هؤلاء في حياتي (٢٥) فائق حسن موزان.. الأقوى من الجلادين

هؤلاء في حياتي (٢٥)
فائق حسن موزان.. الأقوى من الجلادين
سليم الحسني

لا يشير جسمه الى قدرته على تحمل التعذيب، لكنه كان اسطورة في سجون الأمن العامة، وصار مضرب المثل في الصمود وتحدي الجلادين. لقد كان يستفزهم، يقف أمامهم كأنه يريد منازلتهم. وحين ينتهون من وجبة التعذيب الطويلة، من دون أن يحصلوا منه على كلمة اعتراف واحدة، يعيدونه الى الزنزانة ينزف جسمه دماً، لكنه يرفض الجلوس أو تلقي المواساة من رفاق زنزانته، إذ يقف وسطهم، يهزج بأهازيج العشائر العراقية المعروفة (الهوسات) وكان يجيدها بشكل بارع، ويخصصها لمهاجمة نظام البعث، ليبعث القوة في المعتقلين، ويتحدى في نفس الوقت جلاديه. وإذا ما كرروا تعذيبه لينتهي عن (الهوسات) فأنه يعيد الكرة ثانية وثالثة، ولا يتوقف حتى ينتصر عليهم بأهازيجه.

كان الرجل الثاني من حيث المستوى الفكري والثقافي بعد الأستاذ غالب الشابندر في نهاية الستينات والنصف الأول من السبعينات، وحين اضطر الشابندر الى الهجرة للكويت، صار (فائق) هو الذي يملك زمام الحوار الفكري والتوجيه الثقافي نظراً لما يتمتع به من تألق وذكاء وموسوعية معرفية.
وكان يتميز بخصلتين بارزتين، قدرته النادرة على الإقناع في أي حوار يخوضه، وحس الفكاهة الذي يجري على لسانه بأجمل أنواع الظرافة والمرح، مما يجعل من يلتقيه مرة واحدة، يحرص على أن يلتقيه يوماً بعد يوم.

تعرفتُ عليه من خلال علاقته الوثيقة اللصيقة مع شقيقي الأكبر الأستاذ (أبو هشام) فقد جمعتهما الصداقة الى أقصى الحدود، حتى أنهما تزوجا شقيقتين بسبب عمق العلاقة بينهما، وكأنهما أرادا للقرابة العائلية أن تزيد من التصاقهما الروحي أكثر فأكثر.

اعتقلت سلطات الأمن البعثي (فائق حسن موزان) عام ١٩٧٥، وقد بقي تحت التعذيب لمدة (٢٥) يوماً، ثم اعتقلوه في ١٧ تشرين الثاني ١٩٨١، وكانت فترة التعذيب الرهيبة التي تحمّلها بصبر وثبات لا يمكن وصفه كما يروي بعض الناجين الذين شاركوه الاعتقال.

ذات يوم أدخلوا الى زنزانته فتاة مؤمنة ـ استشهدت رحمها الله ـ وقد تعرضت للتعذيب الوحشي، وكانت شبه عارية، فخلع (فائق) دشداشته وسترها بها، وراح يهزج ضد البعث وصدام، يتحداهم بـ (هوساته)، يحاربهم بكلماته الشجاعة، يصيب منهم مقتلاً بصموده وكبريائه ونخوته وشهامته، ويبعث القوة في رفاق زنزانته ضد الجلادين.

استدعاه المجرم (علي الخيكاني)، الى مكتبه، وضربه بعصا حديدية كسر بها يده اليسرى، وقال له:

ـ لقد كسرت يدك اليسرى، حتى توقع على هذه الإفادة بيدك اليمنى.

فأجابه البطل (فائق) بحركة لا يجيدها سوى صُنّاع الأساطير في الشجاعة، حيث مدّ له ذراعه الأيمن، وقال له:

ـ اكسر يدي اليمنى، لأني لن أوقع على هذه الإفادة.

تم تنفيذ حكم الإعدام به عام ١٩٨٣، ولم تُسلم جثته، ولم يتم العثور عليها حتى الآن.

معظم أصدقاء الشهيد (فائق حسن موزان) الذين بقوا على قيد الحياة وشاركوه النضال والكفاح والتوعية ضد سلطة البعث، يعيشون التهميش والإهمال، فيما استعان أصحاب السلطة بضعاف النفوس الذين انهاروا أمام أول ومضة ضوء من بريق المناصب.

رحمك الله أيها الصامد حتى الموت من أجل مبادئك.

لإستلام مقالاتي على قناة تليغرام اضغط على الرابط التالي:
https://telegram.me/saleemalhasani

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here