إيران وتركيا ومَن بينهما

من المؤكد أن يتعانق العراقيون، وكلاء الولي الفقيه ووكلاء أردوغان، ليكونوا يدا واحدة أشد في حصار الدولة البارزانية من تركيا ومن إيران.

العرب إبراهيم الزبيدي
يقول التاريخ إن الصراع العسكري المدمّر بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية للسيطرة على بلاد شرق الأناضول والقوقاز وبلاد ما بين النهرين دام قرونا ولم يتوقف.

بدأ من أول القرن السادس عشر واستمر حتى نهاية القرن التاسع عشر. ورغم أنه كان يخف خلال فترات قليلة، إلا أنه كان يتخذ أشكالا أخرى عديدة من الصراع المستتر، ثم يعود فيندلع من جديد.

ومن نكد الدنيا علينا، نحن أبناء أهل بلاد ما بين النهرين، أننا وجدنا أنفسنا مادة ذلك الصراع وساحته وأدواته. يحتلنا العثمانيون تارة، ثم يهزمهم الصفويون تارة أخرى ويحتلوننا بدل العثمانيين.

وفي كل مرة كان أيٌ من الاحتلاليْن، العثماني أو الصفوي، يأكل أجيالا من خيرة شبابنا ورجالنا ونسائنا وأطفالنا، ولا يخرج إلا بعد أن يترك وراءه حروبا طائفية مذهبية مدمّرة بين فريق مستغفَل من العراقيين يوالي الصفويين، وآخر مضلَّل يوالي العثمانيين، تكون في أحيان كثيرة أكثر ضررا من جيوش الغزاة الأجانب وأشد.

شيء واحد ميّز العلاقة بين الدولتين هو أنهما تنسيان خلافاتهما، وتطفئان نيران حروبهما وتتهادنان وتتراضيان وتتفاهمان حين تشعران بخطر داهم يهدد مصالحهما المشتركة وقد يتسبّب بضياعهما أو جزءٍ منهما.

فحين لوّح مسعود البارزاني بفكرة الاستفتاء وبما قد يتبعه، شعرت الدولتان، وهما المتحاربتان على أرض العـراق وسوريا، بالواسطة، بأن الاستفتاء بحد ذاته، حتى لو لم يتمخض عن استقلال إقليم كردستان العراق، كما لوّح البارزاني، إنما هو خطر عظيم داهم يهمُهما معا أن تتفقا وتتفاهما وتتحالفا على خنقه، قبل أن يولد ويكبر وتصبح له أظافر وأنياب، وقبل فوات الأوان.

ودون مقدمات، وبالرغم من اعتقاد العراقيين والسوريين بأن العداوة القائمة بينهما ثابتة ولن تنتهي عما قريب، هبط رئیس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري في أنقرة، فجأة، تلبیة لدعوة رسمية تركية على رأس وفد سياسي وعسكري رفيع المستوى.

وفي نهاية الزيارة أكد اللواء باقري، عقب لقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن “إيران وتركيا لديهما موقف مشترك إزاء إجراء إقليم كردستان العراق استفتاءَ الاستقلال”، موضحا أن كلا منهما يعارض إجراء هذا الاستفتاء.

وقال اللواء إن “الجانبين الإيراني والتركي أكدا خلال هذه اللقاءات أنه لو أُجري الاستفتاء فإنه سيشكل أساسا لبدء سلسلة من التوتّرات والصراعات داخل العراق تطال تداعياتُها دول الجوار أيضا”. وأشار إلى أن “هذه الزیارة، وعلى مستوى رئیس الأركان العامة للقوات المسلحة، لم تحدث منذ بدایة الثورة الإسلامیة، وقد جرت حالیا تلبیة لدعوة من المسؤولین الأتراك، وموافقة قائد الثورة الإسلامیة”. وأعلن أنه وجّه الدعوة إلى رئیس الأركان المشتركة للجیش التركي لزیارة طهران “لبحث مجالات التعـاون”.

ووصف اللواء باقري زیارته لتركيا بأنها “ناجحة جدا حیث أرست التعاون حول العدید من القضایا المهمّة، وخاصة منها العسكریة والدفاعیة والأمنية بین البلدین المهمّين في المنطقة”.

ترى هل يفهم “رفـاقنا” القـادة السياسيون في إقليم كردستان العراق أن عدو عدوي صديقي وصديق عدوي عدوي، وأن على العراقيين، سواء منهم من كان إيرانيَّ الهوى أو تركيَّهُ أو أميركيَّهُ أو إسـرائيليَّهُ، أن يفهمـوا أن المحتمـي بتـركيا أو بإيران أو بأميركـا أو بإسرائيل كالمستجير بنار من نار، وذئب من ذئب ثعبان بثعبان؟

وحين يقول رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني “إن مبادئ الشراكة في العراق قد انتهكت”، فإنه ورفاقه في القيادات الحزبية الكردستانية ينسون أن تلك المبادئ قد انتُهكت من أول تحالفهم مع قادة أحزاب الدين السياسي، قبل الغزو الأميركي وبعده، حين رفضوا فكرة الدولة الديمقراطية العلمانية العادلة العاقلة، واتفقوا على اقتسام الدولة العراقية، بأهلها وثرواتها، مناصفة بينهم وبين حلفائهم قادة الأحزاب الطائفية العراقية المولَّدة في إيران، حتى وهم يعرفون حق المعرفة بأنهم مخادعون وغدارون ومزوّرون ولصوص (مُستأجَرين يخربون ديارهم * ويُكافأون على الخراب رواتبا).

ويغيب عنه وعن رفاقه في القيادات السياسية الكردستانية أن حلفاءه الإسلاميين الذين انتهكوا مبادئ الشراكة، كما يقول، ليسوا أكثر من وكلاء ينفذون ما يرسم لهم وراء الحدود. وبالمناسبة، لقد تردد مؤخرا أن تركيا و إيران تنويان إغلاق المنافذ الحدودية مع إقليم كردستان.

ومن المؤكد أن يتعانق العراقيون، وكلاءُ الولي الفقيه ووكلاءُ الخليفة أردوغان، وينسون خلافاتهم، ليكونوا يدا واحدة أشدَّ في حصار الدولة البارزانية وشعبها من تركيا نفسها، ومن إيران ذاتها.

وإذا كانت قطر تمكنت بأموالها الطائلة من تخفيف متاعب إغلاق المنافذ والحدود وبالدعم الإيراني والتركي والروسي، فهل يملك البارزاني أموال تميم؟ وهل يتوقع، هو ومن معه من قادة الأحزاب الكردستانية، أن تهبّ إسرائيل لإعانته على الحصار؟ ثم هل سترسل جيشها لمقاتلة الحرس الثوري والحشد الشعبي والجيش التركي لفك الحصار؟

ثم كيف ظن بأن الإمبراطورية الإسلامية الإيرانية قد تتساهل معه في اقتطاع جزء هام من مستعمراتها؟

أفلا يستحق العراقيون، عربا وأكرادا، شيعة وسنة، من البارزاني وقادة الأحزاب الكردستانية صحوة ضمير، فيعترفون بأنهم مسؤولون، مناصفة مع حلفائهم الإسلاميين، عن إدخال الدببة والذئاب والأفاعي إلى كَرْمنا الذي هو كَرْمُ شعبهم الكردي أيضا، وهم غافلون؟

كاتب عراقي

إبراهيم الزبيدي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here