التشظّي الشيعي السنّي يُعرقل إجراءات التسوية التاريخيّة

بغداد / محمد صباح

أدى التشظي والانقسام السياسي الذي شهدته التحالفات السنيّة والشيعيّة مؤخرا إلى تعثـر مشروع (التسوية التاريخية).
وتسبب انشقاق الحكيم عن المجلس الأعلى إلى انشغاله بلملمة أوراقه السياسية وإعادة تموضع تياره ضمن التحالف الوطني، الذي يترأسه منذ أيلول الماضي. ومنع ذلك الإعلان الرسمي للورقة الشيعية الذي كان مقررا نهاية تموز الماضي.

ويصطدم استئناف إجراءات التسوية بمساعي الحكيم لقبول تياره الجديد ضمن التحالف الشيعي، الذي فشل في عقد اجتماعين منذ تاريخ الانشقاق.
حدة الانقسام السني لاتختلف كثيرا عما يجري داخل التحالف الشيعي. إذ تحاول الكتل السنية توحيد صفوفها بعد المؤتمرات، التي عقدت في تموز الماضي، تحضيرا لعرض رؤيتها النهائية حول التسوية.
في غضون ذلك سلم مكتب الامم المتحدة في العراق (يونامي)، قبل أسبوع، الكتل السياسية ورقة تحمل رؤيةً جديدة لمشروع (التسوية التاريخية)، وطالب بدراسة فقراتها وبنودها قبل الرد عليها بشكل رسمي.
ويكشف رئيس كتلة اتحاد القوى النائب صلاح الجبوري، في حديث مع (المدى)، أن “الأمم المتحدة سلمت قبل أسبوع القوى والأطراف والكتل والأحزاب السياسية ورقة التسوية التاريخية التي تحمل رؤيتها لتنفيذ هذا المشروع”، مشيرا الى ان “الفرقاء السياسيين بدأوا بمراجعة الورقة الأممية للإجابة عليها”.
وكان مكتب الأمم المتحدة في بغداد (يونامي) قد كلف، في وقت سابق، فريقاً فنياً متخصصاً لتوحيد ١٠ أوراق قدمتها مكونات عراقية في إطار مشروع التسوية. وسيعمل الفريق على دمج الأوراق في ورقة واحدة تضم النقاط المشتركة المتفق عليها فقط.
ومنذ فترة يجري الفريق الاممي مفاوضات مكثفة بين قيادات شيعية وسنية لتجاوز خلافاتهم التي تركزت في ٥ نقاط أبرزها إلغاء اجتثاث البعث ومنح أعضاء الحزب رواتبهم التقاعدية، والعمل على إعادة التوازن في المؤسسة العسكرية.
ويضيف الجبوري ان “رئيس مجلس النواب سليم الجبوري والنائبين محمد تميم ومحمود المشهداني هم من تسلم الورقة الاممية من كوبيتش قبل أسبوع”، مؤكدا ان “القوى السنية لم تناقش هذه الورقة ولم تطلع على فحواها حتى الآن”.
وينفي صلاح الجبوري، الذي تم انتخابه مؤخرا رئيسا لكتلة اتحاد القوى العراقية في مجلس النواب، علمه بتفاصيل الورقة الأممية والتعديلات التي تضمنتها الإضافات، متوقعا عرض الورقة للنقاش قريبا.
وانفردت جريدة (المدى) بنشر نص (التسوية التاريخية)، في عددها 3771 الصادر بتاريخ 31 تشرين الأول ٢٠١٦، وتم تداولها بشكل واسع محلياً وعربياً، وفتحت باباً للجدل حول إمكانية بلورة رؤية وطنية عراقية لما بعد داعش. ولم تحظ مساعي رئيس التحالف الوطني بمباركة المرجعية الدينية التي نأنت بنفسها عن المشروع. كما وجه زعيم التيار الصدري انتقادات لاذعة للتسوية، مطالبا بالعمل على التوصل لتسوية مجتمعية.
ويضيف رئيس الكتلة السنية ان “الفريق الاممي يجري لقاءات مستمرة مع باقي الكتل والأطراف للاتفاق على ورقة موحدة تنال قبول الجميع”، لافتا الى ان “المشروع يتحرك بخطوات متأنية لتدارك كل الخلافات والتحديات”.
