البارازاني والدولة القومية

لم يعد مشروع الدولة القومية والمواطن القومي ذات أهمية في عالم اليوم ، فقد ولى زمن الدول القومية والشعارات القومية خصوصا بعد انتشار ثقافة العولمة والمواطن الكوني ، فالتعددية الثقافية والعرقية من ابرز ملامح عصرنا الحالي ، فليس هناك دولة وحيدة العرق او الثقافة من بين الـ 230 دولة في العالم، فكل الدول المتحضرة تتعايش فيها جميع القوميات والأديان والأعراق. من هنا جائت فكرة الوطن الكوني . لذا ما يعزف عليه السيد مسعود بارزاني في مسألة الاستفتاء لا يعدو كونه ورقة ضغط يريد استخدامها ضد خصومه السياسيين في داخل الاقليم وكذلك على الحكومة في بغداد، وهو يعلم علم اليقين ان الاستفتاء من طرف واحد لا يمكن ان يحقق أهداف الكورد ، كما ان عملية تقرير المصير والتي هي حق شعوب العالم اجمع لا يمكن ان تتحول الى واقع مادام هناك شرعية داخلية ودولية وإقليمية ناقصة، فالاستفتاء الذي سيطرحه السيد مسعود البارزاني في الخامس والعشرين من الشهر القادم وحشد له الشارع الكوردي لم يكن سوى عملية هروب الى الامام ، فقد عودنا رئيس الاقليم المنتهية صلاحيته في حل مشاكله الداخلية باللجوء الى العزف على الوتر القومي الحساس بالنسبة لشعب كردستان .

لكن السيد البارزاني تعترضه الكثير من المعوقات سواء كانت على الصعيد الداخلي او الدولي .

فعلى الصعيد الداخلي هناك معارضة شعبية علنية وغير علنية . فكثير من الاحزاب تتخوف من الاستفتاء كونه يكرس سلطة البارزاني وديكتاتوريته العائلية ، لكنها لا يمكنها الحديث عن ذلك فقد وضعها السيد مسعود في زاوية حرجة لا يمكنها رفض الاستفتاء خوفا من فقدان قواعدها الجماهيرية ، لذا سايرت البارزاني في هذه العملية ، لكنها في الوقت نفسه تحدثت عن ذلك في أروقتها الخاصة . أما المعارضة العلنية فتمثلت بالتظاهرات والاحتجاجات التي خرجت في السليمانية وغيرها من مناطق الاقليم ، وكذلك اعتقال الصحفيين وبعض الناشطين المعترضين .

فقد جاء الاعلان عن الاستفتاء كخطوة فردية دون الرجوع الى برلمان الاقليم المعطل والذي يتحكم به حكام اربيل ، فقد منع رئيس البرلمان وعدد من الأعضاء من دخول اربيل وممارسة دورهم الرقابي على سلطة الاقليم ، وهذا يعني ان السلطة التشريعية معطلة وليس لها رأي في الاستفتاء .

المعترضون على الاستفتاء لم يرفضوا الفكرة بل اعتبروا ان توقيتها غير مناسب خصوصا وان الاقليم يمر بوضع اقتصادي حرج ، فهو يعاني من مشاكل وربما ستزيد عملية الاستفتاء من المعاناة والمشاكل فيما اذا حدثت قطيعة بين بغداد وأربيل . ومن ناحية اخرى يرى البعض ان الاستفتاء لا يقدم ولا يؤخر ، مادامت نتائجه غير ملزمة كما جاء على لسان هوشيار زيباري ، فما معنى ان يثار في هذا التوقيت .

اما السياسيين الاكراد الذين نظروا بواقعية رأوا ان المعارضة الدولية ستحبط العملية برمتها ، فقد حذرت الولايات المتحدة من الاستفتاء وكذلك الآتحاد الاوربي ، ناهيك عن رفض تركيا وايران وسوريا له ، وهذا بحد ذاته لا يمكن ان يكلل العملية بالنجاح ، بالاضافة الى ذلك لم يتفاهم السيد مسعود مع بغداد في هذه المسألة، فقد رفضت بغداد وعلى لسان السيد رئيس الوزراء الاستفتاء واعتبره خطوة غير صحيحة في ظل الظروف الحالية التي يمر بها العراق .

من ناحية ثانية لم يدعم الاستفتاء سوى اسرائيل وهذه النقطة بالذات حساسة لدى العراقيين ، فقد أعلنت اسرائيل مساندتها ودعمها للاستفتاء و لانفصال الاقليم وبشكل علني وعلى لسان نتنياهو ، مما يظهر الامر بأنه مؤامرة لتقسيم العراق وهذه النقطة ليست في صالح الاقليم ويجب ان يقف عندها الاخوة الأكراد ويراجعها حساباهم .

وفيما اذا أصر السيد البارزاني وسار قدما بهذه الخطوة فانه سيؤسس الى مشاكل مستقبلية بين العرب والأكراد خصوصا ان هناك تهديدات من جانب بعض الفصائل المسلحة في العراق لهذه الخطوة ، كما ان هناك مناطق مختلف عليها وهي خليط سكاني بين العرب والتركمان والأكراد لم يحسم مصيرها بعد ، و هناك ارضٍ استولت عليها قوات البيشمركة بقوة السلاح مستغلة ظروف البلد ودخول داعش وهشاشة بغداد وهذه القرى والبلدات لا يمكن ان تترك دون تفاهمات داخلية . فعلى سبيل المثال ان الموصل تتبعها اداريا ً عشرة أقضية ستة منها قضمتها القوى الكوردية بالقوة .

علاوة على ان مصير كركوك ومصير المادة 140 المنتهية الصلاحية لم يحدد بعد .

بالاضافة الى كل ذلك ان الدول الاقليمية متخوفة من التغير في خارطة التوازنات في المنطقة سيما وان الاكراد متوزعين على اربع دول ، وسيحدث الانفصال هزة جغرافية وديموغرافية في المنطقة . هذه الهزة التي لن تسمح بها تركيا وايران ، فقد اتخذت تدابير احترازية اولها كان غلق ايران لحدودها مع الاقليم وتحذيره من المشاكل ، فيما قامت تركيا بنشر جيشها على الحدود مع الاقليم .

لذا سيكون الاستفتاء عبارة عن ورقة ضغط بيد البارزاني ليس إلا ، ولن يحصد نتائج واقعية ملموسة .

علاء الخطيب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here