تنوّع الأديان والمذاهب في كردستان … إغناءٌ للمجتمع الكردي أم عاملٌ للفرقة

تنوّع الأديان والمذاهب في كردستان … إغناءٌ للمجتمع الكردي أم عاملٌ للفرقة وإضعافٌ للشعور القومي؟

معبد لالش للكرد الايزيديين في شنكال بكردستان العراق

  • ARA News / عبد السلام حسين

تمهيد:

إن الناظر إلى التركيبة الدينية والمذهبية على الساحة الكردستانية سيجد تنوعاً كبيراً في المعتقدات للشعب الكردي، وبالتأكيد هذا الأمر مرده إلى كون هذه البقعة الجغرافية تشكل أقدم المناطق التي عرفتها البشرية، فكردستان بجغرافيتها تمثل الجزء الأكبر من الهلال الخصيب الممتد من الخليج العربي وصولاً إلى البحر المتوسط، وقد كان أول ظهور للحضارة البشرية على هذه الأرض، لذا ليس من الغريب أن نشهد ظهور أوائل المعتقدات البشرية هنا أيضاً، بالإضافة إلى ما تعرضت له كردستان من الغزوات بسبب خيراتها مما أدى إلى حصول تمازج بين الثقافة الأصيلة والثقافات التي دخلت كردستان بعد الغزو، والبحث يرصد هذا التنوع الديني والمذهبي على الجغرافيا الكردستانية ومدى تأثير ذلك على النهوض القومي للشعب الكردي، وهل كان ذلك من عوامل غنى المجتمع الكردي أم كان من عوامل الفرقة بين أبناء الجلدة الواحدة؟

171171.png

الديانات الكردية قبل الإسلام

تختلف المصادر في ديانة الكرد قبل الإسلام، والطقوس الدينية التي كانوا يمارسونها، ويذهب بعض الباحثين إلى أنّ ديانة الكرد كانت نفس معتقدات الشعوب الإيرانية، وهذا الاعتقاد خاطئ لأنه مستند على الأصل الإيراني للكرد بينما أكدت المكتشفات الأخيرة بأن الكرد أقدم من كل الشعوب الإيرانية (الآرية الشرق أوسطية) خاصة عندما أكتشف معبد مثرائي (إيزيدي) في بلدة روها الكردية يعود تاريخ بنائه حسب تقدير علماء الآثار إلى الألف التاسعة ق.م.

ويتطرق الدكتور محمد عبدو علي في كتابه ‹الايزيدية والايزيديون› إلى المعتقدات السائدة في المنطقة الكردية في معرض حديثه عن تاريخ الايزيدية فيقول[1]: «وقد أزالت الدراسات والتنقيبات الأثرية الحديثة، الكثير من الغموض عن حياة ومعتقدات شعوب جبال طوروس وبلاد ما بين النهرين عموماً وهم شعوب لولو وكوتي وكاشي وهوري وحاثي. .. ، وكذلك الشعوب الآرية التي وفدت إلى المنطقة في فترة ما قبل ظهور الديانة الزرادشتية، وأشهرها شعوب ماد وسكيتث وكيمير…، وسوى ذلك؛ وتتميز الحياة الروحية للشعوب التي استوطنت القسم، السفلي من بلاد الرافدين القديمة، كالسومريين والبابليين والكلدانيين، والآشوريين بالغنى والتنوع الكبيرين أيضاً، وقد تنوعت وتعددت العبادات والعقائد الدينية لتلك الأقوام ومجتمعاتها، مثلما تعددت آلهتها، كما أدى تجاورها واختلاطها المديد، إلى تمازج وتقارب بين معظم تلك المعتقدات الدينية والثقافية.

