بين عكد الاكراد وباب الشيخ

بقلم: علي الشيخ مصطفى
حسنا فعل مكتب السيد وكيل وزارة الثقافة والسياحة والآثار فوزي اتروشي باصدار تقرير تطرق الى محاضرة القيت عن محلة باب الشيخ العريقة وسط بغداد ولااعلم هل ان تلك المحاضرة ركزت فقط على ضريح الشيخ الجليل عبد القادر الكيلاني، الذي نكن له جميعا من كورد وعرب وسنة وشيعة وغير مسلمين ايضا كل التقدير والاحترام، او ان التقرير الخبري الصادر عن مكتب العلاقات والاعلام بالوزارة الموقرة هو الذي ركز فقط على الملف المذكور.
بالفعل ان الشيخ الكيلاني يستحق هذه الالتفاتة بل واكثر. واذكر في صغري عندما كنت اتوجه الى مدرستي (المدرسة الفيلية الابتدائية) كنت اتعمد المرور بالصحن الشريف التابع لضريح الشيخ الكيلاني وارى افواجا من الفقراء من جنسيات مختلفة وقد افترشوا ارض الصحن الشريف. لم اسأل نفسي آنذاك وانا في ذلك العمر عن سبب تواجد هؤلاء الجموع او افتراشهم للارض هناك. وفيما بعد تأملت في هذا الموضوع وعلمت ان محسنين من ابناء وشيوخ محلة باب الشيخ كانوا ايضا يتبرعون لاطعام هؤلاء الناس الذين جلهم كانوا يقدمون الى هناك من الهند وباكستان وفيما بعد من بنغلادش. وبعض هؤلاء ممن كانت اوضاعهم المالية تسمح بذلك كانوا يسـتاجرون غرفا او ربما بيوتا داخل محلة عكد الاكراد التي كانت مجاورة او ربما تابعة اداريا لمحلة باب الشيخ.
كما ان وافدين من بلاد الخارج وبالاخص من افغانستان وايران كانوا يقيمون في محلة عكد الاكراد بل ان شقيقين من افغانستان كانا يديران فرنا للخبز العراقي وكانا في بداية عهدهما يقيمان في الحسينية الصغيرة التي كان يديرها والدي المرحوم (الشيخ مصطفى) حتى تمكنا من الاستقلال (ماديا) والاعتماد على نفسيهما فتركا الحسينية ولكنهما عادا اليها في خضم الاحداث التي رافقت انقلاب 14 رمضان 1963 واذكر انه خلال تلك الاحداث كثرت حوادث اعتداء من قبل (الحرس القومي) على الوافدين بل وعلى المواطنين عموما. ولااعلم فيما بعد مصير هذين الاخوين : على الارجح انهما طردا من العراق او انهما فضلا العودة الى بلادهما قبل ان تقدم السلطات على ابعادهما.
واتذكر ايضا ان والدي كان يوعز الى امي تحضير صينية تتضمن وجبة عشاء ونقلها الى اسرة هندية كانت قد سكنت في الدربونة قبالة الحسينية الصغيرة. وكانت مثل هذه الصواني تذهب ايضا الى كل عائلة فقيرة في المحلة بالاضافة الى شخص معوق كان اسمة على ما اظن “اسرافيل” كان وحيد لا من عائلة او اولاد بل يقيم في دكان صغير اتخذ منه منزلا.
في الحقيقة لااتذكر وجود كنيسة او كنيس في محلتنا او في باب الشيخ كلها بل اذكر انه الى جانب ضريح الشيخ عبد القادر كانت هناك حسينية صارت تنعت بـ”الصغيرة” بعد ان شُيد جامع الاحمدي (او حسينية الاحمدي)وكان والدي المرحوم الشيخ مصطفى امام وخطيب هذا الجامع ويقوم ايضا بادارته وادارة الحسينية ايضا.
كان الجامع مكانا لصلاة الجماعة وخطبة الجمعة وصلوات الاعياد اما الحسينية فكان مقرا لتجمع وجهاء المحلة كل ليلة يتسامرون ويتحدثون في شؤون الدين والدنيا وكانت هذه الامسيات تحمل رونقا خاصا لاسيما في ليالي الشتاء الباردة حيث كانت “المنقلة” واستكانات الشاي تبث الدفء في نفوس الحاضرين. وكان يحضر هذه الامسيات مختار المحلة ايضا بالاضافة الى تجار اكراد كانوا قد سكنوا عكد الاكراد قبل انتقالهم الى قصورهم وبيوتهم العامرة في مناطق اخرى من بغداد.

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here