«بصية» الجنوبية.. سكانها السنة انتخبوا الشيعة لتمثيلهم

قاسم الكعبي

بصية ناحية تغفو في أحضان صحراء البادية الجنوبية للعراق، عرفت بالكرم للحدّ الذي حرّمت على نفسها فتح أي مقهىً أو مطعم فمنازلها كفيلة بذلك وتحتفظ بالتقاليد والعادات البدوية حتى اليوم.

ناحية صغيرة عشقت السلام للحد الذي دفع السنة الذين يشكلون 75 في المئة من أهالي الناحية الى انتخاب شيعة لعضوية المجلس البلدي أما الشيعة فقد انتخبوا سنة لإدارة المجلس ويعيش المكونان كجسد واحد لم تغيّرهم الأوضاع التي مرّ بها العراق منذ سقوط النظام السابق بل زادتهم محبة وتآخياً، الأمر الذي جعلهم يرفضون تداول كلمة شيعة وسنة.

تأسست ناحية بصية سنة 1920 وتبعد (240 كلم) جنوب محافظة المثنى بناها الجنرال الانكليزي جون كلوب الملقب بـ”كلوب باشا” وتم انشاء مركز شرطة لحماية القبائل العربية الساكنة في الناحية من هجمات القبائل النجدية القادمة من السعودية آنذاك لكن هذا المركز لم يتبق منه سوى الأطلال.

يغلب على المكان الطابع البدوي بسبب وقوعها في عمق البادية، وتفتقر الى وجود طرق معبدة تربطها بالمدن المجاورة.

يقول توفيق جابر مدير الناحية إن “أكثر من (2200) نسمة من الأهالي يسكنون في مركز الناحية اما في ضواحيها وباديتها يسكنون حوالي خمسة آلاف نسمة معظمهم من البدو الرحل”.

بقايا آليات الجيش العراقي التي دمرتها الحرب العراقية الأميركية عام 1991 تتخذ من الوديان وبعض التلال مقرا في بصية مكانا لها، ويبتعد الأهالي عن تلك الآليات بسبب وجود آلاف الألغام والصواريخ غير المنفلقة والمنتشرة قربها.

يؤكد جابر انه “عام 1991 غزت قوات التحالف الدولي الناحية بسبب تواجد القوات العراقية فيها اذ ألقيت آلاف الأطنان من المقذوفات الحربية نتج عنها تلوث بيئي راح ضحيته اكثر من (1500) شخص بين جريح وقتيل غالبيتهم من الأطفال”.

ويقول ان “منظمة نرويجية قامت مؤخرا بتدريب بعض الكوادر من أهالي الناحية على كيفية تحديد مواقع تواجد الألغام ورفعها كما الفرقة الزلزالية الثالثة وهي فرقة استكشافية تقوم بمسح شامل للمنطقة لموارد وخيرات الناحية اذ اكتشف مؤخرا العشرات من حقول نفط الخام”.

احمد حمدان جبر رئيس المجلس البلدي في ناحية بصية يقول إن “أهالي الناحية يعيشون كجسد الواحد لم يتأثروا بما حدث في العديد من مناطق العراق من طائفية أو نزاعات مسلحة كما يمتهن السكان تربية الأغنام والإبل وكذلك الزراعة وبعضهم يعمل في وظائف حكومية”.

لهجة أهالي بصية وعاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية مكتسبة من منطقة الخليج العربي إذ تعد بادية العراق الجنوبية امتدادا طبيعيا للجزيرة العربية وهم بذلك يتميزون بلكنة خليجية تختلف عن كل اللهجات العراقية المحلية لقربها من السعودية والكويت فضلا عن ان هناك زيارات موسمية لهواة الصيد من الخليجيين الى المنطقة.

لم تكن المنطقة معروفة لوسائل الإعلام قبل حادثة اختطاف مجموعة من القطريين الذين كانوا يصطادون في الناحية ويخيمون في المكان من قبل قوة مسلحة كبيرة تستقل نحو (70) عجلة رباعية الدفع دخلت بعد منتصف الليل إلى بادية السماوة وبالتحديد في منطقة الحنية قرب الناحية.

ابو سجاد رجل مسن يقطن الناحية منذ ولادته يجلس الكثير من الأهالي بقربه من اجل سماع الحكايات القديمة والتاريخية عن القبائل والحروب والنزاعات في المكان منذ قديم الزمان كما ويحدثهم عن استخدام الأجداد للنجوم كإحداثيات للطرقات والاتجاهات عند الصيد والسفر برا.

ويقول “ما زالت البادية الجنوبية في العراق محط انظار كل هواة صيد الطيور من دول الخليج العربي وفي موسم الشتاء يتكاثر الصيادين بسبب هجرة الطيور النادرة الى العراق ومنها طيور الحباري والقطا والسمان والبط البري والأرنب البري ليصطادوا بواسطة صقور الصيد المدربة”.

المخفر العسكري الذي يتوسط الناحية لم يتبق منه سوى أطلال وحصن آيل للسقوط، الجميع يهتم بهذا المخفر الذي بناه الجنرال الانكليزي جون كلوب عام 1920 ويعد ذكرى تجسد بطولات الأجداد والاباء حينما تصدوا الى آخر الغزوات السعودية عام 1959 وكذلك التصدي الى القوات الأميركية عام 1991.

شرطة بصية الحاليون هم امتداد لأسلافهم القدامى الملقبين سابقا بـ”الهجانة”، ويقول ابو كريم احد عناصر الشرطة “كلما مررت بجانب هذا المخفر أتذكر بطولات أجدادي لهذا ازداد فخرا والتزاما بواجبي وفي جميع الأحوال يتم حل المشكلات بتدخل الوجهاء بالتراضي لذلك تسمى الناحية البيضاء”.

وبسبب وجود آبار نفط خام ومعادن في الناحية الصغيرة تطالب محافظة ذي قار بضمها إليها إذ قدمت شكوى إلى وزارة البلديات والأشغال العامة العراقية بذلك لقرب الناحية منها لكن المسوؤلين في محافظة المثنى يقولون ان الناحية لم تتبع الى الناصرية وقد أصبحت ناحية بموجب المرسوم الجمهوري رقم (71) في سنة 1958 الذي يقضي باعتبارها ناحية تابعة لقضاء السلمان التابع لمحافظة المثنى.

حسم ملف عائدية بصية يتعلق بالمادة (140) من الدستور العراقي لكونها من المناطق المتنازع عليها وحتى ذلك الحين تبقى الناحية البدوية بتقاليدها ولهجتها تابعة إلى محافظة السماوة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here