(طاووسان متقابلان على مذبح كنيسة كيمار – عفرين)

وفي أحيان كثيرة كانت تلك الآلهة، بمفاهيمها تنتقل من شعب لآخر ومن منطقة، لأخرى مع انتقال السلطة السياسية والحضارية وغيرها، وعلى الرغم من التطور الحضاري والغنى الروحي الذي شهدته منطقة، الشرق الأدنى، إلى أنه لم يصل إلى مستوى بلورة منظومة دينية منسجمة، ومتكاملة، قادرة على التعامل بشكل سهل وبأجوبة واضحة مع الأسئلة العديدة، حول الخلق والكون والحياة والموت والخلود. . إلخ، إلا بظهور الديانة، الزردشتية في إقليم ميديا في النصف الأول من الألف الأول ق.م.، وخلال أقل من ثلاثة قرون من ادعاء زردشت النبوة، والدعوة إلى عبادة إله واحد أكبر، تخلت شعوب هضبة إيران وزاغروس وطوروس عن معظم معتقداتها الدينية الوثنية، واعتنقت مبادئ الديانة الزرادشتية. ولكن وبالرغم من ذلك التحول الديني الكبير، بقيت بعض آلهة ومعتقدات الفترة ما قبل، الزردشتية فاعلة إلى حد كبير في مشهد الحياة الدينية لتلك الشعوب ، فإله الشمس والحقيقة ‹ميثرا› لدى الشعب الهوري، تبوأ مكانة قاضي قضاة العالم الآخر في الديانة الزردشتية كما بقي إله الرافدين ‹نبو› مقدساً وكانت له معابد في ناحية جبل ليلون /عفرين حتى القرن الثالث بعد الميلاد.

وقد تعرضت الزردشيتة ذاتها فيما بعد، إلى تغييرات هامة على يد كهانها المجوس الميديين، وأضفت على مالك الخباثة ‹أنجرا ماينو›، صفة إلهية كاملة، وحور اسمه من أنجرا ماينو إلى ‹أهريمان›.

ضمن هذا التحول الكبير في المعتقدات الدينية، لابد أن يكون قسم من أتباع ديانة ‹أزداهي› أيضاً اعتنقوا الزردشتية، ورغم ذلك بقي في مكنوناتهم الفكرية والوجدانية، هامش من المعتقدات الدينية السابقة للزردشتية. الديانة السائدة لدى غالبية شعوب الهضبة الإيرانية، وبقيت الزردشتية حتى ظهور النبي محمد وتبشيره برسالته السماوية الجديدة».

الكرد  والإسلام

بالنسبة إلى انتشار الإسلام في أوساط الكرد، الحقيقية لا توافق الرأي الذي نادى به بعض الباحثين وفي مقدمتهم محمد أمين زكي الذي يرى أن الإسلام انتشر بين الكرد منذ زمن الرسول (ص) [2]  فقد اعتمد برأيه هذا على كتاب محمد الألوسي (تفسير روح المعاني) المؤلف الثاني إذ يذكره مرة بالصردي وأخرى بالكردي  وبدوره يعتمد على كتاب ابن الأثير (أسد الغابة في معرفة الصحابة)[3] وهو يتحدث عن أبي ميمون لكنه لم يذكره بالكردي ولا أحد يعرف من أين جاءت كرديته كما لا يوجد أي دليل تاريخي يثبت وجود قبيلة كرديه في الجزيرة العربية في أي زمن كان! كيف تغيرت ديانتهم ودخلوا الإسلام إذاً؟

للإجابة على هذا السؤال لا بدمن الدخول وبدقه بين صفحات كتب الكتاب المسلمين والعرب في القرون، السابع، الثامن والتاسع الميلادي لنرى حقيقة ذلك.

«في الأول من حزيران من عام / 637 / م جرت معركة القادسية وبعد أسبوعين من المعارك الضارية احتل العرب عاصمة الامبراطورية الفارسية تيسفون (المدائن) 50 كم جنوب بغداد فاضطر يزدجرد ممثل الساسانيين إلى الهرب مع حاشيته واختبأ بين الكرد في حلوان» [4]

