رواية ( مقتل بائع الكتب ) تتحدث عن ازمة المثقف المحبط

رواية ( مقتل بائع الكتب ) تتحدث عن ازمة المثقف المحبط
دخلت الرواية العراقية في مرحلة جديدة , فتحت فيها افاق ومجالات , لم تكن مطروقة سابقاً في المتن الروائي . وهذا المدخل جديد , دخل مع دخول الغزاة المحتلين الامريكان , الذين عصفوا بالاوضاع العامة بهزات عنيفة بالفوضى والخراب , قلبت الاوضاع جذرياً نحو الاسوأ , نحو محطات الحطام العراقي والتفتت , الذي لم يشهد له مثيل من قبل . فقد احدثت هذه الاحداث , رجة عنيفة في الرواية العراقية , في الوضع الجديد , فأصبح المادة الانتاجية الاولى في الاعمال الروائية , في اكتشاف تشخصاته ورؤيته ومضامينه وتأثيره في تحطيم العراق , والتطرق لها من عدة اوجه وميادين , فكان انعكاس وقع الصدى في المعالجة والتعاطي والانعكاساته المدمرة , في الانفلات الامني والسياسي , وغياب دور الدولة كلياً . والتحكم في الشارع , القتلة والارهابيين والمجرمين , من الجماعات الدينية المتطرفة والطائفية والمليشيات والعصابات الجريمة الارهاب . مما جعلوا مصير المواطن , على كف عفريت مجنون , هذه مسارات الخراب والضياع , فقد برزت الرواية العراقية بالكم الهائل , صدى لهذه الاوضاع المأساوية , التي يتحكم بها القتل العشوائي , والسطو والاختطاف , والسرقات التي تحدث في وضح النهار , في غياب القوى الامنية , هذا الخراب الجديد الذي عصف في الوضع العراقي , تناولته بالاسهاب والتحليل , رواية ( مقتل بائع الكتب ) للكاتب الروائي ( سعد محمد رحيم ) . وتحدثت بعمق خرابه على الاوضاع العامة . في الخوف والفزع من الاقتناص بالقتل العشوائي , اضافة ان الرواية , في استرجاعاتها ( فلاش باك ) تناولت استقراء المراحل السياسية المتعاقبة في تاريخ العراق المعاصر . الذي حددته بالضبط بالاحداث الدامية في انقلاب البعث في شباط عام 1963 ,فقد فتحوا ابواب جهنم بحمامات الدماء والاعدامات بالجملة , وفتحوا السجون والمعتقلات لعشرات الالاف من المواطنين , وتحمل العبء الاكبر والاثقل والاصعب , اليسار العراقي الذي كان هدف لهذه التصفية الكلية , هدف الموت والسجن والتشرد . اضافة ان العراق منذ ذلك حين , وحتى الاحتلال الامريكي وما بعده , تتصاعد نسبة الهزات العنيفة والدموية , ومن الارهاب والمحاصرة السياسية الخانقة بالمحاصرة . هذه التحولات العاصفة , قادت الى تدمير البنية التحتية , الاجتماعية والسياسية . وتعمقت اكثر في الانقلاب الثاني للبعث عام 1968 , وختمها بالخراب الكلي , مجيء الغزو والاحتلال الامريكي , والاحداث العاصفة التي حدثت بعد الاحتلال , ولحد الآن , ولم يتوقف جريان الدم العراقي . هذه الاوضاع المعقدة , ثبطت عزيمة اليسار المثقف العراقي , بالاستلاب والانكسار , والانهيار الاحلام والاماني , في تحقيق غدٍ مشرقة للعراق , وزادت جراح اليسار بالتحطم المحبط . هو انهيار المعسكر الاشتراكي . وهذه الرواية ( مقتل بائع الكتب ) وبطلها ( محمود المرزوق ) . عاشر وعاصر هذه المراحل الدموية المتعاقبة , التي مرت في تاريخ العراق المعاصر . اي ما يناهز اكثر من الاربعين عاماً . منذ انقلاب البعث عام 1963 . فقد عاش الاحباط السياسي والعنف السياسي , والمطاردة والملاحقة والحصار . حتى اغتياله في شارع عام مزدحم بالناس في مدينة بعقوبة , وفي زمن الاحتلال الامريكي . اي اننا امام رواية فيها العنف السياسي , والحب , والاحداث العاصفة بالفوضى . ان الكاتب ( سعد محمد رحيم ) حشد كل الامكانيات والتقنيات في مسار المتن الروائي ومسار الحدث الروائي , بما فيها الاسلوب البوليسي , في التحري والتقصي , في عملية اغتيال بائع الكتب ( محمود المرزوق ) في ظروف غامضة وللاسباب المجهولة . كما وظف اسلوب اكثر من مدونة في المتن الروائي , من الرسائل والمراسلات المتبادلة , من المذكرات , فقد عثر على المذكرات القتيل , بعنوان مدونة ( يوميات الخراب العراقي ) , وهو يكتب مشاهداته اليومية من الخراب العاصف في ظل الاحتلال الامريكي , وكذلك الصور الفوتوغرافية , والى وسائل الاتصالات الهاتفية , الى شهادة النساء اللائي ارتبطن بعلاقة مع ( محمود المرزوق ) , الى الاستعانة بالشخصيات التي عاصرته في علاقتها عن قرب مع الضحية القتيل . لذلك كلف في المهمة , الصحفي ( ماجد بغدادي ) تحت اغراء الدفع المالي من شخصية ثرية . ان يقوم في تأليف كتاب عن السيرة الحياتية للقتيل ( محمود المرزوق ) وكذلك التحري والتقصي عن ظروف اغتياله الغامض , وهو رجل سبعيني يعاني من مشاكل صحية ويعيش في سرداب بناية عتيقة , عفن ومظلم في اكداس الكتب المبعثرة بالفوضى , وهذا المشروع الكتابي يكون تحت اشراف ومعاونة ( مصطفى كريم ) الذي يحضر ويهيء المستلزمات الضرورية للصحفي ( ماجد بغدادي ) حتى ينجز مشروعه الكتابي , بكتاب يطبع في ورق مصقول مدفوع الثمن من هذه الشخصية الثرية , كتاب السيرة الحياتية للقتل ( محمود المرزوق ) المثقف اليساري الماركسي , مهنته الرسم التشكيلي , وعشقه الولع للكتب والنساء والخمر
×× سيرة حياة محمود المرزوق بائع الكتب :
شباب في مقتبل العمر مغعم بالعنفوان والحيوية والاحلام اليسارية البراقة , لكنه غير ملتزم حزبياً . يتعرف على فتاة زميلته في الكلية ( غادة ) ويوعدها بالزواج , وتتم الخطوبة بموافقة عائلتها , وفي حمى تجهيزات ليوم الزواج الموعود , يحدث انقلاب شباط عام 1963 , ويسج في سجن قصر النهاية , كيساري خطير , ثم يرحل مع مئات السجناء العسكريين والسياسيين , يحشرون في قطار الموت , الكارثة المروعة , التي لولا فطنة وانسانية سائق قطار الموت ,لحدثت جريمة ومجزرة العصر بالموت والاختناق المئات من السجناء السياسيين . ثم انتهى بهم المطاف في ( نقرة السلمان ) . فقد دخلها وهو في عمر الخامس والعشرون , وخرخ منها وهو في الثلاثين من العمر . لكن لم يتوقف عهد الاضطهاد والارهاب والعنف السياسي , بعد مجيء سلطة البعث مجدداً في عام 1968 . في الملاحقات الامنية , حتى اضطر الى الاغتراب والخروج من العراق الى براغ ( جيكوسلوفاكيا سابقاً ) وتعرف هناك على فتاة روسية ( ناتاشا ) ولكن لسوء الحظ , كان يلاحقها الامن وزجها في السجن . وتتعرض الى معاملة قاسية بما فيها الاغتصاب الجنسي ثم الاعدام بعد ذلك , بسبب جريرة والدها المعدوم بتهمة المعاداة الاشتراكية , ولكن بعد سقوط النظام الاشتراكي , بحث عن ( ناتاشا ) وعرف بأنها حكم عليها بالاعدام . هذه العلاقة سببت له مضايقة من سلطات الامن , ونصحه بعض الاصدقاء بالهرب من براغ , قبل ان يقع في قبضة السلطات الامنية , ويزج في السجن والمصير المجهول , لذلك هرب الى باريس ( فرنسا ) وهناك من خلال مهنته بالرسم , تعرف على الموديل ( جانيت ) وارتبط بعلاقة حب معها . لكنه كان يشعر في داخل نفسه محطم ومكسور , وان احلامه اليسارية ذهبت ادراج الرياح . فكان يلوك الخيبة والقلق , حتى رجع الى العراق الى مدينته بعقوبة , وفتح مشروع مكتبة لبيع وشراء الكتب , لكن هذا المشروع فشل , في زمن الحصار والعزوف عن القراءة , وشراء الكتب . فأنتقل الى سرداب في بناية عتيقة , منحه عمه له , فكان السرداب يعج بفوضى الكتب المكدسة والرائحة العفنة وهو شبه مظلم , اتخذه مقراً لسكناه , واعتزل الحياة , حتى يوم اغتياله في شارع عام ووسط الناس , بمسدس كاتم الصوت , ومن تحريات الصحفي ( ماجد بغدادي ) ومن مصدر أمني , اخبره بأنه تم القبض على القاتل واعترف بجريمة قتل بائع الكتف , وهو لم يعرفه سابقاً , بل قام بعملية القتل , مقابل 300 دولار , ولكن المصيبة حسب المصدر الامني المذكور , بأن ( محمود المرزوق ) لم يكن مطلوباً وغير مدرج اسمه ضمن قائمة المستهدفين بالقتل , من المجموعات الارهابية والاجرامية , وانه قتل بالخطأ , لانه كان المستهدف شخص آخر , بالاغتيال المستهدف
جمعة عبدالله

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here