احكام لا تردع الفاسدين

ماجد زيدان

طعنت هيأة النزاهة بقرار محكمة الجنح المتخصصة بقضايا النزاهة والجريمة الاقتصادية وغسيل الأموال الذي قضى بالحبس البسيط لمدة ستة اشهر, مع ايقاف التنفيذ وبغرامة مالية قدرها 100مليون دينار على المدير المفوض لااحد المصارف .

الحكم والطعن يثيران الإرتياح, ولكن الحكم ليس بمستوى الجريمة, فالمدان حول مبلغ أكثر من 2,5ترليون دينار الى خارج البلد لغرض إدخال بضائع من دون تقديم تصريح يؤيد دخول البضائع الى البلد لقاء المبالغ المحولة, وهو شرط الإشتراك في مزاد العملة. أي ان الجريمة غسيل أموال وتهريب العملة الصعبة الى خارج البلاد..

المفارقة ان أحد المواطنين في كركوك سرق علبة حليب لإطعام طفله الجائع أعتبرت جريمة وحكم عليه بالسجن عدة سنوات, وفي وقتها أُثيرت الضجة على قساوة الحكم قيل أن الجريمة جريمة بغض النظر عن حجم المبلغ والضرر.

من الواضح ان الحكم لا يتناسب مع الفعلة الشنيعة والضرر الذي الحق بالاقتصاد الوطني. ولا شك في ان الجاني يعرف ذلك, فهو المدير المفوض لأحد المصارف الأهلية, يعلم خطورة ما اقدم عليه. ولكنه لم يخش العقوبة لأنه قادر على تسوية أموره ، وليس حاله مثل حال المواطن البسيط الذي أراد ان يطعم طفله الرضيع ولم يجد سبيلاً غير أن تمتد يده الى علب الحليب.

الواقع ان مثل هذه الأحكام لا تساعد على الردع ومكافحة الفساد والانتهاء من هذه الظاهرة, فمثل هذه الأحكام مثيرة للسخرية, بل ان مقترفي الجرائم على استعداد لارتكاب جرائمهم والذهاب الى المحاكم بأنفسهم لقضاء هذه النزهة من الأحكام, وربما مثلهم لا يقضي منها يوماً واحداً وراء القضبان, وانما سيخلصون محكوميتهم في بيوتهم أو في سجون خمس نجوم يتوفر فيها كل شيء.

هذه ليست المرة الأولى التي نسمع فيها بمثل هذه الأحكام على كبار المسؤولين الفاسدين في الدولة, فقد سبق ذلك الحكم على محافظ صلاح الدين وعلى مدير الخطوط الجوية وغيرهما بأحكام اعتبرها الناس “زلاطة”, انها أحكام تشجع على ارتكاب الجريمة وتكرارها, ولا تردع أحداً, ولا تجعله يفكر لحظة واحدة بالفعل المدان.

ان تفاقم ظاهرة الفساد في البلاد بين كبار المسؤولين والمجتمع لا يمكن الحد منها الا بتشديد الأحكام, وعتبنا على القضاء الذي ينبغي ان يحكم بأقصى العقوبات, والا ستفسر احكامه بالشكوك في نزاهتها وتغلفها الريبة والظنون.

تغيرت, الأسابيع الماضية, نظرة الناس الى القضاء على علة احكامه المتهاونة بحق الفاسدين, وأيقضت شعوراً بالأمل ان يبدأ الحكم بمرحلة جديدة في مكافحة الفساد لإيقاف تدمير البلد ونهب ثرواته جهاراً نهاراً.

وهذا الشعور ليس راسخاً فما تزال أوساط واسعة من الناس تنظر الى هذه الموجة من الأحكام على انها مؤقته وتجري تسويات لبعضها ولم تصل في عمقها الى النخب السياسية من الصف الأول في الأحزاب والإدارة, ويتوقعون بعد ان تسكت الحكومة الناس ستتراجع عنها, بتقديم بعض أكباش الفداء لتحسين سمعة الدولة العراقية على الصعيدين الداخلي والخارجي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here