وقد ذكر الحموي بكتابه الشهير (معجم البلدان) أسماء سبعة أحياء في المدائن وقد كان أحدها (كورد آباد) أي حي الكرد. وفي أواخر عام / 637 / م استولت القوات العربية بقيادة القعقاع بن عمر على حلوان 190 كم شمال شرق بغداد جنوب شرق كركوك بعد معارك طاحنه ومقاومه شديدة من الكرد، إذ يؤكد خليفة الخياط (أن العرب احتلوها عنوة)[5] كما ذكر ابن الأثير (فرضت الجزية على سكان حلوان والقرى التابعة لها ) [6]، ويورد اليعقوبي بأن أهالي حلوان في القرن التاسع كانوا كرداً وفرس وقليل من العرب [7] بمعنى كانوا كردا فقط قبل ذلك كون الفرس والعرب غزاة جاؤوا إليها مؤخراً وعليه يمكن الافتراض بأن من المحتمل أن أول صدام وقع بين الكرد والعرب هو في معركة القادسية عام /637/ م لكن أول صدام حقيقي ومباشر وقع بين الطرفين فقط أي دون مشاركة الفرس كان في نفس العام في حلوان.

ويورد البلاذري (بعد ما تم الاستيلاء على حلوان عام /637 / م حاول واليها عزره بن قيس أن يحتل شهر زور لكن المقاومة التي أبداها أهاليها أجبرت الجيش العربي على الانسحاب) [8]وقد تم الاستيلاء عليها خلال عامي /642 ـ 643 / م بقيادة عتبه بن فرقد السلمي أي بعد الاستيلاء على الموصل والمناطق المجاورة لها، بمعنى احتلت بحصار جائر لربما طال لعدة سنوات وبصعوبة بالغة وخسائر فادحة من الطرفين وقد ذكر البلاذري (وقاتل الكرد وقتل منهم خلقاً؛ وكتب إلى عمراني قد بلغت بفتوحي أذربيجان فالله إياها ) لكن لم تكن هي.

وقد أجبر أهالي شهرزور على دفع الجزية والخراج، وتشير بعض المصادر العربية إلى أن الكرد كانوا من أكثر و أشرس الشعوب التي قاومت العرب في فارس وإقليم الجبال وشهرزور والموصل وغيرها من المناطق الكردية.

وفيما بعد أصبح الدين الإسلامي هو دين الأغلبية الكردية مع حفاظ قسم قليل منهم على ديانتهم الأصلية كالايزيدية والزردشتية، وهناك قسم من الكرد اعتنقوا المسيحية أيضاً ولكن يبدو أن اعتناق المسيحية لم يبلغ ما يمكن أن نطلق عليه الكنيسة الكردية وهي على الأغلب حالات فردية جاءت بعد حملات التبشير المسيحية والجمعيات الخيرية.

(رجل دين مسيحي أرثوذكسي إلى جانب رجلين من الكرد؛ تعود الصورة الى عام 1873.)

أما بالنسبة الكرد اليهود فجالية يهود كردستان هي من الجاليات الأكثر قدماً من بين الجاليات اليهودية، وهناك من يقول إنّ أوائل اليهود قدِموا منذ أيام الهيكل الأول، والذي بقي على حاله حتى عام 586 قبل الميلاد. ولكن، وصل معظم اليهود إلى هناك كما يبدو في فترة النفي البابلي الكبير، والذي أنشأ الجالية اليهودية الأقدم في العالم في منطقة العراق في أيامنا[9].

فرضت الحياة في المناطق الجبلية والخطرة على يهود كردستان البعد والانعزال عن بقية الجاليات اليهودية، بل حتى عن جالية يهود بابل. قامت حولها الإمبراطوريات وسقطت، ولكن الطائفة اليهودية في كردستان حافظت على ثقافتها. بالإضافة إلى ذلك، خلال فترة كبيرة من التاريخ كانت الجاليات الكردية منقطعة عن غيرها بسبب ظروف المنطقة القاسية، والتي فرضت على كل جالية العيش في عزلة.

وقد بدأت الهجرة الجماعية ليهود كردستان إلى إسرائيل منذ أن كانت الصهيونية لا تزال في بدايتها، قبل الحرب العالمية وقبل وعد بلفور. شق الكرد من منطقة أورمية، تبريز، وديار بكر طريقهم إلى إسرائيل. وفي الثلاثينات من القرن العشرين تم الحديث عن قرى كاملة في كردستان غادرها جميع اليهود الذين كانوا بها من أجل الاستقرار في إسرائيل.

