محمد توفيق علاوي.. يكشف: هكذا عملت “الخلية السريّة” في الحكومة على تدمير العراق

 قسم التحقيقات

 شهادة لوزير الاتصالات الأسبق عن خفايا ومؤامرات لمنع المشاريع المهمة وإزاحة الكفاءات النزيهة

يكشف وزير الاتصالات الأسبق محمد توفيق علاوي في هذه الشهادة بعضاً من الآلية التي جرت على وفقها الإدارة غير السليمة للدولة في السنوات التي أعقبت انشاء أول حكومة منتخبة في البلاد بعد إسقاط نظام صدام حسين الدكتاتوري.

القضية الأولى.. الفساد يطيح بمشروع ستراتيجي
مع خروج القوات الأمريكية من العراق، تم الانسحاب من معسكر النصر (camp Victory) الكائن في مطار مطار بغداد، فاتفقتُ مع رئيس الوزراء السيد نوري المالكي على إنشاء مدينة أو قرية ذكية في هذا الموقع، لقربه من المطار وتوفر الأمن فيه، وبشكل استثمار دون أن نكلف الحكومة العراقية ديناراً واحداً، فوافق السيد المالكي وطلب مني التنسيق مع السيد سامي الأعرجي رئيس هيئة الاستثمار لأجل تحقيق هذا الأمر، فاجتمعت مع الأخير وشكّلنا لجاناً مشتركة وتمّ عقد مؤتمرات لهذا الشأن ودعوة شركات عالمية متخصصة لإعطائنا استشاراتهم وتوجيهاتهم. كما اهتمت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) اهتماماً كبيراً بالمشروع لما يمكن أن يحققه من نهضة كبيرة في العراق، وتمت الدعوة من قبل المنظمة لمؤتمر في بيروت لوزارة الاتصالات وهيئة الاستثمار ومكتب نائب رئيس الوزراء د. روز نوري شاويس، وشارك في المؤتمر أيضاً ممثل عن وزارة التخطيط وممثل عن وزارة المالية، وخصصت ورشة كاملة لدراسة المشروع. كما شارك في المؤتمر ممثلون عن عدّة دول لتزويدنا بما نحتاجه من مساعدات وإسناد واستشارات لهذه الخطوة المهمة.
وعلى إثر المؤتمر، دعيت وزارة الاتصالات من قبل حكومة كوريا الجنوبية لمناقشة انشاء قرية ذكية على غرار القرية الذكية في كوريا الجنوبية وللإطلاع عليها، وعملنا تصاميم المدينة الذكية والتي كان يمكن أن تحدث نهضة كبيرة في البلد وتفتح باب الاستثمار على مصراعيه في جلب الشركات العالمية في قطاع الاتصالات ومختلف القطاعات الأخرى، وتوفر مئات الملايين من الدولارات لعقود الخدمة لوزارة النفط إذا ما قامت الشركات النفطية العالمية بنقل مراكزها لإدارة أعمالها في العراق من الكويت ودبي الى المدينة الذكية الآمنة قرب المطار. ولكن فجأةً جاءني كتاب من الأمانة العامة لمجلس الوزراء حاملاً كذبة كبيرة ومنمّقة طالباً مني اختيار موقع آخر للمشروع بزعم وجود فكرة انشاء مدينة سياحية في ذلك الموقع! (كيف يأتي السيّاح من مختلف بلدان العالم للسياحة قرب المطار، حيث درجة الحرارة تقارب الخمسين مئوية في فصل الصيف مع حال الكهرباء المتدهورة التي لا تخفى عن المواطن العراقي!). كما جاءنا كتاب من مكتب رئيس الوزراء بعدم جواز التصرف بالمعسكر لحين أخذ القرار النهائي من قبلهم، مع العلم أن المراسلات في البداية كانت تتضمن إدخال القصور الرئاسية ضمن مشروع القرية الذكية (كما يظهر في أحد الكتب أدناه)، وتبيّن بعد حين عدم مصداقيتهم، فلم يُنفذ أيّ مشروع سواء كان سياحياً أم غيره. أما السبب وراء ايقاف المشروع فمازال مجهولاً بالنسبة لي. لا أستطيع أن أدّعي أن هناك تعمداً في تخريب البلد. إن أسأت الظن بهم فأقول لعلَّ السبب هو أن محمد علاوي لا يسمح بالفساد وبالإفساد وتحقيق مصالح شخصية للمفسدين على حساب مصلحة البلد، وهذا الأمر غير مقبول ممن بأيديهم مقاليد الأمور، فالإفساد ونهب أموال البلد من قبل السياسيين اصبح هو الثقافة العامة، وهو اتفاق غير مكتوب بين الأطراف السياسية الحاكمة للبلد، وهذا المشروع الكبير الذي يُمكن أن يدر عليهم عشرات الملايين من الدولارات مما يتوقعونه من عمولات، وهو ما لن يتحقق بوجود محمد علاوي على رأس المشروع. أما إذا أحسنت الظن بهم، فأقول إنه لا يمكنهم القبول بأن يتحقق إنجاز كبير للبلد يرتبط باسم محمد علاوي، خصوصاً وأن موقفهم تبدّل بعد طرحي للمشروع من خلال الإعلام في ذلك الوقت، أو لعل السببين الآنفين كلاهما مجتمعان، أو لعلَّ هناك سبباً آخر، حيث اني نشرت هذا الموضوع في العلن لعلّي اتسلم من السيد المالكي أو الأمانة العامة لمجلس الوزراء سبباً مقنعاً لي وللمواطن العراقي في اتخاذ هذه الخطوة المدمّرة لسياسة تطوير بلدنا ونهضته. ومازلت أرجو منهما تبيان الحقيقة وإبراء ذمتهما أمام المواطن وأمام التأريخ .

