الإنفعالية السائدة والعقل العربي المهزوم!!

الواقع العربي إنفعالي الطباع والسلوك ولا يمكن للعقل أن يجد دورا وتأثيرا فيه , والمصيبة الكبرى أن مؤججات الإنفعالية تتراكم وتتفاقم , ومعززات العقل تتناقص وتغيب , وتلك محنة العرب الجوهرية التي تساهم في تنمية الإنكسارات وإستلطاف الخيبات والقهريات , والتغني بالمظلوميات والحرمانيات وغيرها من السلبيات والإنكسارات.
ليس ما تقدم حكما مُسبقا أو رميا بسوء , وإنما واقع مرير تعيشه الأجيال وما وجدت لها منه مخرجا , فوصلت بها الأحوال إلى ما هي عليه اليوم من السعي إلى الهروب والهُجران , للتخلص من محنة الموت في الأوطان المعبأة بالعدوان.
والمشكلة أن المجتمعات تمر بسورات إنفعالية ينتفي فيها العقل وتتسيد أمَارات السوء , ولكن وقتها معلوم ولا يدوم , كما هو دائم ودائب في المجتمع العربي , فالمجتمعات الأوربية وغيرها مرّت بفترات زمنية ذات نزعات إنفعالية هوجاء , لكنها هدأت وعادت إلى صوابها وأبصرت طريقها , أما المجتمع العربي فأنه في دوامة مفرغة من الإنفعالات التي محقت العقل وأبعدته عن الواقع والحياة , وجعلت الأجيال تتوارد إلى أجيج ونيران وتتمتع بسلوك الإنحطاب , والغياب اللذيذ في كهوف الضلال والبهتان الخصيب.
هذه العلة المريرة أسهمت فيها قوى خارجية وفقا لمنطوق مصالحها ومشاريعها , وقوى إقليمية , والأهم من ذلك قوى داخلية عربية , قررت أن تكون كرات تركلها أقدام القوى الأخرى وتضعها في المرمى الذي تريد , فتحقق بواسطتها أهدافها , وتمرر مشاريعها , بخسائر قليلة جدا.
فالعاطفة يؤججها العرب وخصوصا الإعلام الممول والأقلام التي تكتب بمداد مَن يدفع أكثر , ويرعاها الجهل وسياسات التخويف والترعيب العاصفة في المجتمع العربي , الذي يعيش حالات طوارئ منذ عدة قرون , وما رفعت عنه هذه الحالات وإنما تواصلت وتعاظمت , كما نشهده في العديد من الدول العربية التي تقف على أطراف أصابعها وهي على شفا حفرة من النار أو فيها.
وفي خضم المكتوب الإنفعالي لا يمكن للمكتوب العقلي أن يجد له موضعا أو مَن ينتبه إليه ويدركه ويعمل بموجبه , فالطائفية هي القانون والوطنية أصبحت هذيانا وتخريفات على سطور , فلا بد من الكتابة بحبر الإنفعال لكي ينتشر المقال ويساهم في صب الزيت على النيران , وإتساع مساحة الحريق والتدمير والتهجير والثبور والخسران الأثيم.
وما دامت الأقلام تدوسها أقدام الكراسي وعجلات المآسي , فأن المجتمع العربي يتدحرج على سفوح منحدرات حادة , ستأخذه إلى إمبراطوريات أبي لهب وكل واحد من حوله حمّال حطب!!
عاشت العواطف والطوائف ورحم الله العرب , فكأنهم لا يبصرون كيف بأندلسٍ دقت أجراس عطب؟!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here