الانقسام المذهبي لدى الكرد المسلمين

رغم أنّ الكرد في غالبيتهم العظمى اعتنقوا الإسلام لكنّهم لم يبقوا على مذهب واحد، وبالتأكيد كان دخولهم الإسلام بالقوة إحدى الأسباب التي أدّت إلى تعدد مذاهبهم، بالإضافة إلى تأثرهم بالمحيط، فنلاحظ وجود الكرد الشيعة في المناطق الواقعة في شرق كردستان والمناطق المتاخمة لها ويعرفون بالكرد الفيلية، أما الكرد السنة فيتوزعون في أجزاء كردستان الأخرى، وهناك قسم لا بأس به من الكرد اعتنقوا المذهب العلوي وبالأخص في شمال كردستان فسكان مدينة ديرسم الكردستانية والناطقين باللهجة الزازية هم على المذهب العلوي كما انتشر بين الكرد الطرق الصوفية التي تختلف عن بعضها اختلافاً بسيطاً، وأكثر الطرق شيوعاً هي الطريقة القادرية والطريقة النقشبندية.

(الكرد السنة)[10]

أهل السنة والجماعة هي أكبر طائفة إسلامية وينتمي إليها الغالبية العظمى من المسلمين. من مصادر التشريع الإسلامي السني القرآن وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم المتمثلة في الأحاديث النبوية المنسوبة إليه والصحيحة منها، ويأخذون الفقه عن الأئمة الأربعة:

المذهب الحنفي، نسبة إلى أبي حنيفة النعمان.

المذهب المالكي، نسبة إلى مالك بن أنس.

المذهب الشافعي، نسبة إلى الشافعي.

المذهب الحنبلي، نسبة إلى أحمد بن حنبل.

ويعتقدون بصحة خلافة الخلفاء الأربعة الأوائل: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ويؤمنون بعدالة كل الصحابة، ويشكلون غالبية المسلمين في العالم، والكرد أيضاً ينتمي القسم الأعظم منهم أي ما يقارب 85 في المئة إلى المذهب السني، وينتشر المذهب السني في أجزاء كردستان الأربعة، ويسيرون على المذهب الحنفي كون أن هذا المذهب كان معتمداً في الدولة العثمانية التي كانت محتلة لكردستان والدول العربية.

(الكرد الشيعة)[11]

الكرد الفيلية هي شريحة من اللور التي تنسب إلى الكرد والفرس وتقطن المناطق الحدودية من العراق و إيران ابتداءً من مناطق جلولاء وخانقين ومندلي شمالاً إلى منطقة علي الغربي جنوباً مروراً بمناطق بدرة وجصان وكوت والنعمانية والعزيزية وتقع أغلب هذه المناطق في محافظة واسط العراقية إضافة إلى بعض قرى محافظة ميسان وشرق محافظة ديالى.

أما من الجانب الإيراني فتتوزع مناطق الكرد الفيلية والذين يسمون اللوُر في منطقة كردستان یشتمل علی محافظات كرمانشاه  وعيلام وخوزستان ومدنها من الشمال إلى الجنوب هي خسروي وقصر شيرين وكرمانشاه وإسلام أباد غرب وسربل ذهاب وعيلام وبدرة الإيرانية ومهران وانديمشك و مدینة ملایر والتي تحاذي الجنوب العراقي في محافظة ميسان.

یسمی موطن الكرد الفیلیة باسم (كردستان کلهر) . یقال لها في العراق الفیلیة وفي إيران الکلهوریة.

الكرد الفيلية يديونون بديانة الإسلام وهم من الشيعة وعلى المذهب الجعفري الإثني العشري، ولهجتهم الكردية تختلف عن مثيلاتها في كردستان العراق وإيران بعض الشيء حيث تسمى اللهجة اللوريّة، سكن الكرد الفيلية في عاصمة العراق بغداد وكان العديد منهم يزاول النشاط التجاري فيها وقد تم إبعاد الكثير منهم قسراً من العراق إبان حكم رئيس العراق أحمد حسن البكر في 1970 وإبان حكم الرئيس صدام حسين في نيسان/ أبريل 1980، بحجة التبعية لإيران.

