بعد مائة عام كيف ينظر الشعب الروسي الى ثورة لينين

ثورة لينين الاشتراكية التي حدثت في عام 1917 تلك الثورة التي غيرت وبدلت ورفعت وخفضت وأثرت وتأثرت في حياة الشعوب المختلفة واصبحت ملاذ وملجأ من لا ملاذ ولا ملجأ له واصبحت قائدة ورائدة للشعوب ومن يريد الحياة عليه ان يتجه نحوها ويدين بدينها وقامت ثورات وانقلابات ومظاهرات واحتجاجات في كل العالم ونشأت احزاب وتيارات وجمعيات في كل بلد من بلدان العالم سرية و علنية تدين بالولاء لهذه الثورة واختلف المؤيدين والمناصرين لها في ما بينهم وتقاتلوا وتصارعوا واحدهم كفر الآخر الا انهم لم يختلفوا معها بل كل واحد منهم يقول انا الاكثر تمسكا بقيمها والاكثر التزاما بطريقها والاول في فهمها
وهكذا اصبحت كعبة وعقيدة الثوار والمصلحين والمجددين في كل العالم
وأعتقدت هذه الشعوب وقواها المتقدمة جميعا اعتقاد راسخ انها الوسيلة الوحيدة للحياة الكريمة ولا وسيلة سواها فانتشرت في كل مكان وبشكل سريع حتى تمكنت ان تسطير على ثلث العالم والثلث الثاني على وشك السيطرة عليه اما الثلث الثالث فها قد بدأت الثورة فيه ولم ينته القرن العشرين الا والعالم كله يعيش في ظل النظام الاشتراكي هذا ما كان يعتقده وما يراه وما يؤمن به الكثير من مثقفي ورواد الاشتراكية ودعاتها وبشكل واضح لا يمكن الشك فيه
في الوقت الذي كنت اقرأ ما يطرحه مثقفي وقادة الاشتراكية حول الانتصارات الكبيرة للاشتراكية وانتصارها الحتمي الذي لاشك فيه طبعا كنت مؤمنا ومقرا بذلك لهذا لم اصدق اي كلام اي تنبؤ يعارض يخالف تلك الطروحات حتى اني سخرت من طروحات بعض المنجمين التي كانت تقول سيحدث انهيار كبير في المعسكر الاشتراكي وخاصة الاتحاد السوفيتي وقلت انها اشاعات تطرحها المخابرات الامريكية واعداء الأنظمة الاشتراكية
وسارت الايام ويحدث الانهيار المدوي لما يسمى بالمعسكر الاشتراكي حقا كان مفاجئة غير متوقعة بالنسبة للكثير من معتنقي مذهب الاشتراكية وكانت صدمة قوية جمدت عقولهم ومنعتها من الحركة والتفكير وهكذا صدق المنجمون وكذب المثقفون
لا اريد ان الوم ابناء روسيا وهم يرحبون بثورة لينين الاشتراكية في عام 1917 بفرح كبير لا يوصف بحيث افقدهم عقولهم حتى افقدهم السيطرة على تصرفاتهم من خلال هجومهم على قصر العائلة الحاكمة في مسيرات وذبحوهم جميعا هم ومن كان معهم
هذا ما حدث للعائلة الحاكمة في العراق بعد قيام ثورة تموز 1958 حيث خرجت الجماهير فرحة مستبشرة وهي تبحث عن قادة النظام السابق فقتلوهم وسحلوهم في الشوارع وعلقوا جثثهم
وبعد مائة عام على الثورة الروسية الثورة الاشتراكية يخرج ابناء روسيا ولكن في حالة حزن والم وندم للتكفير عن ذنوبهم لقتلهم العائلة الحاكمة
حيث خرجت الالوف من ابناء روسيا في مسيرة كبيرة اطلق عليها مسيرة الصليب في ذكرى تصفية العائلة القيصرية واقاموا
قداسا دينيا مهيبا وقررت الكنيسة ضم عائلة القياصرة الى قائمة القديسين
حتى انهم تجاهلوا ثورة لينين وأفراحها وأحتفالاتها خلال اكثر من 75 عاما وانشغلوا بمقتل العائلة االحاكمة في ذلك اليوم وكانوا في حالة ندم وحزن شديدين ولسان حالهم يقول ليتنا لم نقم بالثورة ولم نقتل العائلة الحاكمة
بل اخذوا ينظرون الى الثورة والى قائدها لينين انها مجرد صدفة ليس الا فلوا الشرطة منعت لينين في تلك الليلة من المرور لتغير وجه التاريخ لكن الشرطة رأت في لينين سكيرا مسكينا وتركته يمر بسهولة
ما هي العبر التي نأخذها من ما يسمى بالثورات قديما وحديثا وخاصة ثورة لينين الاشتراكية
الحياة تتقدم وتتطور الى الامام وتسموا الى الاعلى تدريجيا وفق وفق ظروف وآليات خاصة لا علاقة بالرافضين والمؤيدين لهذا التقدم والتطور
كما اثبتت ان الثورات الانقلابات انها تنقل المجتمع من حالة معينة الى حالة أخرى ولنقل ارقى لكن الخطأ القاتل لها ان قادة هذه الثورات والانقلابات هو فرض فهمها وقيمها بالقوة على الشعب وبالتالي تحدث الفوضى والفشل الذريع وهذا ما حدث في كل الثورات والانقلابات المؤدلجة في العالم قديما وحديثا سواء كانت ما تسمى بالرسالات السماوية او الارضية قديما وحديثا
كما اثبت ان الحياة لا يبنيها والانسان لا يسعده فكر واحد ايديولوجية واحدة حاكم واحد حزب واحد مهما كانت تلك الايديولجية وذلك الحاكم وذلك الحزب وانما الذي يبني الحياة ويسعد الانسان هو المحصلة النهائية لكل الافكار وكل الاراء في المجتمع في العالم
وهذا يتطلب فتح الباب لكل الاراء والافكار والتوجهات الانطلاق بحرية مطلقة وندع هذه الافكار تتفاعل تتلاقع مع بعضها ومن الطبيعي ستولد افكار جديدة نتيجة هذا التفاعل وهذا التلاقح وهذه الافكار الجديدة التي ولدت هي التي ستبني الحياة وهي التي ستسعد الانسان وهكذا
لهذا مهمة الانسان المحب للحياة والانسان ان لا يدع الافكار تتصارع فتصارع الافكار سبب تدمير الحياة وشقاء الانسان بل ندعها تتفاعل وتتلاقح
مهدي المولى

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here