قانون الانتخابات الجديد.. الحيتان الكبيرة تبتلع الأسماك الصغيرة


مصطفى حبيب

بعد ثلاثة أيام على تظاهرة شعبية واسعة طالبت البرلمان بإقرار قانون انتخابات عادل، تجاهل النواب ذلك، واتفقت الكتل الكبيرة على قانون يضمن فوزها ويبتلع الأحزاب الصغيرة.

الاثنين الماضي أقر البرلمان العراقي قانونا جديدا للانتخابات المحلية التي كان من المفترض أن تجري في نيسان (ابريل) الماضي، إلا أن الحرب على “داعش” ونزوح ملايين السكان السنة من مناطقهم حال دون إجرائها في موعدها المحدد، أما الموعد الجديد للانتخابات لم يتم تحديده أيضاً.

اعتراضات سياسية وشعبية واسعة برزت بعد إقرار القانون الجديد الذي جاء متناغما مع مصلحة الأحزاب العراقية الكبرى ويضر بالأحزاب السياسية الصغيرة التي تسعى إلى المشاركة السياسية وتصحيح الأخطاء التي وقعت فيها الأحزاب القابضة على السلطة منذ (14) عاما، ولكن هذه المهمة ليست سهلة مع سيطرة الأحزاب الكبرى على مفاصل الحكومة والبرلمان.

البرلمان صوّت في الأول من آب (أغسطس) الماضي على (25) فقرة من القانون تضمنت نسبة احتساب أصوات الناخبين (1.9) وفق نظام “سانت ليغو” وهو ما أثار استياء شعبيا واسعا دفع التيار الصدري الى تنظيم تظاهرة شعبية واسعة في ساحة التحرير وسط بغداد للضغط على البرلمان لتعديل القانون.

ولكن البرلمان أجرى الاثنين الماضي تعديلا طفيفا على المادة (12) المثيرة للجدل باحتساب أصوات الناخبين وفق نظام “سانت ليغو” وفق قسمة أصوات كل حزب على الرقم (1.7) بدلا عن (1.9)، وهو أيضا سيكون في مصلحة الاحزاب الكبيرة التي تحصل على أكثر الأصوات بينما سيتم منح الأصوات التي تنالها الأحزاب الصغيرة إلى الأحزاب الكبيرة أيضاً.

الكتل السياسية المعترضة كانت تطالب بتخفيض الرقم الذي تقسم عليه اصوات الناخبين الى (1.4) لأنه سيسمح للاحزاب الصغيرة بالحصول على مقاعد، وكانت كتلة “الأحرار” التابعة الى التيار الصدري بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر، وحزب “الفضيلة” وائتلاف “الوطنية” بزعامة نائب رئيس الجمهورية إياد علاوي ابرز المعترضين، إذ حاول نواب التيار الصدري إفشال النصاب القانوني الخاص بالجلسة بعد خروجهم من قاعة البرلمان، إلا أن المحاولة فشلت.

القيادي في التيار الصدري ضياء الاسدي قال لـ “نقاش” ان “الكتل الكبيرة أصرّت على موقفها لتحقيق مصالحها دون اكتراث بمطالب الشعب في تظاهرات الجمعة، نسبة (1.7) ستكون لمصلحة الأحزاب الكبيرة لكنها صعبة للأحزاب والكتل الصغيرة”.

حزب “الفضيلة” الذي يمتلك ستة مقاعد في البرلمان أيضاً اعترض على القانون، وقال في بيان رسمي ان الصيغة الحالية ستؤدي إلى هدر كبير في أصوات الناخبين العراقيين وسيتم منحها إلى الكتل الكبيرة، كما ان ائتلاف “الوطنية” اعترضت أيضاً على القانون.

البرلمان قرر أيضاً إجراء الانتخابات المحلية في اليوم الذي ستجري فيه الانتخابات التشريعية نفسه، وهي المرة الاولى التي يتم دمج كلا الاقتراعين في موعد واحد، في السابق كانت تجرى بفارق عامين، ولهذا فالانتخابات المقبلة ستكون تحديا كبيرا للكتل السياسية العراقية.

الانتخابات المحلية تعتبر مقياسا لشعبية الكتل السياسية ومعرفة وزنها في الانتخابات وعلى ضوئها تبدأ الكتل السياسية معالجة أخطائها والتحضير للانتخابات التشريعية، ولكن دمج الانتخابات معا سيجعلها مغامرة للجميع.

آخر انتخابات شهدها العراق كانت في 2014 الخاصة بالبرلمان، وخلال السنوات الثلاثة الماضية شهدت البلاد تطورات سياسية وأمنية عديدة، فالحرب الطويلة ضد تنظيم “داعش” أوجدت قوى سياسية جديدة بينها الفصائل المسلحة في”الحشد الشعبي”، وقوات العشائر، وأيضا تطور الأداء السياسي للتيار المدني في البلاد الذي يقود تظاهرات مناهضة للحكومة منذ عامين.