(الكرد العلويون)[12]

يُعرف فقهاء الطائفة العلوية بأنهم مسلمون دينيًّا مثل الشيعة يعطون مكانة كبيرة للإمام علي رضي الله عنه وآل البيت، لكنهم يختلفون في كثير من التفسيرات والممارسات الدينية التي تحوي طقوساً قريبة من الصوفية. هذه التباينات دفعت بعض علماء المسلمين إلى اتهام العلويين بالهرطقة.

وتنتشر العلوية بين كرد شمال كردستان وتركيا بشكل كبير، وهناك تضارب في تحديد عدد العلويين في تركيا فهم أنفسهم يقدرون عددهم بما يقارب 25 مليونا فيما تقدر أوساط شبه رسمية أنهم يقاربون الستة أو السبعة مليون، لكن التقديرات المحايدة والخارجية ومنها الاتحاد الأوروبي وتقارير أميركية ترجح أن يتراوح عدد العلويون بين 16وعشرين مليونا ويشكل الأتراك ثلثي العلويين يليهم الكرد فيما لا يشكل العرب أكثر من 5% من مجمل العلويين في تركيا

التعايش الديني و المذهبي في المجتمع الكردي

ربما يكون المجتمع الكردي من أكثر المجتمعات المتآلفة رغم التنوع الديني والمذهبي، فالخلافات السياسية بين الأحزاب الكردية التي قسمت الشارع الكردي أكثر من الخلافات المذهبية، على الرغم من ذلك فقد عملت الأنظمة المحتلة لكردستان للعلب على هذا الوتر، وقد استطاعت إلى حدّ بعيد النجاح في ذلك، فإذا نظرنا إلى إيران سنجد أن إيران استطاعت أن تكسب ولاء الكرد الشيعة، واستطاعت أن تبعدهم عن الهم القومي الكردي إلى حدّ كبير، فالمحافظات الكردية في شرق إيران والتي يعتنق سكانها المذهب الشيعي مثل كرمانشاه وعيلام على توافق مع النظام الإيراني، وهذا ما شهدناه بوضوح في المظاهرات التي انطلقت العام الماضي في كردستان الشرقية إثر إلقاء فتاة كردية إيرانية تدعى فريناز خسرواني بنفسها من الطابق الرابع لفندق بمدينة مهاباد، كي تمنع ضابطاً إيرانياً من التحرش بها حسب ما أفادت تقارير إعلامية، اندلعت على إثرها تظاهرات وحركات احتجاجية وصدامات بين الكرد في مدينة مهاباد وقوات الأمن الإيراني، قام خلالها المحتجون بإضرام النيران بالفندق المذكور.

كذلك الأنظمة التركية المختلفة عملت على كسب ودّ الكرد من خلال التنظيمات السنية التي تروّج لوحدة المذهب والدين بين الكرد والأتراك واستطاع حزب العدالة والتنمية أن يكسب الكثير من الأصوات الكردية في الانتخابات البرلمانية.

وربما تكون منطقة عفرين الكردية من أكثر الأمثلة وضوحاً لدراسة التعايش المذهبي والديني، ففي هذه المنطقة الجبلية يوجد الكرد السنة والذي يشكلون الغالبية العظمى بالإضافة إلى الكرد العلويين الذين يقطنون في ناحية المعبطلي (موباتو) بالإضافة إلى عدّة قرى للكرد الايزيدين كما أن هنالك كنيسة أنشئت في المدينة للكرد الذين اعتنقوا المسيحية مؤخراً إثر البعثات التبشيرية للجمعيات المسيحية.

لم تشهد المنطقة حالات عنف طائفية بين القاطنين فيها، لكن النظرة الاجتماعية تختلف، فعند سؤال الآنسة زوزان حسين عن مدى الاختلاط بين المكونات الكردية في المنطقة قالت لـ ARA News: «هناك علاقات جيدة بين مختلف المكونات وأنا لدي صديقات وأصدقاء علويون وايزيديون، لكن لا يصل ذلك إلى حدّ الزاوج فوالداي لن يرضيا بزواجي من شاب إيزيدي مثلاً».

