيون الشرفاء

محمد رضا عباس
أصبح الان معلوما للداني والقاصي ان الانتصار الساحق الذي صنعه العراقيون ضد تنظيم داعش جاء بفضل دعوة المرجعية الدينية الشعب العراقي لحمل السلاح لوقف زحف داعش بعد ان استطاع هذا التنظيم التمدد في المنطقة الغربية حتى أصبح يهدد بغداد وكربلاء. داعش اصبح على بعد عشرة كيلومترات من قلب العاصمة بغداد من جهة مطار بغداد و 20 كيلو متر من كربلاء من جهة ناحية النخيب . لقد مرت بالعراق أيام عسيرة و صعبة وكادت ان تؤدي بتقسيمه والمنطقة لولا وعي و حنكة وارتفاع مقام المرجعية بين المؤمنين , والتي أصدرت فتواها الشهيرة بمحاربة داعش . الفتوى وضعت الشعب العراقي امام خيارين , اما الشهادة او النصر , فهب الاحرار من شعب العراق هبت رجل واحد للدفاع عن ارض الوطن ووحدته ونظامه الديمقراطي و مقدساته الدينية والتراثية . لقد خرج مئات الالاف من الشباب والكهول و الشيوخ استجابة لدعوة المرجعية وداعي الوطن وامتلأت بهم المعسكرات وشح السلاح , مما اضطر بعض الملتحقين حمل سلاحهم الشخصي والذهاب الى ساحات المعارك.
انتهى داعش عسكريا في العراق و قريبا في سوريا , وانتهت معه أهدافه الشريرة والتي كانت منها تدمير روح الإسلام السمحاء و تدمير تاريخ وتراث العراق والمنطقة . وحسنا أعلنت المرجعية الدينية ان الفضل كل الفضل في دحر تنظيم داعش عسكريا جاء بفضل دماء الشهداء من كل أطياف الشعب العراقي , حتى لا تعطي المجال للسياسيين من تجير النصر باسمهم كما فعل أسامة النجيفي عندما جير الانتصار وتحرير الموصل باسم ” بطولات اهل الموصل”.
لا صغرا بتضحيات اهل الموصل وبمكانة اهل الموصل الكرام , ولكن تصريح أسامة النجيفي مثال صارخ على نكران جميل تضحيات و دماء بقية الشعب العراقي في تحرير الموصل , وكان من الممكن ان ينتج عن هذا التصريح الفض صراع سياسي لا يعرف نتائجه الا الله , حيث ان جميع الأحزاب والكتل السياسية كان لها افراد يقاتلون مع الجيش العراقي ضد داعش . لقد قالت المرجعية الرشيدة قولتها المشهورة وثناها رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي من ان انتصار العراق قد جاء بدماء الشهداء وان الشهداء يستحقون منا كل الاحترام والتبجيل.
لقد جاءت دعوة المرجعية الدينية الى ” الجهاد الكفائي” بدون مقدمات و بدون مؤتمرات متعبة وحلقات تثقيف مملة , وورش عمل طويلة , وهذا ما ادهش وحير العالم بسرعة استجابة العراقيين الى النداء . أربعة عشر عاما والعراق يعقد مؤتمرات المصالحة الوطنية وصرفت الملايين ولكن لم تتحقق المصالحة. أربعة عشر عام والعراق يدعوا المستثمرين بالاستثمار في العراق , ولكن مازال استثمار اعرج , بل وكسيح . وأربعة عشر عام والعراق يدعو الدول العربية الوقوف معه ضد الإرهاب , ولكن مازال الدعم خجول.