في المقابل تراجعت شعبية كتل سياسية تقليدية شيعية وسنية وكردية، وبدون وجود اختبار لقياس توجهات الرأي العام العراقي الحالية عبر الانتخابات المحلية، فالانتخابات المقبلة ستكون الاكثر اهمية وخطورة في البلاد بعد 2003.

المحلل السياسي زياد احمد يقول لـ “نقاش” ان “المشكلة المتوقعة ان تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، ومجالس المحافظات ستكون معقدة، في السابق كانت الفترة بين الانتخابات المحلية والتشريعية عامين، والكتل السياسية تستغرق وقتا طويلا لتشكيل الحكومة ومجالس المحافظات، الانتخابات المقبلة ستكون أكثر تعقيدا وربما تأخذ وقتا اطول لان الوصول الى توافقات لتوزيع المناصب الحكومية ومجالس المحافظات في القوت نفسه تتطلب مفاوضات طويلة”.

دوائر انتخابية محدودة

احد أهم الانتقادات التي توجه الى العملية الديمقراطية في العراق بعد 2003 هي عدد الدوائر الانتخابية، ففي اول عملية انتخابية جرت عام 2005 اتفقت الاحزاب العراقية على جعل العراق دائرة انتخابية واحدة وقائمة مغلقة لا يستطيع الناخب اختيار مرشح وإنما قائمة كاملة.

وتطور القانون بشكل محدود في انتخابات 2010 بعد انتقادات محلية ودولية، واتفقت الأحزاب على جعل العراق (18) دائرة انتخابية بدلا عن دائرة واحدة، اما نظام قوائم المرشحين فأصبحت نصف مفتوحة، ويستطيع الناخب انتخاب مرشح واحد ولكن في النهاية قد تذهب اصوات هذا المرشح الى مرشحين اخرين، بينما يطالب أكاديميون وسياسيون مستقلون بان تكون الدوائر الانتخابية على مستوى البلدات الصغيرة في كل محافظة بدلا من ان تكون المحافظة دائرة واحدة.

ومن جديد تبقى المشكلة الاكبر هي محافظة كركوك، فالمدينة على عكس باقي المحافظات العراقية الاخرى لم تشهد اي انتخابات منذ عام 2005 بسبب الصراعات السياسية بين مكوناتها الثلاثة الكرد والعرب والتركمان، وللمرة الثالثة خلال السنوات الماضية فشل السياسيون العراقيون في حسمها.

اثناء جلسة البرلمان الاثنين الماضي عندما وصل النواب لمناقشة المادة (37) من القانون الخاصة بانتخابات كركوك، قرر المشرعون تأجيل مناقشتها والموافقة على مقترح الحكومة الذي يدعو مجددا لتأجيل الانتخابات أربع سنوات اخرى بعد استكمال الإحصاء السكاني وتحديث سجل الناخبين في المحافظة.

العراق بلا مفوضية انتخابات

مفوضية الانتخابات هي الجهاز التنفيذي المسؤول عن اجراء العمليات الانتخابية في العراق، ولكن المشكلة هي مطالبات القوى السياسية في تغيير أعضاء مفوضية الانتخابات الحالية إذ يشترط الدستور وفقا للمادة المرقمة (102) ان تكون المفوضية هيئة مستقلة تخضع لرقابة البرلمان، ولكن أعضاءها ينتمون الى الأحزاب الكبيرة الشيعية والسنية والكردية بالتساوي.

وفي نيسان (ابريل) الماضي شكّل البرلمان لجنة خاصة باختيار مجلس مفوضية جديد، واعلنت اللجنة فتح باب الترشيح لكل العراقيين، وقدم نحو خمسة آلاف مرشح وعلى اللجنة اختيار تسعة بينهم، وبعد مضي اربعة اشهر لم تنجح اللجنة في اختيار الأعضاء الجدد لان الكتل السياسية تريد أن يكون مرشحوها ضمن اعضاء المفوضية الجديدة كما جرت العادة وفق نظام التحاصص في تقاسم المناصب.

هذا التأخير أثار قلق السياسيين العراقيين، ودفع كل من رئيس الجمهورية فؤاد معصوم ورئيس الوزراء حيدر العبادي ورئيس البرلمان سليم الجبوري الى المطالبة بالإسراع في اختيار مفوضية انتخابات جديدة خلال اجتماع مشترك عقده الثلاثة في 3 آب (أغسطس) الحالي.

إضافة لكل ما سبق فان موعد إجراء الانتخابات ما زال غير محدد، ووفقا للدستور ينبغي إجراؤها في نيسان (ابريل) من العام المقبل، ولكن الحكومة لم تحدد حتى الآن الموعد النهائي، وهناك مخاوف من تأجيلها، ولكن الشيء المؤكد ان الانتخابات المحلية والبرلمانية المقبلة ستكون الأهم والأصعب في البلاد لكونها أول عملية انتخابية تجري بعد مرحلة تنظيم “داعش”.

الاقتراع المقبل سيرسم مستقبل البلاد بعد الانتهاء من التحديات العسكرية والتوجه نحو تحديات تحقيق الاستقرار السياسي والبناء والاعمار وهي ملفات لا تقل صعوبة عن الحرب.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here