فقد عملت الأنظمة المحتلة لكردستان على خلق الفتن بين هذه المكونات فحتى الآن ينظر المعمرون السنة إلى الكرد الايزيدين في المنطقة على أنهم عبدة للشياطين من قبل الأكثرية السنية ويتهم العلويين باتهامات أخرى.

ولكن الجيل الجديد الذي عاصر الأحزاب الكردية ومع حالة النهوض القومي استطاع أن يتجاوز هذه الخرافات، يقول الشاب عيسى ماركو، وهو شاب ايزيدي من قرية فقيرا الايزيدية لـ ARA News: «لا مشكلة لدي من الزواج بإمرأة مسلمة، فالأديان لن تستطيع أن تفرق الكرد».

وعند توجيه السؤال لطلاب جامعة عفرين قسم الإعلام عن مدى تأثير الانتماء المذهبي والديني بين الكرد على تعايشهم مع بعضهم، كانت إجابة معظم الطلاب بأنه لم يعد الانتماء المذهبي عائقاً أمام التعايش المجتمعي بين أبناء القومية الواحدة، مع تأكيد قسم لا بأس به أن آباءهم وأمهاتهم لم يتخلصوا بعد من تلك المذهبية ويرغبون بتزويج أبنائهم من نفس طائفتهم ومذهبهم.

الأديان والمذاهب وأثرها في إضعاف الهوية القومية

السؤال الذي يصح أن يطرح في هذا المجال هو: هل استطاعت المذاهب الدينية أن تضع الكرد في خدمة الأنظمة التي تتبنى تلك المذاهب كإيران وتركيا، أم استطاع الكرد أن يضعوا الروابط المذهبية في خدمة القومية الكردية والنهوض بها؟

يمكن أن نجد إجابة لهذا السؤال إذا عدنا بالذاكرة  إلى الثورات الكردية في تركيا، حين قام الشيخ سعيد بيران البالوي النقشبندي (13/2/1925) بالثورة ضد السلطة  العثمانية آنذاك وطلب قائد الثورة من بديع الزمان الشيخ سعيد النورسي استغلال نفوذه لإمداد الثورة إلا أنه رفض المشاركة وكتب رسالة إليه جاء فيها:

«إن ما تقومون به من ثورة تدفع الأخ لقتل أخيه ولا تحقق أية نتيجة فالأمة التركية قد رفعت راية الإسلام وضحّت في سبيل دينها مئات الألوف بل الملايين من الشهداء فضلاً عن تربيتها ملايين الأولياء لذا لا يُستل السيف على أحفاد الأمة البطلة المضحية للإسلام الأمة التركية وأنا أيضاً لا أستلُّه عليهم».

كما إنك إذا توجهت بالسؤال إلى أحد ايزيديي شنكال: هل أنت كردي؟ سيجيبك مباشرة «أنا ايزيدي»، وما يؤكد ذلك الخبر الذي تم نشره مؤخراً عن إجراء استفتاء للكرد الايزيدين لاختيار اثنيتهم أهي كردية أم ايزيدية أم عربية؟

كذلك إذا توجهت بالسؤال إلى أحد سكان ديرسم: هل أنت كردي، سيجيبك: «أنا زازي أو علوي».

وكل هذه الأمثلة ترسم صورة واضحة للفرقة التي خلقتها الأديان والمذاهب ضمن المجتمع الكردي إلى حد وصل في الأمر إلى إنكار القومية الكردية.

ويتناول الدكتور تهامي العبدولي في كتابه ‹الإسلام الكردي في خدمة القبيلة›[13]، طبيعة العلاقة بين القومية الكردية وبين الدين الإسلامي، وتحديداً موقف الكرد من الإسلام في وقتنا الراهن ففي كتابه هذا يذكر د. العبدولي أنه يصعب الحديث عن الفرق والنحل والمذاهب الإسلامية المنتشرة بين الكرد  بالمعنى المعروف في التاريخ الإسلامي وذلك لأن نسيج المجتمع الكردي قائم على أسس قبلية وأن طغيان الحياة القبلية في المجتمع الكردي جعل انتشار الإسلام بين الكرد مشروطا  بمدى خدمته للقبيلة.

