شناشيل : قانون العفو وتعديله.. باطل

عدنان حسين

يُمكن للحكومة التي ورثت موازنة خاوية بفضل فساد سابقتها وانهيار أسعار النفط، سلعتنا الواحدة الوحيدة، وتطبّق برنامجاً للتقشّف لم يحقّق النتائج الحاسمة المرجوّة، أن توفّر مئات مليارات الدنانير سنوياً بحلّ جهاز السلطة القضائية بقضّه وقضيضه، من رئيس السلطة إلى أصغر حاجب في أصغر محكمة!
لم تعد ثمة حاجة لنا بالقضاء والقضاة .. بدلاً منهم، لدينا 328 عضواً في مجلس النواب جعلوا من أنفسهم قضاة يقرّرون بأنفسهم مَنْ يتعيّن أن يُحكم بالسجن أو بالغرامة المالية ومَنْ لا يُحكم. وعوضاً عن إنفاق الاموال الطائلة على القضاء والعاملين فيه، لنترك الأمر لهؤلاء النواب بأن يكونوا سلطة قضائية إلى جانب كونهم سلطة تشريعية ورقابية.
في العام الماضي أصدر مجلس النواب قانون العفو العام الذي لُحمته وسداه العفو عن الإرهابيين (السنّة) في مقابل العفو عن الفاسدين (الشيعة). كان القانون حصيلة “جهاد” مضنٍ طويل النفس بذلته الاحزاب الشيعية التي لديها أكبر عدد من المحكومين أو الملاحقين بتهم فساد إداري ومالي (سرّاق مال عام، غاسلو أموال، مزورو شهادات… الخ)، والاحزاب السنية التي لديها أكبر عدد من المحكومين أو الملاحقين بجرائم إرهابية.
تبادل المصالح والمنافع جعل الاحزاب الشيعية والسنية التي أدارت بكفاءة عالية على مدى سنوات حروب التحريض والكراهية الطائفية، تتوافق على سنّ قانون العفو العام الذي تسعى هذه الاحزاب الآن إلى توسيع نطاق المشمولين بأحكامه كيما لا يبقى فاسد أو إرهابي من جماعة هذه الاحزاب في السجن. مجلس النواب يريد الآن حصر جرائم الإرهاب بتلك التي وقعت بعد 10 حزيران 2014، وهو تاريخ احتلال تنظيم داعش الإرهابي لمدينة الموصل.. أما كل أعمال الإرهاب الرهيبة التي ضربت مدن البلاد قبل ذلك على مدى عشر سنوات فلم تعد إرهاباً في نظر مجلس النواب الذي يريد في المقابل أن يجري التعامل مع مزوّري الشهادات، وبخاصة الذين احتلّوا مناصب المدير العام فما فوق بموجب شهاداتهم المزوّرة، بوصفها أخطاء وتجاوزات بسيطة تقتصر عقوبتها على الغرامة المالية فقط لا غير!
ماذا يعني هذا؟
معناه إن مئات القضاة الذين أصدروا أحكامهم العادلة على الفاسدين والإرهابيين ستذهب جهودهم وجهود مساعديهم والمدعين العامين سدى وتكون هباءً منثوراً، وربّما سيتعيّن عليهم تقديم الاعتذار إلى الفاسدين والإرهابيين لأنهم حكموا عليهم بالعدل، بل قد يتوجّب عليهم دفع تعويضات إلى الجناة بموجب نظام “الكوامة” العشائرية الذي تُصبح لأحكامه تدريجياً أولوية على الأحكام القانونية.
التعديل على قانون العفو الذي يسعى إليه النواب الآن باطل، وقانون العفو بصيغته القائمة هو في الأساس باطل أيضاً، فكلٌّ من القانون وتعديله المقترح يريد أن يُظهِر الباطل ويُزهِق الحق.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here