هل تنتقل عدوى “مرض” البصرة الى الحكومة في بغداد ايضا؟

محمد رضا عباس
في مؤتمره الصحفي الأسبوعي يوم 15 اب 2017, تحدث الدكتور حيدر العبادي رئيس مجلس الوزراء العراقي عن حالة الفوضى والفساد المالي والإداري الذي ضرب محافظة البصرة تحت إدارة المحافظ الدكتور ماجد النصراوي , ورئيس مجلس المحافظة السيد ؟؟؟؟؟, والإدارات ما قبلهما . حيث ذكر في حديثه ان الفوضى والمناكفات السياسية التي عمت محافظة البصرة منذ التغيير لم يعطي المجال لإدارتها صرف المليارات من الدولارات المخصصة لها من قبل الحكومة الفدرالية لغرض دعم التنمية الاقتصادية فيها , وهكذا استمرت محافظة البصرة تعاني من نقص الخدمات و فقر البنى التحتية على الرغم من ان المحافظة هي العاصمة الاقتصادية للعراق وبخيراتها تنعم جميع محافظات البلاد .
ان سياسي البصرة لم يخرجوا عن القاعدة , وهو هدف البقاء في السلطة , غير مكترثين بفقر انجازاتهم و فسادهم وتذمر البصريين من ادارتهم . كان تحت تصرف سياسي البصرة (المحافظ ورئيس مجلس المحافظة) الملايين من الدولارات التي خصصت من اجل تمويل مشاريع حيوية وضخمة وطويلة الأمد . ولكن المسؤولين على ادارة البصرة , بقصد او بغير قصد , لم يستثمرون الأموال الطائلة على المشاريع التي تحتاجها البصرة , وذلك لمعرفتهم ان هذه المشاريع تتطلب أربعة او خمسة سنوات قبل ان يشعر المواطن البصري بمنافعها . إدارة البصرة , اعتبرت ان هذا الطريق لا يؤدي الى انتخابهم مرة ثانية , وبذلك اختاروا الطريق الثاني , وهو الإعلان عن مناقصات المشاريع الكبرى مع قرب الانتخابات المحلية وذلك لأشعار المواطن البصري ان إدارة البصرة تعمل بجد واجتهاد من اجل اهلها . وطالما وان الإعلان عن تأسيس المشاريع الكبرى يتم مع قرب الانتخابات , فان منح هذه المشاريع لا يتم بالطرق الصحيحة , بل كانت تعطى المشاريع الى “مقاولين” قريبين من دائرة القرار السياسي , وفي كثير من الأحيان ليست لهم الاهلية والخبرة والكفاءة في تنفيذ المشاريع , وفي الأخير تتوقف المشاريع بنسبة من الإنجاز 10% او اقل او ازيد , و تبدأ الإدارة بإعطاء التبريرات المتعددة ولكن في النهاية يتم هدر المال العام ويحرم المواطن البصري من منفعة المشاريع المتوقفة.
ما جرى في البصرة , ليس غريبا عن عالم السياسة . هناك عشرات القصص ظهرت في الولايات المتحدة الامريكية , ذات الديمقراطية العريقة من هذا القبيل . ففي كل عام , تبدء المعارك بين الحكومة وأعضاء الكونغرس حول تخصيصات الميزانية الفدرالية للولايات . كل عضو في الكونغرس يريد حصة الأسد من هذه الميزانية لولايته ,لتمويل مشاريع في بعض الأحيان مشاريع فاشلة او عديمة الفائدة . هناك جسر في الاسكا يسمى ” الجسر الذي يقود الى المجهول” او ، nowhere bridge حيث ان النائب عن الاسكا استطاع اقناع الرئيس الأمريكي ببناء هذا الجسر , وبعد بناء الجسر والذي كلف المئات من الملايين الدولارات تبين ان عدد المنتفعين منه لا يتجاوز عن 300 عائلة . سنتور ولاية ويست فرجينا وليم برد استطاع تامين المليارات لولايته باسم الحاجة لها , وعلى حساب الولايات الأخرى . هناك قصص كثيرة حول توزيع الميزانية الفدرالية الامريكية وان التوزيع في كثير من الحالات لا يخلوا من هدر للأموال العامة. ولكن كما تلاحظ , ان السياسي الأمريكي يركض لخدمة ولايته من اجل ضمان انتخابه مرة ثانية , حتى لو كان على حساب الولايات الأخرى , بينما هدر السياسي البصري الأموال المخصصة للتنمية , وبذلك حرم أبناء البصرة من منافعها , وهذا هو الفرق بين حب الوطن وخيانته. سياسيو البصرة خانوا العهد وخانوا أبناء مدينتهم.