اذا , ما سبب هذه الاستجابة السريعة و العظيمة الى دعوة رجل دين يقارب عمره التسعين عاما , يسكن في بيت ايجار في احد ازقة النجف الضيقة , ليس له مال او جيش تخاف منه الناس ؟ الجواب , هو قبول العراقيين لهذا الرجل الذي اتصف بالورع والصدق وترفعه عن ملذات الحياة واطماعها ووقوفه على مسافة واحدة من جميع مكونات الشعب العراقي . انه يحب الجميع ولا ينظر الى هوية المواطن القومية او الدينية او المذهبية , العراقيين عنده كلهم سواسية امام الله والقانون وكلهم اخوان ان لم يكن في الدين فهم اخوان في الخلق . هذا التواضع واحترام الجميع اعطى للمرجعية شهادة المصداقية واحترام الداخل وقادة الخارج. هذه الموصفات التي يتمتع بها زعيم الحوزة العلمية في النجف الاشرف اثنى عليها الكثير من قادة الشعوب والمنظمات العالمية الإنسانية وكان اخرها هو تمجيد وشكر نائب الممثل الخاص لأمين العام للأمم المتحدة في العراق السيد جورجي يوستين والذي اعتبر المرجعية صمام الأمان للجميع “في المحن وانها حصن هذا البلد المنيع وهي جديرة ببلد الأنبياء والاولياء وهو جدير بها”, معتبرا ان ” المرجعية تصحح التصور المغرض الذي يريد خلق شرخ بين الإسلام والحضارات القديمة في العراق”. فيما اعتبر ممثل الفاتيكان في العراق السفير البيرتو أورتيقا ان ” فتوى المرجعية الدينية في الدفاع عن العراق ومقدساته هي من انقذت الشعب وحفظت امنه ووحدته وافشلت مخططات عصابات داعش من النيل من هذا البلد”.
حب المرجعية للعراق الموحد , وصيانة مقدساته و تراثه التاريخي , والوقوف بجانب الشعب العراقي في أوقات المحن والكوارث اكسبت العراقيين الثقة المطلقة للمرجعية والاستماع الى اقوالها و تعاليمها , حتى وان طلبت منهم حمل السلاح وترك المال والعيال . وهكذا عندما انطلقت فتوى حمل السلاح , كان العراقيون الشرفاء على ثقة تامة ان المرجعية كانت تعني ما تقول وان هناك خطر محدق بوحدة العراق و مقدسات العراق ويجب حماية الاثنين حتى وان تطلب الشهادة . لقد خرج الالاف من الاحرار الى مراكز التطوع غير مكترثين بشيء , الا حماية الوطن وحماية مكاسب التغيير , وكسر شوكة التنظيم الإرهابي داعش. لقد خرج لهذه الوحوش البشرية رجال عاهدوا الله اما النصر واما الشهادة. هؤلاء الابطال الشجعان والذين أنقذوا العراق من التقسم وحفظوا كرامة المواطن العراقي كانوا يعرفون صعوبة وظيفتهم وبذلك فقد تحملوا وعورة المناطق التي قاتلوا فيها , برد الشتاء القارس , حرار الصيف اللاهف , جحود بعض اللائم والطائفيين , وقلة الارزاق والمؤن . ولكن ايمانهم في قضيتهم العادلة واصرارهم على النصر كانا هما السببين في دحر تنظيم داعش أينما جابهوه. لقد انتصروا عليه في جرف الصخر والمقدادية وطوزخرماتو وتكريت والفلوجة والرمادي والموصل ومازالوا يلاحقونه في بعض الجيوب من محافظة صلاح الدين والانبار.
الشرفاء من الشعب العراقي من استجاب لنداء المرجعية الدينية للدفاع عن الوطن وانتصارهم في دحر داعش , انما وحدوا العراق , وقضوا على أحلام من أراد بالعملية السياسية الشر والموت , واثبتوا للعالم ان وحدة العراقيين فوق كل شيء وان اختلفوا , وحطموا اسطورة داعش , “القوة التي لا تقهر” في سنة واحدة , بعد ان وضع خبراء البنتاغون 30 عاما لدحره . انتصارات الحشد , خلقت أعداء له , ولكن كل التصورات تقول ان الحشد باقي , مهما تكالبت عليه قوى الشر, من اجل حماية العملية السياسية ومن اجل حماية كرامة المواطن العراقي من الأعداء المتربصين بالعراق.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here