التربية المتقدمة والصحيحة تعني، مجتمعاً متطوراً

صبحي ساله يى

في عهد البعث، كان الواقع التربوي في العراق وكوردستان يعاني من مشكلات وأزمات كبيرة، تفاقمت بشكل خطير في سنوات الحرب مع إيران، بسبب الإهمال والتهميش ورفع شعار (كل شىء من أجل المعركة)، وهو ما أسهم بتراجع المستوى العلمي للطالب. بعد إنتفاضة شعبنا في آذار 1991، وإنتخاب برلمان كوردستان وتشكيل حكومة الإقليم، كان عدد الطلاب والطالبات في مدارس الإقليم (534,963)، وعدد المعلمين والمعلمات (21,389)، وعدد المدارس (1320)، ونسبة الأمية (34%). هذه الأرقام دفعت حكومة الإقليم الى الإهتمام بالعملية التربوية وتقديم دعمها الممكن وضمن قدراتها لهذا القطاع المهم، من خلال زيادة أعداد الطلبة وبناء المدارس وتعيين المعلمين والمعلمات، وبذلت جهوداً متواصلة لكي يصبح هذا القطاع جديداً ومعاصراً ومتقدماً من خلال تحليل المواقف المتداخلة بشكل واضح، وطرح المنهجيات لمعالجة مشكلات التربية والتعليم. وظل رصد المقومات التي تعتبر قواسم مشتركة لحلقات الاداء المختلفة ضمن التفكير في سبيل إنقاذ مستقبلنا بتعليم أطفالنا الذين هم قادة المستقبل، بطريقة تتيح لهم التطور والقدرة على التعلم والتعاطي بإيجابية مع مختلف التطورات في المجالات العلمية والثقافية والتربوية، وبشكل منسجم مع النهج الاستراتيجي القائم على حقائق واعية تمثل جوهر المعرفة بأهداف العملية التربوية الخاضعة للمعايير الدولية النموذجية التي تعتمد على التنسيق المنطقي بين المقدمات والنتائج.

في برنامج الكابينة الثامنة لحكومة الإقليم، التي تشكلت برئاسة السيد نيجيرفان بارزاني، تم التأكيد على الإستمرار في إصلاح النظام التربوي والتعليم العالي، من خلال تأمين الاحتياجات اللأزمة، ورفع المستوى العلمي للكوادر التعليمية، والاهتمام بالبحوث العلمية والتعليم المهني وتقليل نسبة الامية في الاقليم. وفعلا تم تحقيق الكثير من الإنجازات. وعندما قامت حكومة بغداد بقطع حصة الإقليم من الموازنة الإتحادية، فان حكومة اقليم كوردستان إستمرت في تأمين الاحتياجات الضرورية للقطاع التربوي، ولكن بعد إستفحال الأزمة المالية بسبب الحرب ضد داعش وإنخفاض أسعار النفط وإستقبال ما يقارب مليوني نازح ولاجىء، عانى القطاع التربوي، كباقي القطاعات، من التأثيرات السلبية، كالترشيد في المصروفات وقلة بناء المدارس وشمول رواتب المعلمين بالإدخار. ولكن الذي يبعث الأمل الإرتياح في النفس هو التغيير المستمر نحو الأحسن، وإن نسبة النجاح العالية المتحققة في هذه السنة الدراسية، وإرتفاع عدد الطلبة والطالبات الى (1,738,000)، وعدد المعلمين والمعلمات الى (136,302)، وعدد المدارس الى (6789)، وإنخفاض نسبة الأمية الى (15%) مؤشرات وبراهين على تلك الحقيقة.

الآن نلاحظ أن حكومة إقليم كوردستان المنشغلة بترتيب أمور المواطنين وفق قرارات صائبة وإرادة متينة، تحاول من جهة، معالجة آثار الأزمة الإقتصادية المفروضة على الكوردستانيين. ومن جهة أخرى تحاول الإستمرار في تقديم أفضل الخدمات للمواطنين، وبالذات في المجال التربوي الذي يعد من أهم المجالات التي تؤسس لبناء جيل واعي يدرك حقوقه وواجباته. وتتعامل مع هذا المجال بالدعم المالي المطلوب والمرونة اللازمة والحزم الاستباقي لإستيعاب المتغيرات وطمأنة الشواغل المتجددة، وتمهد للدخول في حوارات ولقاءات ومؤتمرات موسعة تهدف الى المحافظة على المكتسبات التي تحققت في القطاع التربوي خلال العقدين الماضيين. والباحث أو المتابع للشأن التربوي الكوردستاني يستطيع، ودون عناء، ان يفسر التفاعل الموجود بين الحكومة والنخب الثقافية والاكاديمية وعامة العاملين في هذا القطاع من خلال شكل التجانس أو التناسق في التطلعات والأماني في جميع العموميات والخصوصيات، وفي الإتفاق العمومي على التغلب على المشكلات بكل أشكالها وتأطيرها بصيغ متعددة تبعاً للظروف.

قبل أيام أوضح السيد نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة إقليم كوردستان، في مؤتمر تربوي عقدته وزارة التربية بالتعاون مع منظمة اليونسيف تحت عنوان (مصاريف وفوائد التربية)، وجهة نظره تجاه إهتمام حكومته بالتربية، بدقة وبالمزيد من الايضاح وبالاعتماد على المعلومات والارقام الرسمية في الاقليم. وقال، أن (التربية المتقدمة والصحيحة تعني، مجتمعاً متطوراً). كما أكد ضرورة تحديد المشاكلات والنواقص التي يعاني منها قطاع التربية في الوقت الراهن، وضرورة الإهتمام بالتعليم لتحسينه وتطويره بشكل عام، والمهني بشكل خاص لسد الاحتياجات الراهنة والمستقبلية لكوردستان في الإعمار والإنماء ولإعداد المتخصصين والخبراء في المجالات المهنية، لنتمكن من الإعتماد على أنفسنا وعلى قدراتنا وخبراتنا المهنية، للمضي في مساحة التعليم المتاح للجميع، وإظهار الحكمة اللافتة والقدرة العالية على حماية المصالح العامة، وتهيئة البيئة الهادئة والارضية الملائمة لإعداد الأجيال القادمة، والتحكم في الأمور التي تهم مستقبل المجتمع الكوردستاني.
:

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here