هل بالإمكان انتقال عدوى “مرض ” البصرة الى راس الحكومة الفدرالية في تعاملها مع القروض الأجنبية التي تراكمت عليها بعد انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية وزيادة المصاريف العسكرية من اجل محاربة داعش ؟ الجواب هو نعم , من الممكن ان تصاب الحكومة الفدرالية بما أصاب حكومة البصرة . السبب بسيط , وهو ان دفع الديون المستحقة على الحكومة الفدرالية سوف يمنعها من الصرف على مشاريع حكومية أخرى . أي لا يمكن دفع الديون وزيادة المصاريف في آن واحد. وطالما وان قطع النفقات الحكومية غير مرغوب به ومرفوض شعبيا , كما يعانوا منه العراقيون مؤخرا , ومن اجل ضمان إعادة انتخاب رأس السلطة في البلاد مرة ثانية , فمن الاحسن له (او لها) , عدم التحرش بالميزانية , والقبول بدفع فوائد إضافية على القروض بدلا من دفع القروض نفسها. هذا هو سبب تراكم الديون في الولايات المتحدة الامريكية , الكونغرس ومجلس الشيوخ لا يكترثان كثيرا بدفع الديون على الدولة لانهم يعرفون ان قرار دفع الديون يعني نقص التخصيصات المالية لولاياتهم او برامجهم التي يدعمونها .
ما العمل؟ من حسن الحظ ان الفوائد على القروض الأجنبية الممنوحة للعراق ليست عالية , فهي اقل من نسبة الفوائد التي تفرضها على مواطنيها . ولكن تبقى انها قروض ويجب دفعها عاجلا او اجلا , ويبقى أيضا خطر التعود على هذا الطريق لتمويل الميزانية من قبل راس الدولة , حيث ان هذا الطريق اسهل بكثير من طريق اعتماد الدولة على الموارد الداخلية . كما لا يمكن فرض قانون على الدولة يجبرها دفع القروض الأجنبية او الداخلية بموعد استحقاقها , وذلك بسبب عدم معرفة ماذا سيجري في المستقبل uncertainty . وعليه فاني اقترح ادخار جزء من الأموال النفطية او من أموال صادرات الغاز في صندوق خاص تحت اسم ” صندوق ايفاء القروض الحكومية”.
وفي هذه المناسبة اريد ان اطمئن المواطن العراقي ان استحقاقات الديون على العراق سوف لا تقع على كاهل أطفال العراق كما يوعظ به السيد رائد فهمي سكرتير الحزب الشيوعي العراقي او النائبة المستقلة السيدة حنان الفتلاوي . الديون الحكومية اليوم سوف لن تقع على كاهل أطفال العراق غدا، لان هذه القروض التي استلمتها الحكومة العراقية لم تكن من اجل استيراد البيض والدجاج والخيار والطماطة او شراء سيارات إضافية لأعضاء مجلس البرلمان , وانما صرفت على مشاريع رأسمالية مثل الطرق والجسور والطاقة الكهربائية وابنية المدارس والمستشفيات . هذه المشاريع ستسهل حياة المواطن العراقي وبالتالي زيادة انتاجيته. تأسيس شارع عام يربط ناحية الفجر في الناصرية مع الطريق العام او بناء جسر يربط ضفتي نهر الفرات في كربلاء سيسهل تسويق المنتجات الزراعية من كربلاء الى مناطق أخرى وبالتالي يقلل استيراد العراق للمنتجات الزراعية من الدول الأخرى ويحفظ خزينه من العملات الاجنبية. ان زيادة في الإنتاج الوطني , يعني ظهور موارد مالية جديدة للدولة تستطيع بها تسديد ديونها بدون تحميلها على الأجيال القادمة على شكل ضرائب مالية او تخفيض من حجم خدماتها .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here