الخشية من عمليّات الانتقام تدفع عوائل الموصل للإخبار عن أبنائها الدواعش

بغداد / وائل نعمة

حين يهبط المساء في ساحل الموصل الايمن، تبدأ عمليات السلب والنهب والقتل أحياناً. سيارات مدنية تتجول بين الاحياء، وتدّعي بأنها تابعة لـ “الحشد العشائري”. وتلاحق العناصر “غير المنضبطة” في تلك الحشود، التي يزيد عددها على ٣٠ فصيلاً وينتشر أغلبها داخل الموصل، اتهامات بالتورط بأعمال غير قانونية.

ويتعرض السكان في الموصل لأعمال “انتقامية” و”ابتزاز” من بعض العصابات، بذريعة الانتماء لداعش او مساعدة عناصر التنظيم.
ودفعت تلك الاوضاع الى ان يقوم عدد كبير من الاهالي بالتبليغ عن ابنائهم خوفا من عمليات الثأر، وهذا ما ادى الى اكتظاظ مراكز امن الموصل بالمتهمين.
ولايعرف بالتحديد عدد المعتقلين في ساحل الموصل الايمن، الذي تحرر قبل اكثر من شهر. إذ تشرف جهات امنية متعددة على عمليات الاعتقال.
وشارك في تحرير الموصل نحو 100 ألف مقاتل من تشكيلات عسكرية مختلفة، بضمنهم الحشد العشائري. وأعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي، في تموز الماضي، تحرير المدينة من قبضة داعش بعد معارك استمرت نحو 9 أشهر.

قاتل الغروب
ويقول حسن السبعاوي، عضو مجلس محافظة نينوى، إن “الموصل مدينة كبيرة، وهناك حوادث تجري بعيداً عن نظر الإعلام”.
ويضيف السبعاوي، في اتصال مع (المدى) أمس، “عند الغسق تبدأ العصابات بالتجوال في الاحياء السكنية، لتقوم بعمليات سلب وخطف وقتل”.
ويؤكد المسؤول المحلي ان “تلك العصابات تستخدم سيارات مدنية وتدعي انتماءها الى الحشود العشائرية”.
وينتشر آلاف العناصر المسلحة في الموصل، ضمن الحشود التي يتبع أغلبها لشخصيات سياسية وعشائرية.
وكانت القيادة العسكرية قد أخرجت عددا من الفصائل الى خارج الموصل، لكن بطريقة “انتقائية”، بحسب وصف قيادات في الحشود العشائرية.
واتهمت بعض الحشود بأنها وراء عمليات الانتقام، التي تتعرض عوائل تورط أحد افرادها بالانتماء الى داعش.
ويضيف السبعاوي “في الاسبوعين الماضيين، امتلأت المراكز الامنية في الموصل بالمتهمين، بعد اعتراف العوائل ضد ابنائها، للتخلص من الثأر”.
ويعتقد ان هناك 40 ألف شخص بايعوا داعش في نينوى. فيما كانت الحكومة المحلية طالبت في وقت سابق، الحكومة المركزية والبرلمان للتدخل بحل أزمة عوائل التنظيم.
ويقدر مسؤولون وجود نحو 3 آلاف عائلة في مركز الموصل فقط، انتمى أبناؤها الى داعش. ويرجح ان اغلب مسلحي داعش قد تسربوا مع النازحين، أو وصلوا الى مدن أخرى ومعهم أموال أيضاً.
ويقول السبعاوي “لدينا معلومات ان بعض المسلحين موجودون الآن في بغداد مع مبالغ سرقت من الموصل، ويهددون السكان هنا في حال اعترفوا ضدهم”.
ويقدر ما تم اعتقاله في الموصل بخمسة آلاف شخص، بعضهم لم تثبت إدانته والآخر اعتقل لتشابه بالاسماء.
ولاتوجد في الموصل إحصائيات دقيقة عن حجم المعتقلين. وكانت مصادر ذكرت، في وقت سابق لـ(المدى)، ان “القليل من المعتقلين يصلون الى مراكز الاحتجاز، فمعظمهم تتم تصفيته بالطريق”.
ومنذ أن أعلنت الحكومة استعادة السيطرة على الموصل، يواصل مسلحو داعش مهاجمة القوات الامنية من داخل الأنفاق والسراديب ومن بين ركام المنازل المدمرة.
ويقول زهير الجبوري، المتحدث باسم قوات (حرس نينوى)، احد فصائل الحشد، ان “عناصر الحرس يتعرضون بين حين وآخر الى اطلاقات من قناصين، آخرها كان في حي دجة مركة وسط الموصل”.
ويعتقد ان التنظيم، بعد خسارته للموصل، قد يعود الى أسلوبه السابق المتمثل بشن هجمات منفردة على القوات الامنية.
ويضيف الجبوري في حديث مع (المدى) عبر الهاتف امس، ان “المسلحين مايزالون متخفين تحت الارض، وقبل ايام اعتقل الفوج الثاني/ شرطة نينوى، عنصرا من داعش سوري الجنسية”.
وكان قيادي في احد الفصائل المرابطة قرب نهر دجلة، قال لـ(المدى) مؤخرا، بان قواته “قتلت حتى وقت قريب ٧٦ مسلحاً”.

المفاجأة تحت الركام
ويستغل مسلحو التنظيم الدمار الذي حدث في المدينة القديمة، إذ تقدر نسبة الخراب بنحو ٩٥٪، يعتقد وجود عشرات الجثث تحت الانقاض.
ويضيف عضو مجلس نينوى حسن السبعاوي “حين اقترب القتال من المدينة القديمة نزل السكان في السراديب، ثم سقطت المنازل فوقهم واغلقت المنافذ”. ويتابع “حينما تمر بتلك المناطق ستشم رائحة الجثث، فعمليات الإنقاذ ضعيفة جدا، بسبب ضيق الازقة وحجم الركام”.
ومنع الدمار الكبير في الموصل القديمة من عودة اهالي تلك الاحياء، على خلاف الاحياء الاخرى التي تعرضت الى تدمير أقل. ويشير زهير الجبوري، وهو عضو مجلس قضاء الموصل، الى ان “هناك 11 مستشفى بالمدينة، أُنشئت قبل 85 سنة تعرضت الى دمار بنسبة 100%، بالاضافة الى المدارس ومشاريع المياه”.
ولايشكل الدمار في الابنية والمنازل، العائق الوحيد أمام عودة نحو مليون نازح فروا من المدينة اثناء الحرب، فهناك العبوات والبيوت المفخخة.
ويقول الجبوري، المتحدث باسم الفصيل التابع لمحافظ نينوى السابق اثيل النجيفي، “اثناء تفتيش الاحياء، نكتشف ان المنازل مفخخة، لكن ليس هناك فرقة عسكرية متخصصة بتفكيك العبوات”.
ويتطوع خبراء وجنود سابقون في الجيش، ضمن الحشود العشائرية لإزالة العبوات، فيما يفقد الكثير حياتهم نتيجة ذلك.
وعثر في احد تلك المنازل المفخخة على وثائق كثيرة تعود لسكان الموصل. وبعد تطهير المنزل، يقول الجبوري بان “قوات حرس نينوى، عثرت على 13 ألف مستمسك رسمي لسكان المدينة (هوية أحوال مدنية، شهادة جنسية)، كان قد سحبها ما يعرف بديوان الحسبة التابع لداعش لجمع المعلومات من الاهالي”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here