حيتان الفساد والاستهداف السياسي

جاسم الحلفي
تصاعدت اخيرا وتيرة كشف ملفات بعض الفاسدين ومحاكمتهم، رغم انها تبدو حتى الآن وتيرة متواضعة لا ترتقي الى الحد الادنى من الطموح، بعد ان اصبح الفساد ظاهرة مستشرية، وترسخت اقدام الفاسدين في اهم مراكز الدولة ومؤسساتها.
وطبيعي ان الملاحقات القانونية ما زالت تستثني حيتان الفساد، ويبقى كبار الفاسدين وحلفاؤهم من التجار والسماسرة ومنظمي الصفقات والمشاريع الوهمية، بعيدين عن اطارها. ولكن اذا بقيت وتيرة الملاحقة الحالية على حالها فستلحق بالحيتان مهما حاولوا الالتفاف والتملص، وستكبر كرة الثلج عاجلا او آجلا اذا استمر تدحرجها، لتلف العديد من الفاسدين وصولا الى كبارهم. وسوف لن يتوانى صغار الفاسدين في الاعتراف على الرؤوس التي تحركهم وتستفيد من جرائمهم. ولا يستثنى من ذلك تجار ومقاولو الفساد وسماسرته. وهؤلاء هم الشركاء الحقيقيون للحيتان، الذين نظموا صفقات الفساد والمقاولات الوهمية والصفقات المشبوهة.
ولان الفساد عم واتسع نطاقه، فقد اصبح الرأي العام العراقي يتصور انه من غير الممكن استبعاد اي شخصية شاركت في السطلة، وانه ليست هناك شخصية لم تدر حولها شبهات فساد إلا باستثناءات محدودة. ومن هذا الباب فان كل من تدور حوله شبهات فساد لن يكون خارج نطاق المساءلة مهما كانت قوة ونفوذ الحزب الذي ينتمي اليه وموقعه وموقعهم في السلطة. ان تضحيات أي حزب ودماء شهدائه التي نزفت في مجرى مقاومة الدكتاتورية لا تشكل تزكية وحماية للفاسد من الملاحقة القانونية. ذلك ان التضحيات الجسام التي قدمها الشهداء لم يكن هدفها يوما التغطية على حيتان الفساد، انما كانت من اجل وطن حر يعيش به المواطن بكرامة. فليس مبررا للفاسد ان يتبجح بدماء الشهداء ومواقفهم المشرفة ضد الظلم والظالمين.
ان ما يثير السخرية هو تلميحات البعض الذي يطعن في ملاحقة الفاسدين بدعوى ان وراءها استهداف سياسي، وكأنه يريد منا ان نسكت على الفاسد ما دام منتميا الى حزب متنفذ ويعيش صراعا مع منافسيه.
ان فضائح الفساد من الكبر والاتساع بحيث لا يمكن تجاهلها، وهي فضائح من العيار الثقيل. وان المواطنين الذين اكتووا بسياسات الفساد التي انعكست على امنهم وحياتهم ومعيشتهم وبالا، يتطلعون الى الخلاص من الفساد الذي يشكل ابرز عوامل اعاقة الاستقرار والبناء والاعمار والتقدم.
لا للتهاون مع أي فاسد، مهما كان موقعه في إدارة الدولة، ومهما كان الحزب الذي ينتمي اليه.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here