وسلمت القوى السنّية ورقة التسوية الخاصة بها مع ملحق باسم (مبادرة إجراءات الثقة) الى أمين عام الأمم المتحدة انطونيو غوتيريس الذي زار بغداد مطلع نيسان الماضي. تتكون الورقة من 20 فقرة يشترط على الحكومة تنفيذها في غضون ٦ أشهر، قبل مضي مكونات تحالف القوى بمشروع التسوية.
وكشفت (المدى) بنود إجراءات الثقة الملحقة بورقة “التسوية السنّية” في عددها (3898) الصادر بتاريخ 2017/04/09. وتضمنت الورقة 27 فقرة، تطالب بإصدار عفو خاص عن سلطان هاشم، آخر وزير دفاع في نظام صدام، وجميع الضباط المحكومين معه.
ويتوقع صلاح الجبوري تشكيل لجنة مكونة من أربعة أشخاص، بعد دراسة الورقة الأممية والاطلاع على تفاصيلها وبنودها، للتفاوض مع التحالف الوطني على بعض النقاط التي تخص مشروع ورقة التسوية التاريخية.
وكانت أطراف شيعية قد أطلعت (المدى)، مطلع تموز الماضي، عن نية التحالف الوطني للإعلان الرسمي عن ورقته التي تسربت نهاية العام الماضي بعد إدخال ثلاثة تعديلات عليها.
ويقول إبراهيم بحر العلوم، عضو لجنة كتابة مسودة التسوية التاريخية في تصريح لـ(المدى)، ان “مكتب الامم المتحدة (يونامي) مازال يجري مباحثاته مع كل الكتل والأطراف بشأن ملف التسوية التاريخية الذي لم يتوقف طيلة الفترات الماضية”.
وكشفت (المدى) عن مفاوضات سرية بين اتحاد القوى العراقية والتحالف الوطني للاتفاق على تحديد موعد لإعلان البدء بإجراءات التسوية، عبر ممثلي القوى السياسية للتفاوض المباشر بهدف إعداد ورقة تسوية موحدة.
ويضيف بحر العلوم “هناك بعض الفرقاء السياسيين لم يسلموا الفريق الاممي أوراقهم التي تحمل وجهات نظرهم حول ورقة التسوية”، مؤكدا ان “المرحلة الحالية تركز على استكمال هذه الأوراق وجمعها من قبل اليونامي لتوحيدها”.
لكنّ القيادي في التحالف الوطني ينفي وجود مواعيد محددة للإعلان عن مشروع التسوية “ما لم تنته كل الأطراف من تقديم أوراقها إلى مكتب الأمم المتحدة في بغداد”.
أما القيادي في تيار الحكمة فادي الشمري عزا تأخر إعلان مشروع التسوية إلى تشكيل تيار الحكمة الوطني والحراك السياسي الذي رافقه، مشيرا الى ان ذلك “ألقى بظلاله على عدم تمكن الهيئة القيادية للتحالف الوطني من عقد اجتماعته لإنهاء بعض متطلبات الإعلان الرسمي”.
وكان عمار الحكيم قد أعلن عن تشكيل (تيار الحكمة الوطني) الجديد، في تموز الماضي، ومغادرة المجلس الاعلى الاسلامي الذي تولى رئاسته منذ ٢٠٠٩ بعد رحيل والده عبد العزيز الحكيم.
ويضيف الشمري، في تصريح لـ(المدى)، “خلال الأيام القليلة المقبلة ستحل الإشكالية التي تواجه انضمام تيار الحكمة إلى التحالف الوطني المتمثلة ببعض الإجراءات الفنية التي تتعلق بالنظام الداخلي للتحالف الوطني الذي يشترط تقديم طلب للانضمام لمكوناته”.
ويؤكد القيادي في تيار الحكيم إلى ان “تيار الحكمة الوطني قدم طلبا إلى رئيس التحالف الوطني عمار الحكيم وتمت الموافقة على هذا الطلب وستتم عملية الانضمام”، متوقعا ان “تعقد الهيئة القيادية اجتماعا قريبا لاستكمال حواراتها في ما يتعلق بالإعلان الرسمي لمشروع التسوية وتحديد
موعد جديد”.
ويؤكد الشمري ان “المفاوضات بشأن التسوية التاريخية لم تنقطع وما زالت مستمرة بين رئيس التحالف الوطني عمار الحكيم والأمم المتحدة”، مشيرا الى ان “البيت السني يجري ايضا حراكا للتوصل إلى رؤية موحدة تمثل كل المكونات والاطراف”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here