كرة الإستفتاء ليست في الملعب

صبحي ساله يي
عملية تحرير العراق من قبل أمريكا والدول المتحالفة معها في العام 2003، وضعت تركيا أمام موقف صعب، لأنها أولاً، لم تشارك في تلك العملية ولم تسمح للقوات الأمريكية بإستخدام أراضيها، وثانياً، أصبح الكورد طرفاً رئيسياً فاعلاً في العملية السياسية العراقية وفي كافة المؤسسات التي تشكلت بعد ذلك، وشارك في كتابة الدستور الذي أقر مبدأ الفدرالية التي يمكن أن تكون تمهيداً للاستقلال وتكوين الدولة المستقلة.

على ضوء الواقع الجديد والمتغيرات والأحداث في المنطقة، خاصة بعد تسليم العراق على طبق من الذهب الى الشيعة الموالين لإيران، حاولت تركيا التكيف مع المستجدات وإعادة صياغة سياساتها وتحسين علاقاتها بالولايات المتحدة، من جهة واتباع سياسة متوازنة تجاه العراق وتحسين علاقاتها مع الكورد من جهة أخرى. فإعتمدت سياسة مغايرة بشأن التعامل مع الكورد تستند على تغيير لهجتها المتشددة تجاههم، والتباحث الدبلوماسي والتعاون وفتح أطر الشراكة مع حكومة إقليم كوردستان، وهذا التعامل إعتبر في حينه بمثابة الإعتراف والإقرار بوجود جار لابد من احترامه والتعامل معه.

في المقابل تعاملت رئاسة وحكومة الإقليم، مع معظم الأمور بمرونة وحكمة وتأن، وحسابات بعيدة المدى، وخاصة فيما يتعلق بالنهضة الاقتصادية والعمرانية والصناعية، والأمن والسلم الداخلي والإقليمي، والدبلوماسية التي قادها السيد نيجيرفان بارزاني أتت ثمارها في الكثير من الإشكاليات وبالذات مع تركيا إيران، وقد لمسنا ذلك أكثر من مرة أثناء تأزم العلاقات بين تركيا والإقليم، وإيران والإقليم، وكيفية معالجتها بهدوء وتأني وإيمان راسخ بالمصالح العليا قبل القيام بأي عمل غير محسوب النتائج. أما الاستقرار الأمني، وتشريع القوانين الخاصة بالإستثمار من قبل برلمان كوردستان، فقد ساعدا على جذب الاستثمارات الأجنبية والشركات التركية والعالمية إلى الإقليم.التي ساهمت في النمو الاقتصادي.

أول اتصال رسمي على مستوى عال بين المسؤولين الأتراك والكورد، كان في أواخر عام 2008، حين التقى المبعوث الرسمي لتركيا إلى العراق مراد أوزجلك ومستشار أردوغان الرئيسي للسياسة الخارجية أحمد داوود أوغلو مع الرئيس مسعود بارزاني في بغداد. وأصبح ذلك الإتصال بداية لسلسلة من الاتصالات الرسمية مع حكومة إقليم كوردستان أدت إلى تحسن كبير في العلاقات المتعددة الأبعاد بين أنقرة وأربيل, في المجالات الديبلوماسية والاقتصادية والثقافية. وقد فتحت تركيا قنصليتها في أربيل عام 2011 وازدهرت تجارة تركيا النفطية مع الاقليم. وفي أيار 2012 توصلت تركيا وحكومة الإقليم لاتفاق لبناء خط لنقل الغاز، وخطين لنقل النفط مباشرة من كوردستان الى تركيا، وفي أواخر ذات العام وقعت أنقرة وأربيل اتفاقية مهمة حول الطاقة، بعدها بدأ النفط الخام الكوردستاني يتدفق نحو ميناء جيهان والأسواق الغربية. كما منحت حكومة الإقليم عدة شركات تركية تراخيص استكشاف النفط واستيراد الغاز الطبيعي ومد خط أنابيب غاز إلى تركيا .

تلك الصفقات أشارت لتحول كبير في سياسة تركيا تجاه حكومة الإقليم وشعب كوردستان. وزيارة الرئيس مسعود بارزاني نهاية عام 2013 لآمد، وهو يرتدي الملابس الكوردية وإلقاءه كلمة بالكوردية، وبجانبه يقف الرئيس اردوغان الذي لفظ كلمة كوردستان على الملأ للمرة الأولى، عكست تحولا في العلاقات الثنائية بين الجانبين. وكذلك الحال بالنسبة لزيارة الرئيس بارزاني الى أنقرة وأسطنبول ورفع علم كوردستان هناك، والزيارات المتكررة لرئيس حكومة الإقليم الى تركيا وزيارات المسؤولين الأتراك الى أربيل.

الآن هناك مسيرة كوردستانية نحو الإستفتاء بشأن تقرير المصير، وباتت جزءاً من الثوابت في السياسة التي يتبعها الكورد، وهناك تعويل على تركيا لمنع هذا الإستفتاء أو تأجيله، ولكن الواضح، رغم التصريحات الروتينية والدبلوماسية في الإعلام، أن أنقرة، ومن خلال ما قاله السيد مولود جاوش اوغلوا للصحفيين، قبل أيام في أربيل، لاتريد ممارسة أي ضغط، ولاتفكر بإغلاق الحدود مع كوردستان في حالة إجراء الإستفتاء، لعلمها أولاً، بأن كرة الإستفتاء ليست في الساحة لتركل أو ترمى الى ساحة الآخرين، وبالتالي إنها لاتستطيع منع إجراءه، وثانياً، تأكدها من أنه سيجرى في موعده المحدد ولايتم تأجيله إلا بضمانات أمريكية ودولية، وثالثاً، بأن الإستفتاء حق طبيعي وديمقراطي لشعب كوردستان، ورابعاً، لايشكل خطراً على تركيا، أو تهديداً لأية دولة أخرى، وخامساً، تعتبره حلاً للمشكلات وإستجابة ملحة لحاجة وطنية تمهد للخروج من حالة اليأس والاحباط التي يعيشها الكوردستانيون جراء حرمانهم من حقوقهم، ويوفر لهم الحياة الحرة الكريمة، وسادساً، تراعى مصالحها الإقتصادية الكبيرة في كوردستان وكذلك الثوابت الجيوسياسية والاستراتيجية المهمة. وسابعاً، تدرك أن حقوق التركمان ستكون مضمونة في حالة تشكيل الدولة الكوردستانة. وثامناً، إنها متيقنة من تشكيل الدولة الكوردستانية، لذلك تريد أن تكون علاقاتها معها مختلفة عن علاقاتها مع بقية الدول المجاورة لها. وتاسعاً، أن امريكا الموجودة بقوة في المنطقة لم تعارضه حتى الان بشكل علني وبالتالي لاتعارض قيام الدولة الكوردستانية، وعاشراً، لم يعد هناك ما يسمى بالعراق الواحد، وان خريطة العراق لم تعد لها وجود، وتفهم ان سياسة الحفاظ على عراق موحد قد انتهت، وأخيراً، أن الخطاب الكوردي بشأن الإستفتاء، يعتبر حلقة في تسلسل منطقي يربط بين الماضي الأليم قبل 2003 والحاضر البائس 2003-2017، خصوصاً مع حكومتي نوري المالكي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here