وفي معرض رد الكاتب الكردي زاغروس عثمان على ما ورد في كتاب ‹الإسلام الكردي في خدمة القبيلة› يقول[14] يبدو أن الدكتور تهامي اعتمد على معلومات  قديمة، لأن المجتمع الكردي اليوم هو  ليس المجتمع الذي كان بالأمس، حيث تراجعت العصبية القبلية فلم تعد أكثر من رمز معنوي أو عاطفي، إذ تكاد العشائرية تنقرض في المجتمع الكردي بسوريا وتركيا وهي في تراجع متسارع بين كرد العراق وإيران، وليس هناك قيمة للرابطة القبلية أمام الرابطة القومية الطاغية في المجتمع الكردي، فالإنسان الكردي لا يبني موقفه من الإسلام على ضوء مصلحة قبيلته بل يعطي الأولوية للهم القومي، وهذا أمر طبيعي لأن الاضطهاد الذي يعانيه الكرد لا يكون بدافع عشائري أو ديني بل دافعه قومي والاضطهاد يقع على جميع الكرد دون تمييز بين عشيرة وأخرى أو ديانة وأخرى، والكرد يدركون هذه الحقيقة، وهذا ما سمح بتطور الوعي القومي – السياسي لديهم ليضعوا المصلحة القومية فوق أي اعتبار.

أصبح الكرد لا يعطون أهمية للإسلام لأن مشكلتهم ليست دينية بل قومية وكذلك لأن الاضطهاد الذي يصيبهم يأتي من الإسلام والمسلمين، وكثيراً ما يصبح الإسلام ذاته وسيلة بيد الحكومات والقوميات الغالبة بهدف إخضاع القومية الكردية لعمليات الصهر القومي وتذويب هويتها القومية في البوتقة الإسلامية، فالإسلام في رأي الكثيرين يشكل عقبة  أمام تطور المسألة الكردية، وهذا يعني تحويل الكرد من قومية إلى طائفة دينية ليضيع الحق الكردي تماماً، ولأن الكرد يدركون هذه المخاطر فقد قرروا الابتعاد عن الإسلام لحماية هويتهم القومية، حيث هناك اتجاه جديد بين المثقفين والشباب الكرد لإحياء دينهم القومي القديم الزرادشتية ليس لدافع ديني بل لتأكيد تمايزهم القومي حتى على مستوى الديانة، وهناك آخرون فكروا في إيجاد إسلامهم الكردي الخاص، مثل الإسلام التركي والفارسي والعربي حيث يعمل الجميع على وضع الإسلام في خدمة مصالحهم القومية، فلماذا لا يفعل الكرد ذلك، ونتيجة ظروف الاضطهاد القومي فإن النزعة العلمانية هي الطاغية في المجتمع الكردي، الذي يمكن القول أنه ليس متديناً وليس عشائرياً، بدليل أن الزعامات القبلية والدينية هي التي بادرت إلى تأسيس أولى التنظيمات السياسية الكردية على أساس علماني يساري قومي وليس على أساس ديني أو عشائري، واليوم فإن كل حزب من الأحزاب الكردية يضم بين صفوفه أعضاء من مختلف العشائر والأديان والمذاهب، عملياً ليس هناك حزب مخصص لقبيلة أو ديانة، بل أحزاب علمانية تحولت من اليسار إلى الليبرالية والديمقراطية، فإذا كانت خارطة الأحزاب الكردية هكذا، فهل تكون القبلية بهذه الحدة؟.

لقد دخل الكرد مرحلة جديدة مع بدء المتغيرات الدولية التي تفاعلوا معها بشدة، وكانوا جزءً منها، وشركاء فاعلين فيها، مما أدت إلى تبدلات جوهرية في البنى السياسية والاجتماعية والدينية لدى عموم الكرد.

