في المعضمية .. الفرار أو الاختباء هربا من الخدمة على الخطوط الأمامية

بعد المشاركة في قتال نظام الرئيس السوري بشار الأسد لست سنوات سلّم الجندي المنشق أبو محمد سلاحه في إطار اتفاقية المصالحة التي أبرمتها مدينته الأم، المعضمية، في العام الماضي.

لكنه آثر بعد ذلك الهرب إلى تركيا بعد أن أبلغه الجيش السوري بضرورة الالتحاق بصفوفه من جديد وخشي أن يكون مصيره الموت وهو يقاتل حلفاءه السابقين في الجماعات المسلحة المعارضة للنظام أو تنظيم الدولة الإسلامية.

قال أبو محمد (27 عاما) لرويترز في مقابلة على الهاتف من تركيا “ملينا من الحرب وملينا من الدم وما عاد بدنا هالشغلة”، مشيرا إلى أنه وافق في المرحلة الأولى على التسوية التي نصت عليها اتفاقية المصالحة بين المعضمية التي كانت معقلا لفصائل المعارضة المسلحة حتى العام الماضي والحكومة السورية.

حينها، تلقى أبو محمد تطمينات بأن اتفاقية المصالحة في المعضمية ستعفيه من الخدمة العسكرية على الجبهة.

وقال “على أساس نخدم ضمن حدود المعضمية وما نطلع وما نتدخل بالجيش ولا الجيش يتدخل فينا.. هذه كانت وعود النظام لنا وعلى أساسها ضلينا بالبلد”.

لكن أبو محمد علم في الربيع أن الرجال الذين التحقوا من المعضمية بالجيش لم يخدموا في المنطقة المحيطة بها بل انضموا للقتال ضد مقاتلي المعارضة.

وأضاف “بدأ الشباب يقلقون”، مشيرا إلى أنه رحل بعد أن منحه الجيش 48 ساعة للالتحاق بالخدمة.

ولم يتسن لرويترز التأكد من مصدر مستقل من صحة الوقائع الواردة عن دفع جنود آخرين منشقين إلى الجبهات بعد التحاقهم بالجيش، لكن رواية أبو محمد تشابهت مع رواية مقاتل سابق في صفوف المعارضة من المعضمية.

وقال المقاتل السابق الذي رفض الكشف عن اسمه إن المنشقين من المعضمية يتم إرسالهم إلى الجبهات في انتهاك لوعود شفهية نقلها إليهم أعضاء لجنة المصالحة المحلية التي تضم مسؤولين ووجهاء من البلدة.

ورفض وزير المصالحة الوطنية السوري علي حيدر ردا على أسئلة وجهتها له رويترز أي اتهامات للحكومة السورية بعدم الوفاء بتعهداتها، معتبرا أن “هذا ما تحاول ترويجه الدول والمجموعات المسلحة المنزعجة من مشروع المصالحة”.

وأضاف أن “العديد من المسلحين الذين تمت تسوية أوضاعهم في داريا والغوطة وقدسيا والمعضمية وسابقا في مدينة حمص والقنيطرة ودرعا التحقوا بالخدمة العسكرية أو انضموا للقوات الرديفة وسقط منهم شهداء في جبهات القتال ضد الإرهاب”.

وأظهر تسارع وتيرة اتفاقيات المصالحة التي أعقبت المعضمية في المعاقل السابقة للفصائل المسلحة المعارضة للنظام على مقربة من دمشق مثل داريا وقدسيا والتل رجحان كفة النظام في الصراع الذي تفلت من عقاله بعد تظاهرات احتجاجية ضد الأسد عام 2011.

وقال مصدر دبلوماسي إن الخوف من التجنيد العسكري شكل نقطة خلاف رئيسية في المصالحات المحلية مما أسهم في تشجيع السكان على الانتقال إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال سوريا في خطوة وصفها معارضو الأسد بأنها سياسة نزوح قسري.

وفتحت الحكومة ممرا آمنا لآلاف المسلحين والمدنيين ممن اختاروا الخروج من المناطق التي سيطرت عليها قواتها بعد إبرام اتفاقيات مصالحة.

وأكد المسؤولون السوريون أن للسكان حق اختيار البقاء أو المغادرة مشددين على أن الاتفاقيات تهدف لضمان الأمن في هذه المناطق واستعادة خدمات الدولة وهيبتها إلى المناطق التي عادت إلى كنفها.

* ندوب غائرة

بعد سحق معاقل التمرد في كبرى المدن في غرب سوريا، أبرمت الحكومة السورية اتفاقيات مصالحة مع الكثير من المناطق التي كانت يوما ما تحت سيطرة الفصائل المسلحة.

ووضعت هذه الاتفاقيات المتمردين أمام خيارين إما سلوك ممر آمن إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال البلاد أو البقاء في مناطقهم وتسليم أسلحتهم والتعهد بعدم حمل السلاح مجددا في وجه سلطة الدولة.

ولفترة طويلة تشتّت قوى الجيش السوري على جبهات القتال مما دفع الحكومة إلى الاعتماد بقوة على فصائل شيعية مدعومة من إيران من جميع أنحاء المنطقة في خضم قتالها لفصائل المعارضة المسلحة في غرب البلاد وتنظيم الدولة الإسلامية المتشدد في شرقها.

