حماة للدين لكن بتنصيب من الوثنيين !!

بقلم :: احمد المــلا

في الفترة التي سبقت وتزامنت مع الغزو المغولي للبلاد الإسلامية وخصوصاً للعراق والشام كانت الشام ومصر والحجاز والسودان تحت حكم المماليك آنذاك، وكان نظام الحكم المملوكى قائما على التوارث، والغلبة بالسيف والغدر، فحيثما تغلب القوي الشجاع تولى الحكم، ويعود أصل أغلب المماليك إلى القومية التركية، وكانوا يكونون طبقة عسكرية محاربة تسيطر على المناصب العسكرية والإدارية ، ويستأثرون بالإقطاعيات الضخمة، ولهم عوائد بعضها ظالم مجحف بحقوق الرعية وحتى فيما بينهم كحكام وسلاطين.

يتحدث بعض المؤرخين عن سلاطين تلك الدولة بأنهم كانوا حماة للدين والإسلام وإنهم وقفوا بوجه الغزو المغولي وكانوا هم المحامون والمدافعون عن دين الإسلام بوجه ذلك الغزو الوثني ولولاهم لزال الإسلام عن وجه الأرض, وهم –أي المماليك – أقوم طوائف الإسلام علماً وعملاً وجهاداَ في شرق الأرض وغربها, وأبرز من صنفهم بهذا التصنيف هو ابن تيمية حيث يقول في كتابه ” مجموع الفتاوى” الجزء الثامن والعشرون في الصفحة 531 ((مَعَ أَنَّهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ لَوْ اسْتَوْلَى هَؤُلَاءِ الْمُحَارِبُونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ الْمُحَادُّونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ الْمُعَادُونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ – يقصد المغول – عَلَى أَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ لَأَفْضَى ذَلِكَ إلَى زَوَالِ دِينِ الْإِسْلَامِ وَدُرُوسِ شَرَائِعِهِ . أَمَّا الطَّائِفَةُ بِالشَّامِ وَمِصْرَ – ويقصد المماليك – وَنَحْوِهِمَا فَهُمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْمُقَاتِلُونَ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَهُمْ مِنْ أَحَقِّ النَّاسِ دُخُولًا فِي الطَّائِفَةِ الْمَنْصُورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ عَنْهُ : { لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ} ))…

كما يتحدث عنهم في نفس الكتاب وفي الصفحة 532- 533 ويصفهم بوصف وكانه يحصر الإسلام فيهم فقط, وبهزيمتهم إذل الإسلام والمسلمون, حيث يقول ((مَنْ يَتَدَبَّرُ أَحْوَالَ الْعَالَمِ فِي هَذَا الْوَقْتِ يَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ هِيَ أَقْوَمُ الطَّوَائِفِ بِدِينِ الْإِسْلَامِ : عِلْمًا وَعَمَلًا وَجِهَادًا عَنْ شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا ؛ فَإِنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ أَهْلَ الشَّوْكَةِ الْعَظِيمَةِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَمُغَازِيهِمْ مَعَ النَّصَارَى وَمَعَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ التُّرْكِ وَمَعَ الزَّنَادِقَةِ الْمُنَافِقِينَ مِنْ الدَّاخِلِينَ فِي الرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمْ كالإسْماعيليَّة وَنَحْوِهِمْ مِنْ الْقَرَامِطَةِ مَعْرُوفَةٌ : مَعْلُومَةٌ قَدِيمًا وَحَدِيثًا . وَالْعِزُّ الَّذِي لِلْمُسْلِمِينَ بِمَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا هُوَ بِعِزِّهِمْ وَلِهَذَا لَمَّا هَزَمُوا سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ دَخَلَ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ الذُّلِّ وَالْمُصِيبَةِ بِمَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ . وَالْحِكَايَاتُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا!!))…

هكذا يتحدث ابن تيمية عن المماليك وسلاطينها بصورة عامة ولم يستثنِ أحداً منهم بما فيهم من مساوئ وشذوذ عن الإسلام وتعاليمه, ويصفهم بهكذا وصف ويجعل منهم محاربين للغزاة الوثنيين كالمغول بينما في الوقت ذاته يصرف نظره ويقطع مداد قلمه عن حقيقة ثابتة وهي إن أغلب سلاطين الدولة المملوكية هم أصبحوا سلاطين وملوكاً وخلفاء بأمر من قادة المغول الوثنيين, ففي كتاب ” تاريخ مختصر الدول ” لإبن العبري في الجزء الأول في الصفحة 249يقول ابن العبري ((في سنة ثلاثين وستمائة (630هـ)، أرسل السلطان علاء الدين كيقباذ صاحب الروم رسولًا إلى قاان وبذلَ الطاعة، فقال قاان للرسول: إنّنا قد سمعنا برزانة عقل علاء الدين وإصابة رأيه، فإذا حضر بنفسه عندنا، يرى منّا القَبول والإكرام، ونولّيه الاختاجية في حضرتنا، وتكون بلاده جارية عليه، فلمّا عاد الرسول بهذا الكلام، تعجَّب منه كلّ مَن سمعه، واستدلّ على ما عليه قاان مِن العظمة)).

ولمن لا يعرف من هو ” قاان ” فهو منكو ابن تولوي من أحفاد جنكيز خان استوطنت أسرته في إيران واستولت و سيطرت على المنطقة ما بين نهر جيحون لغاية المحيط الهندى، و من السند لغاية نهر الفرات، و جزء كبير من آسيا الصغرى و القوقاز, دمروا بغداد و قضت على الخلافة العباسية، و احتلوا الشام و كانوا متوجهين لإحتلال مصر في فترة حكم السلطان علاء الدين كيقباذ الذي راسل قاان وقبل بشروطهم فصار حاكما بتعيين من المغول وقائدهم الأعظم, لكن أقلام التدليس والتزييف جعلت من ” علاء الدين كيقباذ ” بطل قومي وقف بوجه المغول وصد غزوهم على مصر دون الإشارة إلى إنه تم تعيينه من قبل المغول أو على أقل تقدير بايع المغول من أجل البقاء في المنصب والحكم وينفذ لهم إرادتهم وعمل تحت إمرتهم ووصايتهم.

وهنا نقول ما قاله المرجع المحقق الصرخي في تعليقاً له في المحاضرة الثامنة والأربعون من بحث ” وقفات مع توحيد ابن تيمية الجسمي الأسطوري “على ماذكره ابن العبري, حيث قال الأستاذ الصرخي ((هنا يتأكّد لكم ويحصل اليقين عندنا جميعًا بأنّ التولية والسلطنة والحكومة والخلافة والإمامة مجعولة مِن قائد المغول المشرك الوثني الكافر!!! فصارتْ ولاية وخلافة وإمامة سلاطين الإسلام بجعل وتشريع وأمر الإمام الأكبر والرسول الأعظم السلطان المغولي!!! فهنيئًا لابن تيمية بهذا الخط المبتكَر الإبداعي لتعيين وتنصيب الخليفة الإمام ولي الأمر المقدَّس القدسي!!! فمبارك لأبناء تيمية هذا الفتح المبين!!! ))…

فأي عزة وأي طائفة حمت الدين يا ابن تيمية وهم يعينون بأمر وتوصية من قادة الكفر والوثنية فهل من كان سلطاناً عند المغول يكون ممن يدخل في حديث النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم ” { لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ} ؟ هل بهكذا سلاطين وحكام تكون عزة ومنعة الإسلام في شرق الأرض وغربها ؟ كيف يكونوا حماة للدين وهم منصبين بأمر الوثنيين؟!.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here