القضية الثانية… حربٌ شعواء على مدير كفء!
كان مدير عام الانترنت يتميز بنشاط وكفاءة عاليتين، واعتمدت عليه في إنجاز ثلاثة مشاريع مهمة: المدينة الذكية، التعليم الريادي، والطب من على البعد. لقد اكتشفت الأمانة العامة لمجلس الوزراء انني اعتمد على هذا الشخص لتحقيق إنجازات كبيرة للبلد في عدّة مجالات، ويبدو أن هذا الأمر مرفوض من قبلهم!! (لأن همّهم ليس بناء البلد بل تحصيل العمولات، وهذا لن يتحقق مادام الأمر بيد محمد علاوي). فجأةً جاءني كتاب من الأمانة العامة لمجلس الوزراء يطلب نقل هذا المدير وإرجاعه الى وظيفته السابقة في وزارة الإسكان. رفضتُ الطلب، فجاءتني أكثر من عشرة كتب تكرر طلب نقله وتنفيذ قرار رئيس الوزراء بذلك، وبعض تلك الكتب جاءت وهي تستبطن صيغة التهديد (كما هي في أدناه) بل تعدى الأمر الى توجيه كتب من هيئة النزاهة إلى الوزارة لإخراجه ونقله. (للأسف هناك سرقات بمليارات الدولارات والنزاهة لم تكن تعيرها أيّة اهمية، ولكن أمر نقل موظف كفء يقوم بإنجاز مشاريع ريادية في وزارة يقودها محمد علاوي، وهي خالية من الفساد، فإن كل الجهود تنصب لإفشال الوزارة ومشاريعها). والغريب أن أحد كتب هيئة النزاهة (كما هو أدناه) يشير إلى طلب من أحد اعضاء مجلس النواب،هو السيد عبد الإله النائلي، الذي بدلاً من اهتمامه بمعاناة المواطنين من توفير الخدمات والأمن ومقارعة الفساد، فإنه يوجّه اهتمامه إلى مدير في وزارة الاتصالات ينجز مشاريع مهمة لمصلحة البلد. كيف علم بهذا الأمر؟ من أخبره بهذا المدير ودوره في تحقيق إنجازات مهمة قد لا تصب أهدافها لمصلحة تلك الخلية السرية؟ إن دلَّ هذا على شيء فإنه يدل على طريقة عمل أذرع اخطبوط هذه الخلية السرية وتحقيق مآربها بهذه الطرق الماكرة وبهذا الدهاء! لو جرى استثمار الكفاءات مثل مدير الانترنت هذا في بناء البلد وتعميره وخدمة المواطن بنيّة صادقة، لكان وضعنا الآن أفضل بكثير.
أمام ذلك الواقع لم أجد بدّاً من التحدث مباشرة مع رئيس الوزراء عن الأمر، فذكرت له كفاءة المدير ونسبة انجازه العالية، فأجابني رئيس الوزراء إن كان الأمر كذلك فأطرح اسمه في مجلس الوزراء لكي يتم تثبيته، فأبديت تعجبي وقلت له لقد وصلتني اكثر من عشرة كتب من الأمانة العامة تطلب نقله بطلب منك، فقال (لا علم لي بذلك)، وكان الأمين العام لمجلس الوزراء يبعد نحو خمسة أمتار منا حينما تمت تلك المحادثة بيني وبين السيد المالكي، فاستدرت نحوه وقلت (إنك تطلب مني أن انقله باسم المالكي، والمالكي يقول أطرح اسمه لنثبته) فارتبك الأمين العام وقال (إن المالكي قد نسي هذا الأمر، وسأحدثه لأذكره به). واستمرت الكتب تأتيني لإخراج مدير الانترنت، لكنني رفضت تنفيذ الأمر بشكل مطلق، فجاءني المدير بنفسه وقال لي (لقد وقفت أنت في وجههم لأنك لا تخشاهم، وانا لا استطيع أن أقف في وجههم، إنني انسان مستضعف وأخشى منهم، لذلك أرجوك أن تنقلني)، فاضطررت عندها لنقله. لم يتوقف فعلهم عند هذا الحد، بل طالبوا المدير بإرجاع رواتبه التي تقاضاها، وأودعوه السجن لمدة شهرين، وفي النهاية أصدر القضاء قراره النهائي والقطعي بعدم ارجاع رواتبه وبصحة موقفه لأنه كان ينفذ تعليمات رئيسه المباشر، الوزير، وتم الإفراج عنه.
لقد حاولت تغيير قواعد اللعبة بإنشاء مشاريع ريادية ومتطورة من دون فساد ودفع عمولات، لكنهم للأسف عاقبوا ذلك الموظف المستضعف لإفهامي وإفهامه أنه من غير المسموح تغيير قواعد اللعبة بحسب رغبتي، فإما أن أستجيب لمنهجهم وفسادهم أو في النهاية أجبر على نقل هذا الموظف بتهديده ثم تنفيذ التهديد باعتقاله لفترة شهرين بغير جرم أو جريرة ارتكبها غير استجابته لمنهجي في انجاز مشاريع ريادية من دون عمولات أو فساد أو إفساد.
إن دلَّ هذا على شيء، فإنه يدل على تصرفات الخلية السرية في إدارة شؤون البلد. لهذا من الطبيعي أن يدمر البلد وهو يُقاد بهذه العقليات التي تعمل في السر وتعادي وتقارع كل من يقف بوجه فسادهم وإفسادهم.

