جدل في تونس حول حقوق المرأة

كان الرئيس السبسي واضحاً ودقيقاً وعلمياً وصارماً حين أشار من غير إستخفاف ، إلى ضرورة ووجوب التساوي في الحقوق بين الرجل والمرأة ، وقد شدني في كلامه هذه الروح وهذا الإيمان الذي يأتي من أجل تصحيح قواعد الفهم وقواعد التطبيق ، التي يتم من خلالها إصدار القوانين ، الرئيس السبسي أنطلق في ذلك من القرآن نفسه الذي ساوى بين الرجل والمرأة في الحقوق كما في الواجبات ، أنطلق في صلاح فكر الله للتعاطي مع المرأة بعيداً عن هيمنة الذكر وهيمنة القبيلة وهيمنة الدين التراثي ، ذلك لأن الله الذي أفهمه قال : ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة ) ومفهوم واحدة ليس مفهوماً عددياً إنما هو مفهوم جنس ، وبالتالي فصيغة الواحدة وما يترتب عليها من أحكام وقوانين كذلك واحدة ، وليس في الأمر من تراخي أو إبخاس لهذا الطرف على حساب الطرف الآخر .
وفي النفس الواحدة لا تبدو الإرادة غير ذلك ولا الحاجة ولا الرغبة ولا العلاقة مع الأشياء المباحة ، ففي الزواج لم أقرأ نصاً إلهياً يقول يحق للذكر ما لا يحق للمرأة ، وكما إن صيغة المفاعلة هي صيغة إشتراك كذلك صيغة الفعل ، بدليل القول التالي : ( يا بني آدم ) التي وردت في صيغة الإستغراق العمومي والتي لا تعني الذكر دون الأنثى ولا العكس ، وحول حق المرأة في الإختيار والعيش والعمل ليس هناك ثمة فارق يؤوسسه الله ، بل هناك ثمة تسوية قال بها الله ( فلهن مثل الذي عليهن ) وعلى هذا ليس الذكر صاحب قرار في الأمر والنهي الحياتي ، طالما إن صيغة الأمر الإلهي في الوجوب والنهي تشمل الأثنين معاً .
وحتى تلك النصوص التي فهم منها السيوطي وغيره معنى التفاوت ، فقد دحضت لغة العرب هذا المعنى وردت الحق إلى أصحابه معترفة بالتساوي ، فهاكم أقرؤا معي هذا النص : [ وللذكر مثل حظ الأنثيين ] ولم أجد في لغة العرب مايدل على أن ذلك يعني : – إن حصت الذكر هي ضعف حصة المرأة – بل الذي عليه لغة العرب إن مفهوم الحظ هو القيمة أو الحصة وبالتالي تكون – حصت الذكر تساوي حصة أنثيين أي مثل حصتهما لا يفترق عن حصت كل واحدة – بدليل إن القاعدة تقول : – فإن كانت واحدة فلها النصف – هذه هي القاعدة وهذا هو الحق ، أعني إن الأصل هو للمرأة وليس للرجل ، ولكن العقلية العربية وبحكم طبيعتها السادية أستغلت الطبيعة النفسية لدى المرأة لتنتزع منها حقها بل وتجعلها في رتبتة متأخرة ، ثم تلى ذلك بعض رواة الأخبار أو من الذين أستُغلوا فجعلوا من المرأة شيئاً قبيحاً يساوي بعض الحيوانات البهيمية ، حتى قال قائلهم – تفسد الصلاة ثلاثاً الكلب والحمار والمرأة – ، وقد عُممت هذه الثقافة السادية لكي تستبيح الثقافة القرآنية وتستبدلها أي تأخذ محلها ، فصارت المرأة – ناقصة عقل ودين وإيمان – ثم يأتي التبرير أخيب من التأليف .
وحكاية النقصان هذه متعلقها الله مما يوحي ويكأن الله هو من جعلها ناقصة ، ثم يرتب على هذا النقصان شؤون الحياة والحقوق والعمل والشهادة ، مع إن القضية في النص لا تعدو كونها عبارة عن معنى إحترازي يكون للذكر كما يكون للمرأة في حال حدوثه ، أعني الكلام في [ قضية الشهادة ] ، وبحسب ما أفهمه من لغة العرب إن المراد من لفظة – أن تظل أحدهما تذكر الأخرى – دليل على الطبيعة الإجتماعية التي كانت تحكم المرأة بحيث تجردها من حقها في أن تكون حاضرة في الحياة كما الرجل ، القصة لا تتعلق بالنص بقدر ما يتعلق الأمر بطبيعة الفاعل الذي كان .
ولهذا نحن كما الرئيس السبسي ندعوا إلى تصحيح ونبذ التفسير التاريخي للقرآن ، مؤمنين بأن الله خاطبنا نحن ولم يخاطب التاريخ فينا ، خاطبنا في اللحظة والتو قاطعاً الطريق عن المراحل التاريخية ، بإعتبارها تتعلق بإجيال وجماعات ولت وأندثرت – لذلك عليها ما كسبت ولها ما أكتسبت – ساداً الطريق على المزايدت في التاريخ ، بمعنى أن يكون حاكماً علينا معطلاً فينا قوى الإبداع والإنتاج والإجتهاد ، وفي هذه المناسبة أدعوا لتحرير النص القرآني من سلطة التاريخ التي تمثله الآن المدارس العتيقة مثل الأزهر وبعض الحوزات المتخلفه وبعض الجهلة من رجال دين ومعممين ، ودعوتنا تنطلق من إيماننا بأن التقدم والتطور الذي يريده الله لن يكون ممكناً مع الإتكاء على الماضي وحكايات التاريخ ، وإذا كان الله صريحاً في مسألة العقوبات كذلك هو أكثر صراحة في مسألة الحقوق والواجبات لم يميز ولم يرفع من درجة على حساب الأخرى ، ولو كان فعل لما عُد عادلاً التي هي الصفة الأهم التي يتصف بها ، ..
نعم الرئيس التونسي هو أبن منظومة إجتماعية وثقافية آمنت بما يقول ، ولهذا أتاحت له الكلام في خطوط كانت تعد من الممنوع ، لكنها خطوة أنا واثق إنها ستشجع أخرين في عالمنا العربي والإسلامي أن تحتذي حذو هذا الرئيس ، وتؤوسس لما هو خير وصالح ، إذ يكفي ما أصاب المرأة من ضيم وتبكيت وهدر للحقوق ، والإعتراف بالحق فضيلة كما يقول المثل المشهور ، ومن أجل هذا نؤيد الطرح والفكرة والرآي والقانون الذي دعا له الرئيس شادين على يديه ومباركين له ، على أمل أن يستمع الجميع – فالحق أحق أن يُتبع – ..

راغب الركابي 

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here