اصبحت الشعبوية آفة الشعب الكوردستاني

عماد علي
بعدما توفرت وسائل كثيرة بيد التنظيمات و حتى المواطن و اصبح لديه القدرة على ايصال صوته و رايه، و بعدما احتك مع كافة وسائل الاعلام و المنشورات بكل السبل، و بعدما استغلت التنظيمات و الاحزاب و المنظمات المدنية و الاشخاص هذه الوسائل المتوفرة لديهم لاغراض و اهداف خاصة اكثر من مما يمكن يفيدوا به المجتمع بشكل العام، و استغلوا الموجود لاغراض خاصة و هذا من سمات الانسان الطبيعية التي يتباهى دائما بنفسه و يقدره اكثر من غيره بشكل واخر من اجل الحصول على التاييد، و هنا دخل ما يهم الاخر المقابل في اللعبة، فاصبحت الشعبوية التي تهدف الى اقتاع الاخر بما يحتاجه هو من وسائل يمكن ان تعزف بها على وترالمقابل و يمكن ان يدخل في خانة التاييد لك دون اي وقفة او تفكير لما وراء تلك الادعاءات التي تهدف الى جمع اكبر عدد من التاييد و الموالين و المنتمين، اي مجرد لتنويم الاخر باداعاءت تهمه من اجل كسب تاييده فقط .
الان نسمع و نلمس ما يهتم به الحزب بشكل كبير في كوردستان من خلال قراءة الواقع و المصلحة من منظور هذا الداء و كيفية استغلال الموجود من الارضية و ماعليها من العقلية و الظروف الذاتية و الموضوعية للفرد في الحصول منه على ميلانه نحو المغرض من خلال التركيز على احتياجاته و مصالحه الشخصية الضيقة و ان كانت على حساب المصالح العامة . اصبحت الشعبوية بكل معناها و مستواها السلوك الصرف للجميع و منهم احزاب المعارضة و السلطة على حد سواء، و خوفا من الاصوات لا يمكنهم ان يعبروا خط الاصابة هذا الداء في مواقفهم و تصريحاتهم اليومية .
المشكلة العويصة هي عندما تتقاطع الشعبوية مع المصالح العامة من جهة و تحتك المصالح الخاصة و تتفاعل معها بعيدا عن المصالح و ما يهم العام . عندما تسمع رايا تقرا في مضامينه ما يعتبره المعبّر عن موقفه اهم و هو في اساسه لا يخرج من اعتبارات خاصة عندما يكون ملتزما بارضاء الاخر من خلال العزف على ما يفكر به و يخص حياته و معيشته فقط دون اي حساب للمجتمع و متطلباته بشكل عام .
هنا في كوردستان عديمة الدولة و الهائج على بحر متلاطم من المواقف المتقاطعة، ترى التصادمات الكبيرة بين انواع و اشكال من المصرحين من ما يعتبرون انفسهم مستقلين و هم في ظل الاحزاب و من الذين ارادوا بانفسهم ان يكونوا ضمن تنظيم حزبي بشكل و اخر سواء كان مباشرا او بغير مباشر من خلال الظل، و هذا له طرق كثيرة ايضا و منها اشرافه لمنظمة يمكن ان يدعي انها مدنية و لكنها سياسية تابعة لا تنتج غير الدعم لمن خلفها و هي في ظله. و هناك ايضا من المثقفين او المحسوبين عليهم الذين يحومون حول موقف من يؤمنون به سواء مبدئيا او مصلحة دون ان يكشفوا عن مبادئهم و انتمائاتهم لاغراض و اهداف شخصية و حزبية، سواء عملوا بتكليف من احزابهم او ما يعتبرونه هم بان العمل في الظل قد ينتج اكثر، نتيجة الاعتبار الذي يمكن ان يكسبوه من الشعب عند بيان استقلاليتهم .
