بين النائب الدراجي والجبوري سيضيع العراق

محمد رضا عباس
من الان سوف لن اغضب وانا اقراء او اسمع كلمات مثل ” العراق الفاشل”, ” عراق الحرامية”, ” عراق الخراب”, “عراق الفساد”, “عراق المحاصصة”, “عراق المكونات”, “عراق الأحزاب”, “عراق النهب”, “عراق المذاهب والاعراق”, وهلم جرى. هذه الاوصاف لم تخرج من فم نتن يكره العراق ومحسوب على القوى المعادية للتغيير او تابع الى جماعة طائفية تكفيرية , ولم تسطر بقلم كاتب مدسوس , عميل , اصفر , باع شرفه وشرف مهنته من اجل حفنة من الدولارات . هذه العبارات او ما يقاربها قد خرجت من فم نواب عراقيون ما زالوا أعضاء في مجلس النواب العراقي , وما زالوا منتفعين من خيرات هذا المجلس ويتمتعون بالحصانة البرلمانية والحمايات التي يوفرها البرلمان لهم والسيارات الحديثة والمال والجاه . احد هؤلاء النواب هو السيد مشعان الجبوري , والأخر حاولت معرفة اسمه الأول ولكني لم استطع , ولقبه الدراجي . تصريحات كلا النائبين التلفزيونية , على كل حال , أصبحت مادة يتندر بها أعداء العراق والجهلاء من الناس على النظام الحالي وعلى العملية السياسية والنظام الديمقراطي فيه , حيث تصريحات كلا النائبين موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي , وأصبحت يسمعها ويشاهدها كل حامل للهاتف المحمول .
حسب علمي ان هناك حصانة للنواب , وحسب علمي ان الحصانة لا تعني تخريب البلد , وهتك سمعته , ورمي هيبته في المزابل , وانما الحصانة تعني حق النائب بانتقاد اعمال الوزارات او دوائر الدولة , وكلا حسب اختصاصه . أي ان مسؤول اللجنة المالية في البرلمان العراقي او عضوها يستطيع انتقاد (او الثناء) اعمال وزارة المالية وكشف اخطائها او الفساد فيها وكذلك البنك المركزي والدوائر التابعة له , ولكن ليس من حقه التشهير على وزارة الدفاع او الخارجية . وكذلك فان أعضاء لجنة الامن والدفاع النيابية لها الحق بالكشف عن أخطاء وفساد أجهزة وزارة الدفاع والداخلية , ولكن ليس من حقها التدخل في شؤون الوزارات المعنية بالاقتصاد . هذه هي وظيفة اللجان , وهو تحديد وظيفة كل نائب في البرلمان العراقي.
كلا النائبين , لم ينتقدا اعمال وزارة معينة , او إنجازات معينة لدوائر الدولة , او ممارسة مدير عام , او انتقادات قرارات حكومية , وانما كان هجوم كلا النائبين هجوما كاسحا على الراسات الثلاث , التشريعية و القضائية , والتنفيذية , متهمين الرئاسات الثلاث بالفساد المالي والإداري , الرشوة , توزيع المنافع بين أقرباء المسؤولين . المشكلة ان كلا النائبين يصرون ان جميع أعضاء البرلمان فاسدين بغض النظر عن زيهم الذي يلبسونه , العمامة السوداء او البيضاء , العقال , او السدارة . ويقول السيد الجبوري , ان جميع من في البرلمان وبلا استثناء من المرتشين , اما النائب الدراجي فقد اعتبر النظام في العراق فاشل متخبط بضمنه الحكومات المحلية . بالحقيقة من استمع الى حديث هذا النائب الى “العراقية والحدث ” قبل أيام , يصطدم , ويشعر ان بعض البرلمانيين هدفهم هو اسقاط العملية السياسية و بغطاء قانوني . بكلام اخر , العراق ينام مع عدوه على فراش واحد .
لا ادعي ان حكومتنا , حكومة الامام المهدي المنتظر كما يصفوها , ولا ادعي ان بعض الوزراء غير فاسدين , يعملون لأحزابهم وليس لوطنهم , ولا ادعي ان المواطن العراقي وصل مرحلة العافية والازدهار . المواطن ما زال يعاني من نقص وسوء في تقديم الخدمات , نقص في البنى التحتية , وقلة فرص العمل . هذه حقيقة , ولا يستطع أحدا اغفالها او تجاوزها . زيارة واحدة الى شوارع بغداد يكتشف الزائر سريعا تهالك ابنيتها وشوارعها , الازدحامات المرورية بسبب كثرة السيطرات وقلة الشوارع , كثرة البسطات على الطرق العامة , وتراكم الاوساخ . ولكن يجب ان نكون حقيقيين , العراق عاش تحت نظم سياسية تسلطية حتى عام 2003 , وكان على حافة الإفلاس المالي . وبعد التغيير , جابه العراق حملة إرهابية لم يشهدها بلد اخر في العالم , ومن ثم احتلال تنظيم داعش ثلث مساحة العراق , وفق كل هذا وذاك هو تراجع أسعار النفط , العمود الفقري للاقتصاد العراقي, في الأسواق العالمية . هذه التحديات كانت كافية للقضاء على أي نظام سياسي في العالم , ولكن بإصرار وتحمل وصبر الشعب العراقي استطاع العراق عبور هذه المحن . كما وان كل الدول التي شاهدت التغيير الجوهري في نظامها السياسي قد مروا بطريق العراق الوعر الدامي , وان كل ما جرى في العراق جرى في اغلب الدول الديمقراطية العريقة , وان ما جرى في دولها في الماضي لا يقل فسادا او قسوة عما جرى في العراق بعد التغيير , ولكن مع مرور الزمن , تساقط الفاسدون والمنتفعون ووصل الوطنيون والمؤمنون بالديمقراطية و تعمرت هذه البلدان وازدهرت ,و أصبحت ينظر لها بهيبة واحترام.
ان تصريحات كلا النائبين لا يصبان في خدمة العراق وليس لهما صلت بالكشف عن الفساد والفاسدين , لان السيد الجبوري نفسه اعترف بانه هو احد الفاسدين . ان السماح لهؤلاء بتصريح امام أجهزة الاعلام او دعوتهم الى حوارات تلفزيونية لا ينتج منه الا ارباك المواطن العراقي و زعزعت ثقته بالتغيير الذي انتظره العراقيون بفارغ الصبر , وقدموا له مئات الألاف من الشهداء. انه ليس من العدل والانصاف السماح لهؤلاء النواب ومن على شاكلتهم التحدث باسم العراق ضد العراق وضد التحولات الجارية. ان تأثير تصريحات هؤلاء النواب لا تقف ضمن الحدود العراقية , وانما تعم العالم العربي بفضل وسائل الاتصالات الحديثة , وهكذا يعطون السبب للحاقدين والطائفيين و العملاء ومن يعتاش على موائد السلطان بانتقاد النظام العراقي , وتوصيل رسالة خاطئة الى القراء العربي ان الديمقراطية في الوطن العربي لا تنفع ولا تتفق مع تقاليد العرب ودينهم , ومن يريد الشاهد فلينظر الى تجربة العراقية “الفاشلة” , والشاهد على ما نقول هما النائب الدراجي والجبوري .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here

By continuing to use the site, you agree to the use of cookies. more information

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

Close