كيف تبوأت الجامعات السعودية مراتب عالية في تصنيف شنغهاي لأحسن 500 جامعة عالمية؟

أ.د. محمد الربيعي

في عام 2008، لم تكن جامعة واحدة في المملكة العربية السعودية في قائمة أفضل 500 جامعة في تصنيف شنغهاي الأكاديمي للجامعات العالمية (ARWU) . ومع ذلك، في عام 2011 أي بعد ثلاث سنوات فقط قفزت جامعة الملك سعود إلى مستوى 200-300 لأفضل الجامعات تبعها في ذلك عدد من الجامعات السعودية. اليوم تتصدر أربعة جامعات هي جامعة الملك عبد العزيز، وجامعة الملك سعود، وجامعة الملك عبد الله، وجامعة الملك فهد، في قائمة افضل 400 جامعة عالمية للبحث العلمي حسب تصنيف شنغهاي. 

القصة الحقيقية في هذا التميز لا تعود الى زيادة البحث العلمي وتحسن جودته في هذه الجامعات، بل ان السبب الرئيسي وراء هذه القفزة المثيرة للإعجاب يعود الى العقود المغرية التي قدمتها هذه الجامعات الى أساتذة دوليين مشهورين ببحوثهم العالية الاستشهاد (number of citations)، وما كان على هؤلاء الاساتذة إلا قضاء بضعة أسابيع في المملكة كل عام، وان يذكروا اسم الجامعة على أساس الانتماء الثاني لأسمائهم في قائمة معهد المعلومات العلمية (ISI) لاستشهاد الباحثين في العالم. 

ساعد ذلك الاجراء على ارتقاء هذه الجامعات بسرعة كبيرة في التصنيف العالمي والحصول على دفعة كبيرة من الاستشهادات، على الرغم من أن معظم البحوث لم تجر في المملكة العربية السعودية، وليس لها علاقة بالجامعات السعودية. وبرغم من أن ذلك قد يثبط الجهود الحقيقية التي يمكن ان تبذلها الدولة لتعزيز أبحاثها ومكانتها العلمية الدولية، إلا أن المؤيدين يقولون بأنه لا يوجد شيء غير أخلاقي بشأن الأنشطة التي تقوم بها هذه الجامعات حيث أن الجامعات يمكنها أن تشتري السمعة متى ما شاءت إذا توفرت لها الاموال. 

هناك شكوك حول إمكانية السعودية (ومثلها الدول العربية الأخرى)، من بناء قاعدة وطنية رصينة للعلم والتكنولوجيا، وذلك بسبب غلبة نهج التلقين والحفظ في المدارس والجامعات على نهج التفكير النقدي والذي يعتبر أساس الابتكار والابداع وبدونه لا يمكن لأي بلد من التصدر بحثيا حتى في ظل تخصيصات هائلة لقطاع التعليم ولدعم البحث العلمي. كما انه لا يمكن للبحث العلمي ان يتطور من مجرد ممارسة تقليدية ونقل أفكار (او ما يسمى بالتخديش السطحي) الى ابداع وابتكار (Innovation and Creativity) مؤديا الى مساهمات حقيقية للتطور العلمي العالمي في ظل ظلامية دينية وقمع للحقوق المدنية الإنسانية ومن دون توفير الحريات الاكاديمية على مثل ما هو متوفر في الجامعات الغربية. من السهولة نسبيا عند توفر الأموال انتاج بحوث قيمة كمثل انتاج البضائع الجيدة، ولكنه ليس من السهولة تحويل البحوث الى ابتكارات واكتشافات رائدة.

ويبدو ان الاجراء نجح لدرجة كبيرة فقد وقع أكثر من 60 أكاديميا دوليا عقوداً مع جامعة الملك عبد العزيز وحدها. ويقر احد الأساتذة الأمريكيين وهو سورندر جاين، أستاذ الرياضيات المتقاعد من جامعة أوهايو، والذي يعمل كمستشار لجامعة الملك عبد العزيز، بأن رفع مكانة الجامعة دوليا هو أحد الأهداف الرئيسية لهذه العقود، الا ان الجامعة تأمل أيضا في أن تساعد مثل هذه الشهرة الدولية في تشجيع البحث العلمي في السعودية، وفي اجتذاب عدد من الباحثين البارزين من جميع انحاء العالم للعمل كتدريسيين وباحثين بدوام كامل.  في الوقت الحاضر لا احد ينكر تقدم الجامعات السعودية الأكاديمي، ولكن لكي تصل جامعة الى القمة في تصنيف يعتمد بالأساس على قوة البحث العلمي تحتاج هذه الجامعة الى عقول علمية جبارة، وهذا ما لا تملكه ذاتيا (او تملك كفاية منه) الجامعات السعودية ، بل تملك القوة المالية لشرائها.

السؤال المطروح هو هل تعتقد أن إجراءات الجامعات السعودية لرفع درجاتها في التصنيفات الدولية ولتشجيع البحث العلمي مقبولة؟ وهل يمكن للجامعات العراقية ان تتخذ إجراءات مماثلة خصوصا انها قد لا تضطر الى تخصيص أموال هائلة لوجود علماء عراقيين متميزين في الخارج لا يسعون وراء الأموال يمكن تعينهم كمستشارين للجامعات، ويمكنهم من مساعدة هذه الجامعات بحق في تحسين مستوياتها العلمية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here