ووسط هذه المعارك يخشى المنشقون الذين اختاروا العودة لكنف النظام أن يصبحوا وقودا في أتونها.

ففي حالة المعضمية، التي أبرمت فيها الاتفاقية في سبتمبر أيلول 2016، كان يفترض أن تقتصر الخدمة العسكرية لمن شملتهم التسوية على البلدة ومحيطها وفق ما أكدته مصادر دبلوماسية وفي منظمات إنسانية فضلا عن مسؤولين محليين شاركوا في إبرام التسوية.

وشهدت المعضمية بعضا من أسوأ أوجه الصراع خلال السنوات السبع الماضية مما ترك آثارا نفسية عميقة بين أبنائها. إذ كانت المنطقة بين عدة أخريات قرب دمشق هدفا لهجوم بالأسلحة الكيميائية عام 2013. واتهم الغرب الحكومة السورية بشن الهجوم التي استخدم فيه غاز السارين لكن دمشق نفت أي دور لها فيه.

وأسفر إبرام اتفاق المصالحة المحلي في المدينة عن إجلاء مئات المقاتلين وعائلاتهم إلى محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة في شمال البلاد في حين قرر آخرون مثل أبو محمد البقاء وتسليم أسلحتهم.

* متوارون

وفي إطار المصالحة، عاد العلم السوري ليرفرف مجددا فوق المباني الرسمية في المعضمية وخففت السلطات الأمنية القيود التي كانت مفروضة على دخول وخروج الناس والبضائع من المدينة.

وقال عدد من السكان وناشطون سابقون في صفوف المعارضة لرويترز إنه لا توجد أي مظاهر مسلحة داخل المعضمية حتى من جهة أجهزة الدولة.

لكن المنشق الثاني السابق الذي تكلمت معه رويترز عبر الهاتف قال إنه وحوالي مائة آخرين من رفاقه يتوارون في منازلهم خوفا من تجنيدهم وإرسالهم إلى الجبهات حيث قد يلاقون حتفهم.

وقال المنشق الذي هرب من الجيش عام 2012 ورفض الكشف عن اسمه خوفا من اكتشاف أمره إن “المنشقين الآن عالقون داخل المعضمية. ولن يغادروها”.

وأشار إلى أنه استدعي مؤخرا إلى اجتماع تلقى فيه المنشقون تهديدات بالاعتقال إذا لم يلتحقوا بالجيش. وقال “البعض منهم التحق والبعض لا”.

وأضاف “فكرت بالرحيل لكن وضعي المادي سيء للغاية”، مشيرا إلى أنه سيتعين عليه دفع 2600 دولار أمريكي لمهربين لنقله إلى خارج سوريا.

وأضاف “ما عم فكر بشي لأنو ما عاد عندي شي فكر فيه.. ما عندي حلم لشي أو للمستقبل”.

وإلى تركيا، هرب أبو محمد خوفا من الخدمة العسكرية بعد أن باع منزله في المعضمية لتغطية تكلفة الرحلة التي ساعده في إتمامها رفاقه السابقون في إدلب بشمال سوريا.

واعتبر رجل عرف نفسه باسم محمود (50 عاما) في مقابلة هاتفية أن الشبان يحتاجون إلى “فترة تحضير نفسية” إذا ما أرادت الدولة أن تعيدهم إلى الجيش.

وقال محمود “بعد ست سنوات من الحرب، وبالنسبة إلى شاب كان يحارب ضد النظام منذ فترة ليست بطويلة هناك مشكلة في أن تجعله ينضم إلى الطرف الذي كان يقاتله قبل ذلك”.

ووفقا للنظام السوري تستحق الخدمة العسكرية الإلزامية لمدة 20 شهرا على كل شاب سوري، غير وحيد لأبويه، عند بلوغ الثامنة عشرة.

وأوضح الوزير علي حيدر في تصريحاته لرويترز أن التسوية تمنح المتخلف عن الخدمة العسكرية “فترة زمنية لا تتجاوز ستة أشهر للالتحاق بموقع خدمته ما ان يتم تسوية وضعه القانوني ويمنح وثيقة بذلك.

وأضاف “تشهد معظم مناطق المصالحات التي شهدتها المحافظات السورية رغبة مسلحين (سابقين) بالتحول إلى عناصر حماية ذاتية لحماية مناطقهم والمساهمة في حفظ الأمن تحت إشراف القوات الحكومية”.

ومضى في القول “البعض طلب الخدمة ضمن مؤسسات حفظ النظام والأمن الداخلي الحكومية والحكومة والجهات الرسمية المختصة لم ولن تمانع في سبيل ترسيخ الأمن والسلم ومساهمة أبناء المناطق في تحصين المصالحات كلا حسب عمله أو دوره”.

لكن حيدر لم يوضح ما إذا كانت هذه المهام الأمنية في داخل البلدات التي شهدت المصالحات متاحة للمنشقين كبديل عن إرسالهم إلى الجبهات.

(إعداد داليا نعمة للنشرة العربية – تحرير منير البويطي)

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here