كوردستان التي تعاني من كل الظلمات، كوردستان الوحيدة التي تئن تحت ثقل الفوضى و التشتت و التدخلات المتعددة نتيجة انعدام جدران و ابواب رسمية لكيانه في ظل معاناته التاريخية التي واجهت مع النكسات نتيجة عوامل خارجية و داخلية، فانها اليوم اكثر عرضة للمؤثرات الخارجية نتيجة امتدادات و عوامل انتجتها العولمة و قطعت و تجاوزت حدود البلدان المستقلة فكيف بكيان ليس له حدود اصلا و لا يتوفر فيه ما يمنع التاثير السلبي الذي ياتي في غير موقع و زمان و يضع عراقيل امام تحقيق اهداف و اماني مقدسة لدى شعب قدم الكثير من اجلها .
لابد ان لا ننظر الى حال الكورد في ظل العولمة و نعترف بما استفاد الكورد من ابعاد و افرازات العولمة من جوانب عديدة و منها انفتاح العالم عليه و الدخول في عقر الدار دون اذن مما كشف عما يعانيه على الملأ و لم يعد يختفي بعد اي شيء بحجة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدولة او تلك . الا انه من جانب اخر فان ما تفرضه العولمة ربما خارج ما يحتاجه الشعب الكوردي في هذه المرحلة، لتاخره عن مسيرة العالم سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا ايضا . فان قيّمنا الحال يمكن ان نقول اننا لسنا في مرحلة الفوضى السياسية فقط و انما الحالة الاجتماعية التي تاثرت بتداعيات و بابعاد العولمة جعلتنا ان نعتقد بان الوضع الاجتماعي دخل الفوضى من جانبه حتى واكثر من الجانب السياسي او الاقتصادي، و هذا ما يعرقل الاعتماد على الذات في توفير ما يمكن ان نهيء به الارضية المناسبة لتحقيق الاماني و الاهداف السامية .
من اكبر العوائق الداخلية التي اجبرت الجميع على التريث و التاني و عدم بيان الموقف المناسب في الوقت المناسب هو الحسابات الدقيقة الضرورية المطلوبة لكل تنظيم و شخصية لما تتطلبه الشعبية و ان كانت ورقية من خلال الشعبوية في السلوك و الشعارات و الصراعات و التناطحات المتتالية بين الجميع، و نحن نعيش في ظروف لا يمكن ان نجد مثيلا لها في اي بقعة من العالم . شعب عانى طوال العقود و لم يحقق مرامه و لم يتوصل الى حل و اقتناع بما هو فيه، انه تاثر بما ياتيه من خارج حدوده دون غربلة، يعيش بين الماضي و الحضر و تتعدد فيه الاجيال عمرا و عقلية،و تتصادم فيه العقليات و النظرات و الثقافات و الواردات من كل حدب و صوب .
اما الافة الكبرى التي تنخر كيانه السياسي هو الصراع الحزبي بالة الشعبوية من قبل كافة الجهات و بالاخص من الذي يعتبر نفسه معارضة و لم تتان لحظة في المشاركة في السلطة في حال توفرت لها فرصة هزيلة لتلك العملية، و اندفعت بتلهف نحو ملذات السلطة و اصطدمت لما عرقلتها من قبل الاخر من الحواجز السياسية التي لم تتوقعها . و اخر ما يتوفر امامها هو الشعبوية في السلوك و الادعاء لنيل مكانتها و العودة الى نقطة البدء و اعادة الثقة بالنفس و تكرار التلاحم مع الموالين و الاشخاص المعارضة من الشعب . و انها اي الشعبوية اصبحت وسيلة تعرقل السير الطبيعي للحياة السياسية في كوردستان نتجية الحسابات الدقيقة و الاعتبارات الكبيرة لها من قبل الجميع، و هذا ما يمنع كل طرف على التقدم بخطوات مطلوبة و صحيحة والتي تكون من مصلحة الشعب نفسه . فاصبحت الشعبوية آفة العصر في كوردستان اكثر من غيرها، و ليس لدى الاحزاب و التنظيمات و المنظمات المدنية و الشخصيات السياسية فقط و انما حتى لدى المثقفين و الاكاديميين و المهنيين الذين لهم النية في تحقيق اهداف عامة يحتاجون فيها الى رصيد شعبي و قوة دفع مجتمعية .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here