هل نولي الاهتمام بالمعارضة الخارجية للاستفتاء ؟

عماد علي

لا يمكن ان نتوقع في اي وقت و ظروف كان ان ترضى او تدعم القوى الاقليمية التي الحقت بها كوردستان عن اي تحرك مساند او متحفظ لاستقلال اي جزء من كوردستان، و هذه بديهية مفرغون منها نتيجة تقاطع المصالح و تضررهم و ما يمس جشعهم المستمر منذ 1926 و عدم ايمانهم بحق تقرير المصير لاية امة ان كانت تتعارض مع منافعهم الخاصة و انكان الامر بعيدا عن الانسانية التي يدعونها زورا و بهتانا و ما يهم هو ما يهم قومياتهم السائدة و ليس ما يمكن ان نسميه بلدا ديموقراطيا لها مواطنون متساوون في الحقوق و الواجبات، و يعمولن وفق ما تفرضه عليهم الخريطة الظالمة التي فرضها الاستعمار على الكورد و هو يقدم الضحايا الكبيرة التي لم تقدم هذه الدول الاقليمية بنفسها لانشاء دولهم ولو بنسبة صغيرة جدا منها، اي ما ناضل من اجله الكورد و حجم التضحيات يفوق ثمن تاسيس دولةواحدة بكثير، و على الرغم من ذلك فان الاخرين يدعون حجج واهية و هي نابعة من منافعهم على حساب الكورد و سلبهم لحقوقه فقط، و هذا طلم مستمر لمدة قرن و لكن المؤسف و من الانكى ان يستمر في هذا العصر ايضا و لهذا ما هو المثبت في كل زمان و مكان بان الحق لم يهدى ا بل يؤخذ اينما و وقتما كان .

مثلما هو النضال و انه يحوي في طياته مخاطر و يحتاج لتقديم ما يمكن تقديمه من المال و الحال بل هو التضحية بذاتها، فان الوصول الى الهدف في اي مرحلة كانت يحتاج للكثير من التخطيط و التحضر و التمهيد و التجسيد لارضية خاصة به والى الحسابات العديدة لتقليل من الخسائر على الاقل و الا لا يمكن ان يمر مثل هذا الموضوع الصعب و المحاولة الشائكة لنيل الحقوق دون معوقات و عراقيل لمن يمس مصلحتهم من قريب او بعيد . ان الدول الاقليمية تحاول و يمكن ان تسلك طرقا عديدة وفق ما يسمحه لها الظرف و الحال الذي تعيش فيه من حيث علاقات كل منها و المعادلات السياسية الحسابية التي توصلها الى ما يمكن ان تعتقده من ما يحدث من خلال استغلال الموقف الجديد و افرازاته و تاثيراته على مصالحهم الستراتيجية التي تتاثر بما يتغير .

ليس من الصعب ان نحدد موقف و قوة كل طرف وفق درجة تاثر كل منهم بما يحدث، فمن المؤكد بان تركيا تضغط بما لديها من الاوراق السياسية و الاقتصادية من اجل وقف اجراء العملية على الرغم من انها تعلم او تعتقد بان العملية و ان اجريت فلا يمكن ان تُقرر و تنفذ نتائجها في الوقت المحدد، و ربما تيقنت من ذلك بعد تلقيها ضمانات سرية كما تسربت في وسائل اعلام تركية هامشية او من قبل المسؤلين هناك، و عليه ربما يحاول اردوغان وحزبه ان يرضيا جانبي المعادلة الكورد و حليفه الحزب القومي المتطرف في هذا الموضوع، الا انه يمكن ان يعتقد في قرارة نفسه بان ما يمكن ان يتضرر منه ليس بدرجة غريمه ايران، لما لها اتفاقية طويلة المدى مع اقليم كوردستان لمدة خمسون عاما و لم تُكشف البنود السرية فيها لحد اليوم .

اما ايران فانها من اشد المعارضين لهذه العملية الحقة التي لا يحق لها سياسة و قانونا و شرعا ان يعارضها، فانها تنظر الى القضية من منظور مدى تاثر ثقل العراق كمعقل و سلطة تعتبرها تحت امرتها ويدها اليمنى المساعدة لتنفيذ مخططاتها في المنطقة، اضافة الى انها تعتقد بان تمنع الدولة الكوردستانية من قطع الهلال الذي تعمل جادة لتنفيذه قاطعا به نفوذ القوى المناوئة لها في المنطقة المهمة لها . اي ان الدولة الجديدة المنبثقة في المنطقة تكون اشد و اكثر تاثيرا على مصالح ايران البعيدة المدى، و بالاخص ما يمكن ان تكون هذه الدولة في علاقة متينة و قوية مع غرماء ايران السياسين و المذهبيين، بحيث لا يمكن ان تساعد في تحقيق ما تريده اكثر من العراق التي تعتبره قوة و ساعدا متينا لتنفيذ ما تريد .

