الهيئات المستقلة وخروجها من المحاصصة

ماجد زيدان

مع التغيير في عام 2003 جلب لنا الحاكم في اطار المادة تنظيم الهيكل الاداري للدولة الوطنية للهيئات المستقلة لتكون جهات رئيسة تضاف الى الاجهزة المتعارف عليها بجانب السلطات الثلاث لمساعدتها، وفي توزيع جديد للمسؤولية والصلاحيات من دون تشابك وتضارب فيما بينها.

يمكن القول ان النظرة الاولى لها والموقف منها في البداية كان حيادياً ومترقباً بين غالبية ابناء شعبنا، حتى لم تستطع ان تثير اهتمامهم كثيراً، ولكن التنافس والتدافع والصراعات وادخال تشكيلها ضمن المحاصصة بين الاحزاب والمكونات باتت هيئات لا تقل اهمية عن الوزارات وموازية للوزارات على خلاف ما قصد منها من سعى الى هذا التغيير التنظيمي في هيكل الدولة الاداري الذي ضمن ما اراد ان تكون عنصر توازن وهيئات للمواطنة الحقة تسهم في دورها في بناء الدولة وادارتها.

غير ان حسابات البيدر لم تطابق حسابات الحقل، واصبحت كل هيأة مبنية على اساس الطائفة والعرق ووسيلة ترضية لبعض الاطراف التي تسعفها الانتخابات ان تكون نافذة، وكان اغلبها يقوم على ان يكون نصفها للمذهب الشيعي والنصف الآخر للسنة والكورد، وربما اضافة الى بعضها من الطوائف الاخرى كجوائز ترضية.

رئيس الوزراء في تصريح له الاسبوع الماضي، وما اكثر ما يقول ولا يفعل في هذا الخصوص، ان هذه الهيئات يجب اعادة تشكيلها ونبذ المحاصصة ودعا جميع المواطنين الى التقدم لاشغال المناصب فيها !!

حقاً الدعوة غريبة، برغم صحتها وضرورتها، فهو يعرف ان ذلك ليس ممكناً ما دامت المحاصصة تعشش في كل مفاصل الدولة، وان لا احد يأخذ دعوته على محمل الجد، لانه لو اراد ذلك لتوجه الى مجلس النواب بترشيحات لانهاء اسناد المهمات بالوكالة في مختلف المؤسسات والاجهزة، وهو الداعي في اطروحته الى الاصلاح قبل اكثر من سنتين الى ذلك الا انه لم يتمكن ان يعطينا مثالاً واحداً على ما ادعى، بل انه كرس هيمنة حزب الدعوة الحاكم كلما شغر منصباً.

ان الدعوة الى هذا الوضع الطبيعي باشغال المواقع على اساس الكفاءة والمقدرة والنزاهة ليست مثالية لو بادر رئيس الوزراء على منع حزبه من المطالبة بحصته، وها هي مفوضية الانتخابات استبعدت مئات المتقدمين الى تبوؤ المقاعد فيها ولكن الامر اقتصر على عدد محدود من رشحتهم احزابهم على اساس المحاصصة البغيضة التي ترفضها غالبية شعبنا وتقبلها غالبية النخب السياسية وتعمل على تكريسها في كل مفاصل الحياة.

مرة اخرى نقول لا نجد ما يمنع رئيس الوزراء من التوجه الى مجلس النواب بقائمة من المستقلين او من الكفاءات المشهود لهم لتعيينهم اعضاء في مجلس الخدمة الذي ان باشر عمله سيكون ضربة للفاسدين والمحاصصين ولانصاف عموم المواطنين وتحقيق قدر من المساواة بينهم والتنافس الشريف على الوظائف.

ان الاوجه التي ممكن التحرك في حيزها لضرب المحاصصة ليس في الهيئات المستقلة وهي اهون بكثير مثل المدراء العموميين والوظائف الخاصة، وهذه وغيرها من صلاحية رئيس الوزراء.

وعلى الاقل ابعاد غير الكفوئين والفاسدين ممن هم بدرجتهم، وهذه لا يتطلب سوى امر ديواني او وزاري.

الواقع المشكلة اكبر من اعلان للاستهلاك الداخلي وزرع لقطاف ثمرته بعد اشهر، أي في الانتخابات، نريد عملاً في هذا الاتجاه وملموساً مهما كان ضئيلاً، كي نعطي الانطباع اننا نسعى الى ان نخلف بلاء وكارثة المحاصصة خلفنا.

ان غالبية الهيئات المستقلة لا تؤدي عملها بالشكل الامثل، وذلك للصراعات الحزبية والطائفية الطاغية فيها، مستترة وعلنية، كل ممثل لمكون بدافع عن جماعته ويصوت بحسب المساومة التي يبرمها، وقليل منها ينفذ من هذه المعادلة.

ان سمعة الهيئات المستقلة بين ابناء شعبنا وصلت الى الحضيض، ولم تعد هناك جمهرة منهم تنظر الى امكان اصلاحها في ظل الاوضاع الراهنة، بل هناك من يتطرف ويطالب بالغائها وتوفير الموارد الهائلة التي تبدد عليها خزينة الدولة.

على ما يبدو ان السائد اننا لسنا بقادرين على استيعاب المشاركة الواسعة في صنع القرار وادارة البلد الذي توفر جزءاً منه الهيئات المستقلة والميل ما يزال نحو تقليص الدائرة، وذلك جراء الرزوح لسنين طويلة للحكم الدكتاتوري، والذي يتطلب الخروج مما تركه على وعي الناس فترة انتقالية ليس من بينها الهيئات المستقلة المبنية على المحاصصة والطائفية السياسية، والاهم من اداء هذه المؤسسات ومبادئ اختيار شاغلي مناصبها.

لاشك ان فتح الباب لجميع المواطنين للتقديم الى الوظائف والمناصب في الهيئات المستقلة خطوة مهمة ولكن تبقى دعوة نظرية ما لم تقترن باجراءات ملموسة في التطبيق تسهل التباري النزيه بين المتقدمين ليس من اسسه وشروطه الانتماء الحزبي والكف عن التوزيع الطائفي والعرقي لها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here