الاسلام السياسي والقومية العربية

ادهم ابراهيم

مما لاشك فيه ان الدين قديم قدم الانسانية . وقد ساعد الدين على صنع الشخصية الاجتماعية للانسان على مر العصور ، كما ساهم بوضع القواعد والقوانين الملزمة لتنظيم عمل البشر في كل ارجاء المعمورة . وقد كان الدين اساس السلطة لرئيس القبيلة والملك لكونه الوحيد القادر على الاتصال بالقوى الميتافيزيقية او الالهية التي يستلم منها القوانين والاحكام الملزمة للرعية . ويتوجب عليهم الطاعة والاحترام لهذا الملك او رئيس القبيلة . والا يقع المخالف تحت طائلة العقاب الدنيوي والديني ايضا . ومن هنا نشأت اسس السلطة والحكم . وبعد نشوء الديانات التوحيدية لم تختلف في مرادها واسسها عن هذا المفهوم

وبقي مفهوم السلطة والحكم قائما على الاسس الدينية لفترة طويلة . اما نظرية الدولة العلمانية القائمة على القومية بمفهومها الحديث فلم تنشأ الا في نهاية القرن الثامن عشر . فتحولت الدول الغربية الى المنظور القومي . وتعتمد الفكرة القومية اساسا على اللغة ، والعيش المشترك ، والتاريخ والتراث الجمعي

اما القومية العربية فقد بدأت كفكرة او عقيدة معارضة للاحتلال العثماني في اواخر القرن التاسع عشر . وجرت المطالبة بالاستقلال والوحدة العربية . . ثم قويت فكرة القومية العربية فنشأت احزاب وتجمعات قومية وخصوصا في سوريا ولبنان وانتقلت الى العراق ، فتم تبني المفهوم العلماني في ادارة الدولة بمعزل عن التقسيمات الدينية او المذهبية للشعوب العربية. وقد آمن الضباط الاحرار للثورة المصرية التي قامت في 23 يوليو عام 1952 بالقومية العربية كمنهج للحكم الجديد ، وكان الرئيس جمال عبد الناصر من اشد المنادين بالقومية العربية والوحدة العربية .مما اثار حفيظة المملكة العربية السعودية انذاك . وبعد العدوان الثلاثي على مصر من قبل فرنسا وانكلترا واسرائيل . اشتد العداء الاسرائيلي ضد القومية العربية لانها تمثل اكبر تهديد للدولة الصهيونية في وقتها . فقامت امريكا الحليف الستراتيجي لاسرائيل بالتحالف مع العربية السعودية في مواجهة مصر بشتى الوسائل . واشتد العداء بعد قيام الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 . وفي مقابل حركة عدم الانحياز التي عمل جمال عبد الناصر على انشائها وضمان ديمومتها . حاولت المملكة العربية السعودية في سنوات لاحقةعلى انشاء تحالفات اسلامية عديدة لم يقيض لها النجاح الا في عام 1969عندما اسست منظمة التعاون الاسلامي . وبقيت المملكة العربية السعودية من اشد المناوئين للقومية العربية والوحدة العربية لتعارضها مع الفكر الديني المتشدد الذي كانت ومازالت تتبناه . وبعد قيام الثوة الاسلاميةفي ايران عمل قادة النظام الجديد على معاداة العلمانية التي كان يتبناها الحكم في العراق . لان العلمانية تمثل اكبر تهديد للتسلط الديني والحكم الثيوقراطي الذي تميز به الحكم الجدبد

ان السعودية وايران والاخوان المسلمين وحزب الدعوة وبقية الاحزاب الدينية الشيعية والسنية هم اعداء للوطنية والقومية لانها احزاب شمولية . كما انهم اعداء لكل فكر علماني . ويصورون العلمانية على انها ضد الدين او انها كفر والحاد وانها بدعة غربية لمحاربة الدين الاسلامي والقضاء على الشخصية الاسلامية ، او انها افكار غربية تعمل على ضرب الاسلام . وتضمر العداء للشعوب الاسلامية . وربما يتهمونها بانها موالية للمسيحية على حساب الدين الاسلامي . وهناك فئات من المثقفين تميل الى هذا الاتجاه اما لرواسب دينية قديمة ، او لانها متأثرة بالتوجهات والاطروحات المذهبية التي تتبناها السعودية او ايران او تركيا ، او الاحزاب الاسلامية ذات التوجهات المتشددة او الطائفية . وقد انعكس هذا العداء للعلمانية على الفكر القومي العربي ايضا . فصار الحديث عن القومية العربية او الوحدة العربية من المحرمات بل انها ربما تقرب من الكفر . وهم يقدمون الدين اوالصحوة الاسلامية المزعومة على انها البديل عن القومية والوطنية . او ان في الدين الحل الامثل لكل المشاكل السياسية او الاقتصادية للشعوب العربية والاسلامية. وحولوا الصراع الطبقي ، وكل الصراعات على الثروة الى صراعات دينية او مذهبية بعيدة عن الواقع المعاش لصرف النظر عن المشاكل الاقتصدية والاجتماعية التي يعاني منها الناس ، لتلافي الثورات والانتفاضات من قبل الفئات الاكثر تضررا من سوء توزيع الثروة ، وحصرها بيد فئة قليلة من المجتمع وهي الطبقة الرأسمالية او البورجوازية المتنفذة

ان الوضع العام الحالي لبعض الدول العربية بعد الفوضى المصطنعة والتدخل الاقليمي والدولي في شؤونها الداخلية بهذ الشكل المخيف قد جعلها اقرب الى الاحتلال الاستعماري . وانها الان بحاجة ماسة الى حق تقرير المصير مجددا مما يتطلب التمسك بالقومية العربية لتحقيق النهوض الشعبي اللازم دون نبذ الفكر الديني نهائيا ، وتبني القيم الدينية العليا كخطوط عامة لكل التوجهات التحررية القادمة . مع اعتماد الليبرالية الاجتماعية والعلمانية كمنهج لبناء الدولة الحديثة . حيث ان التنوع الثقافي والديني والقومي والمذهبي الذي يميز مجتمعاتنا العربية يدعونا الى تبني الدولة المدنية كنظام سياسي بعيد عن التفرقة بين الافراد على اساس الدين او المذهب او المناطقية .

ان العلمانيةليست ضد الدين بل انها تنظر الى المواطنبن كافة بنفس النظرة . دون الاتفات الى دينهم او مذهبهم او عقائدهم . وبذلك نصل الى مفهوم الدولة المدنية مع اعتماد الاسس الحديثة في الادارة والسياسة والاقتصاد ، ونتخلص من التحزبات والصراعات الدينية والمذهبية التي فرضت علينا بعد الاحتلال والتدخلات الخارجية والتي جلبت الينا الويلات والمصائب ، ولننعم بالسلام والأمان اسوة بدول العالم المتحضر

ادهم ابراهيم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here