على الصعيد العالمي فان بريطانيا و امريكا و بعض الدول الاخرى التي لها مصالح كبيرة هنا لهم مواقف مختلفة جدا، فان بريطانيا التي خططت و نفذت وفق مصالحها الكبيرة التي كانت هي في مقدمة الدول الاستعمارية في حينه و اليوم لم تصدر منها اشارات على تصحيح خطئها او تعتذر عمليا من المآسي التي خلقتها للكورد بشكل خاص بهذه الاتفاقيات المشؤومة التي ابرمتها للمنطقة قبل قرن تقريبا.

اما امريكا سيدة اليوم، لها مخططات واسعة و عريضة جدا لما ادخلت نفسها في المجريات التفصيلية في العراق و المنطقة بشكل عام، فانها تتعامل مع الواقع و تحذر من التغييرات غير مضمونة النتائج و تريد ان تتعامل وفق الموجود نتيجة لما خططتها من قبل من انها تحسب العراق بكل ما يخصه كطرف واحد في مخططاتها و ستراتيجيتها و لم تحسب ما يحل على المنطقة و ما يفرض نفسه عليها لتغير من وجهاتها و مخططاتها ان انبثقت دولة من كنف العراق، و مع ذلك فانها ان تيقنت بان النتيجة ستكون مضمونة و لا يمكن ان تغير شيئا في نظرتها و مخططاتها و لا يمكن ان تضر بما تفكر فيه و خططت له بشكل مؤك،د فانها لا يمكن ان تتخذ موقفا صارما كما تتحدث عنه اليوم . و الاهم ان مواقف امريكا ماثلة امامنا في الكثير من الامور فنعلم كيف تتعامل مع المتغيرات و تحسب لدرجة الربح و الخسارة و تحاول ما تريده و تعتبره من مصلحته بداية و من ثم ان تلقت اشارات بان المتغير لا يمكن ان يضرها فانها لا تصدر موقفا معاديا او ممثالا لما كانت عليه مع بداية الموقف الصادر ، فانها دولة براغماتية حتى النخاع و يجب ان يعلم من يتعامل معها اين تكمن نقطة ضعفها و يمكن ان تميل الى اعدائها بلمحة بصر ان تيقنت من انه الاهم .

اما روسيا، فانها لم ترسل اية اشارة واضحة لموقفها عدا ما تعتبره امرا ثانويا لها الى حد كبير، نظرا لما تعمل عليه من التنسيق و التحالف البارز الاكثر اهمية لها مع ايران و سوريا و الجهات التي ترتبط بهم .

اذن، المعارضة الخارجية القوية للاستفتاء من قبل البعض ربما يمكن ان تصل لعتبة باب الاستفتاء دون ان تدخل في الاروقة و الغرف، و بعد اجراء العملية يمكن ان تبرز معادلات و مواقف لا يمكن ان تبقى تلك المواقف كما هي عليه . و عندئذ يمكن ان تحسب السلطة الكوردستانية لتفصيلات الامور و التفاوض و التعامل مع المستجدات بروية و تعقل بعد التصالح و التنسيق و التآخي الداخلي كاهم عامل في تحديد مدى نجاح هذه العملية المصيرية الصعبة و في ظروف رغم صعوبتها الا انه لا يمكن ان تاتي اخرى تكون ملائمة بنسبة اكبر من الموجود في اي وقت كان، و ذلك لما نحن فيه من تعقيدات المنطقة و تاثر قضيتنا بما يحدث في اية دولة فيها، و عليه و ان كان الوقت متاخرا لحدما و هدرنا فرصا اكثر ملائمة لبناء اللبنة الاولى لكياننا الا ان عدم الاطالة فيما يؤدي الى خسائر اكبر فهو ربح بعينه، اي الولوج في بداية طريق الخير و ان تاخر سلكها فانه مفيد و لابد منه، و ان كانت العملية مغامرة في اي وقت و ظرف كان فان نسبة النجاح في هذه المرحلة اكثر من غيرها، و لا يمكن ان نصعّب الامر اكثر و يجب ان لا نولي الاهتمام بما يبديه الاخر لانه معلوم لدينا، و لكن يجب التفكير في منع اي ضرر يبدر منه و بما لدينا من الامكانية في هذا العصر الذي تبرز فيه القوة من جوانب مختلفة وليس بقوة الدولة العميقة فقط .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here