فلسفة نظرية التطور لداروين ! (*)

فلسفة نظرية التطور ؟ (*) بقلم د. رضا العطار

اكبر ما يعيق التفكير المثمر والرأي المدروس ان تكون هناك عقيدة مألوفة اوعادة اجتماعية يمارسها الناس. لأن العادة التي تنشأ عليها ذهنية أم اجتماعية، تحول بيننا وبين رؤية الحقائق كما تمنعنا من الأنتقاد لما هو قائم بيننا.

وكثيرا ما نقرأ مؤلفات فلاسفة الاغريق وفقهاء الدين في المسيحية والاسلام واليهودية فنجد العقول الناضجة والآراء السديدة، ثم نعجب بعد ذلك لأنه لم يعارض مثلا واحدا منهم ولو بالنقد العابر هذه النخاسة التي كانت تحيط بالمجتمع، حين كان يباع الصبي والرجل والمرأة كما تباع البهائم. وقد نزهي نحن برقينا على اسلافنا في هذه الناحية ولكن يجب الاّ نتناسى انهم كانوا معذورين، لأنهم نشأوا على هذه العقيدة او العادة ومارسوها او رأوا غيرهم يمارسها فلم يستطيعوا التغلب على عواقب الأقتناء التي اوجدتها النخاسة. والعقيدة تحدث عاطفة تزعجنا بل تؤلمنا مخالفتها.

وعندما نتأمل نظرية تطور الأحياء لداروين التي جاء بها سنة 1859 وشواهدها التي لا تحصى، نعجب لتأخر الجماهير المثقفة في اعتناقها كما نعجب ايضا لأن احدا من الفلاسفة لم يقل بها الاّ منذ اقل من قرن. وعندنا ان مرجع ذلك هو الايمان بالعقيدة الدينية التي تقول بان الاحياء قد خلقت، كل حي مستقل في خلقه عن الآخر. فإن هذه العقيدة حالت دون التفكير في التطور كما حالت عادة النخاسة واستخدام العبيد والاماء دون التفكير في كرامة الانسان واحترام حريته.

وقد اصبحت نظرية التطور بعض عاداتنا الذهنية، وقد نقلناها من الاحياء الى المواد والعناصر والى المجتمعات والنظم السياسية والاقتصادية بل نحن نحس الحاجة لان يعم التطور البيولوجي جميع البشر حتى يتغيروا الى احسن وارقى مما هم عليه، ونحن بهذه النظرية نرى هذا الكون كله بعين جديدة اذ نعرف انه صائر متحرك وليس كائنا جامدا.

وقد تعلمنا من السيكولوجية ان من اعظم ما يؤذينا في سلوكنا الاجتماعي وتصرفنا الشخصي هو هذه العواطف التي ورثناها من اسلافنا حين كنا في اطوار بهيمية نحتاج اليها. فنحن ما زلنا نغضب ونغار ونخاف ونقسو ونشتهي ونتشكك. وهذه العواطف الضارة تلغى عقولنا احيانا وتعذبنا وهي لا تختلف من الاظافر التي تنمو بلا حاجة لنا بها الى النمو. ولكننا نقلم اظافرنا ولا نستعز بنموها.

اما العواطف فلا سلطان لنا عليها سوى سلطان العقل وهو لا يزال في بدايته لم يسد السيادة التامة. ومن هنا الامراض النفسية اذ هي جميعها امراض العواطف التي لا تزال عالقة بنا بعد ان ادت مهمتها وكان يجب ان تموت. وعندما نتأمل اعضاءنا الخاصة بالعواطف نجد انها لا تزال كماهي، لم تتقلص او تنضمر، فنحن من حيث الجهاز العاطفي لا نختلف عن الحيوانات الا ّ من حيث ان لنا جهازا آخر هو الدماغ الكبير.
ولذلك يغمرنا الجنون حين نغضب او نخاف او نتشكك او نشتهي الجنس الأخر.

ولو ان هذا الجهاز العاطفي كان قد تقلص او ضمُر كما هو الشأن في الزائدة الدودية التي كانت قبل ملايين السنين امعاء كبيرة خاصة بالحيوانات آكلة الحشائش التي يحتاج هضمها مدة طويلة، ثم اصبحت اصغر من اصبع، ولو ان جهازنا العاطفي كان قد انضمر مثل هذه الزائدة لكنا سعداء بعقولنا، لا نغضب او نخاف، كما هي حالنا الان.

ونحن ما زلنا حيوانات نفسا وجسما بهذا الجهاز العاطفي. ولذلك اصاب العالم النفسي فرويد حين قال: ( ان كل منا يتألف من ثلاث ذوات حيوانية، نجوع بها ونشتهي الأنثى ونغضب ). ثم بالأضافة الى ذلك لنا الذات الاجتماعية التي نراعي بها العادات المألوفة ثم الذات العليا التي يحتويها ضميرنا والتي نسمو بها. لكننا سائرون نحو الزيادة الدماغية. فإن كلمات اللغة و التوسع اللغوي في المعاني الجديدة كل هذا جدير بأن يزيد خلايا الدماغ في المستقبل ويزيد بذلك فهمنا وتسلطنا على عواطفنا الضارة.

وقد عرف هتلر قيمة التطور وعمل به ولكنه آذى اليهود، اذ كان يحمل لهم في نفسه بغضا جنونيا، كما انه كان مجنونا حين وضع السلالة الالمانية فوق السلالات البشرية كلها. فبنزعته المدمرة، أساء الى الانسان بمثل ما اساء اليه الامريكيون بقنبلتهم الذرية.

ولن يقتصر التطور على الجوانب الايجابية لخير الانسان فحسب انما يمكن ان يشمل الحيوان والنبات كذلك. بل الواقع ان الانسان عمل كثيرا في تغييرهما لخدمته، فإن البقرة مثلا هي جهاز حي لتحويل العلف الى لبن، والكلب يفيد الانسان في مجالات شتى الى جانب انه في البيت خير مؤنس للأطفال، والقط قد اصبح بعض الأثاث في منازلنا، اما الفرس فقد احلناه الى تحفة من الجمال والى حيوان للجر ثم وسيلة لسباق الرياضة.
هذا هو بعض ما تعلمناه من نظرية التطور.
الحلقة التالية في الاسبوع القادم !
* مقتبس من كتاب نظرية التطور واصل الانسان لسلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here