القضية الثالثة.. مهندسة غير مرغوب بها لأنها نزيهة!
بعد خروج مدير شركة الانترنت السابق من الوزارة، قمتُ بترشيح مهندسة كفوءة وقديرة تتمتع بأعلى درجات النزاهة والكفاءة، فهي تحمل شهادة الماجستير من جامعة برونيل البريطانية عام ٢٠٠٧. وبعد تعيينها بفترة تركتُ الوزارة، وهنا أصبح المفسدون في وضع صعب، انهم يريدون الإفساد ويريدون السرقات، وهذه المديرة ستكون أمامهم عائقاً كبيراً في الوقوف بوجه فسادهم وإفسادهم، لا يستطيعون إزاحتها بزعم الفساد لأنها في أعلى درجات النزاهة، كما لا يستطيعون إزاحتها بدعوى قلة الكفاءة، فهي بشهادتها العالية اكفأ منهم جميعاً. لقد تفتقت اذهان خلية الفساد عن عملية في غاية المكر والدهاء. قاموا بتعيين مدير عام يمثّل تطلعاتهم ولم يقوموا بإزاحتها، فحدث هنالك خلل إداري واضح، فلا يمكن أن يتواجد مديران لنفس الشركة في آن واحد، وفهمت هي الرسالة، فلم يكن أمامها احتراماً لنفسها إلا الانسحاب، فهي غير قادرة على مواجهة خلية الفساد السرية التي تدير البلد وتمتلك وسائل القوة كافة، فاستجابت مرغمةً لتوجهاتهم، فعيّنوها في مكتب الوزير للسيطرة عليها، ولكنهم اكتشفوا بعد فترة أن جميع المشاريع التي فيها فساد ستمر بمكتب الوزير وإنها ستكتشف أي عملية فساد، لذلك قاموا بإخراجها من مكتب الوزير وأعطوها مهمة متابعة أمور المكتب الإدارية في مكتب الوكيل الإداري ولا تمر عليها أيّ قضية هندسية وتقنية لها علاقة بتخصصها. لقد تم هدر كل المبالغ التي صرفت عليها في دراستها خارج البلد، وللحقيقة فمثل هذا الإجراء يبيّن كيف يتم التفريط بالأشخاص الاكفاء والنزيهين الذين يشكلون عائقاً أمام فسادهم وإفسادهم.
قد يتساءل المواطن الشريف: لماذا هذا الدمار لبلدنا مع وجود إمكانات ضخمة وموازنات انفجارية؟ لماذا هذا الخراب والدمار وعدم وجود الخدمات وافتقادنا للأمن وانتشار الفساد والفوضى والسرقات والفقر واليتم والتشرد ؟
هذه الحوادث الثلاثة تكشف للمواطن الكريم بعض الجواب، وكيف كانت خلية الفساد تدير بلدنا. هذه الحوادث تقرّب الصورة إلى ذهنه وتعرفه بالطرق الملتوية وأساليب المكر التي اتبعت والتي نتج عنها دمار بلدنا للأسف، بسبب هذه القيادات الفاسدة والمفسدة.

متابعةصوت العراق

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here