وعند سؤال الطبيب النفسي في مدينة عفرين محمد حسين عن مدى التأثير الديني والمذهبي على الحس القومي الكردي قال لـ ARA News: «الإنسان يبقى دائماً بحاجة إلى الجانب الديني أو الاعتقاد الغيبي، لذا يبقى مرتبطاً بالمعتقدات التي تربى عليها، ولكن مع النهضة القومية للقضية الكردية، وازدياد الوعي الثقافي في المجتمع الكردي أصبح صوت المذهبية الدينية خافتاً».

يبدو أن الكرد استطاعوا نوعاً ما أن يتحرروا من النزعات الدينية والمذهبية التي حاولت تفتيت المجتمع الكردي لقرون طويلة، ويبدوا أن الأحزاب الكردية السياسية بأيديولوجياتها المتناقضة تحاول إعادة الكردة إلى خانة التقسيم والفرقة، فهل يستطيع الكرد التغلب على الارتدادات التي تسببها الأحزاب الكردية في المجتمع الكردي؟.

الهوامش

_______________

[1] محمد عبدو علي – الإيزيدية والإيزيديون – وزارة الإعلام رقم /9626 / تاريخ 28 – 8 – 2008 ص13

[2] محمد أمين زكي / خلاصة تاريخ الكرد / ص 130

[3] ابن الأثير / أسد الغابة في معرفة الصحابه / ج1 / ص251

[4] الدينوري / الأخبار / ص129 /حلوان / حلاوان بالكردية /190 كم شمال شرق بغداد

[5] أبو عمرو خليفة بن خياط / تاريخ خليفة ابن الخياط / ص139

[6] ابن كثير / البداية / ج7 / ص71

[7] احمد بن ابو يعقوب / تاريخ اليعقوبي / ص270

[8] البلاذري / فتوح البلدان/ ص339 / طبعة مصر1909 / ص327

[9] http://www.al-masdar.net

[10] https://ar.wikipedia.org/wiki / أهل السنة والجماعة

[11] https://ar.wikipedia.org/wiki / الكرد الفيلية

[12] http://rawabetcenter.com/archives/6449

[13] تهامي العبدولي / الإسلام الكردي في خدمة القبيلة / رابطة العقلانيين العرب/ طباعة دار الطليعة في بيروت

[14] http://www.alwaref.org/arabic/2009-02-26-02-00-11/132-2009-04-08-01-30-15

________________________________

المصادر والمراجع :

  1. محمد عبدو علي – الإيزيدية والإيزيديون – وزارة الإعلام رقم /9626 / تاريخ 28 – 8 – 2008
  2. محمد أمين زكي / خلاصة تاريخ الكرد /تقديم : أ.د. كمال مظهر أحمد نقله إلى العربية وعلق عليه : الأستاذ محمد علي عوني / مطبعة: دار الشؤون الثقافية بغداد الطبعة الثانية 2005 .
  3. عبد الله بن مسلم بن قتيبه الدينوري / عيون الأخبار / طبعه مصر سنه 1916أبو عمرو خليفة بن خياط / تاريخ خليفة ابن الخياط / المحقق: د. أكرم ضياء العمري الناشر: دار القلم , مؤسسة الرسالة – دمشق , بيروت الطبعة: الثانية، 1397ابن كثير / البداية / ج7 / حققه ودقق اصوله وعلق حواشيه علي شيري الجزء السابع دار إحياء التراث العربي.احمد بن ابو يعقوب / تاريخ اليعقوبي / طبعه ليدن سنه 1883
  4. اسم الكتاب: تاريخ اليعقوبي-جـ 01 اسم المؤلف: احمد بن ابو يعقوب بن جعفر بن وهب ابو واضح التصنيف: طبعه ليدن سنه 1883
  5. البلاذري / فتوح البلدان / طبعة مصر1909 /
  6. تهامي العبدولي / الإسلام الكردي في خدمة القبيلة / رابطة العقلانيين العرب/ طباعة دار الطليعة في بيروت
  7. المواقع الإلكترونية التالية: (alwaref – rawabetcenter- al-masdar – wikipedia )
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here