غفلةٌ أم غض بصر؟

توفيق الدبوس
المتتبع لنشأة الحركة الوهابية وإسلوبها الوحشي بالتعامل مع البشر و الجوار يعلمُ جيداً ويعرف ماذا حدث لقافلة الحجيج الشامية في القرن التاسع عشر. وكيف أُبيدت وسُلِبَت .وما فعله هؤلاء المتوحشون الغزاة من أفعالٍ شنيعة في كربلاء والنجف.من نهب وتهديمٍ وسلبٍ للأضرحة المقدسة, وقتلٍ وذبح دون رحمة .قادمين من البادية محملين بأفكار الغزو البدوية والتكفير التي أحلَّها لهم محمد عبد الوهاب نتاج وزارة المستعمرات البريطانية وعميلها الجاسوس مستر همفر. الذي نُشرت مذكراته في القرن الثامن عشر.فهو من غذى محمد بن عبد الوهاب بفكره المتطرف. الذي يكفِّر كل مخالف وأي دين أو مذهب غير مذهبه.ومن هذا الفكر إنطلقت من البادية والصحراء العربية موجات الجراد الأصفر تقطع الطرق تسبي وتقتل وتنهب وتهدم وتحرق.
ففي يوم 22 من نيسان من سنة 1802 هاجم الوهابيون مدينة كربلاء و دخلوها على حين غرة. وكان هذا اليوم يصادف عيد الغدير و معظم السكان في النجف الأشرف لأحياء هذه المناسبة ، وعند دخول المهاجمين الوهابيون المدينة تعالت أصواتهم ( اقتلوا المشركين).أي إقتلوا الشيعة.
وقتلوا كل مَنْ يلقونه في طريقهم من الشيوخ والنساء والأطفال ، و يخربون الأضرحة المقدسة . فهدموا قبة ضريح الأمام الحسين عليه السلام . واقتلعوا القضبان المعدنية والسياج ثم المرايا الجسيمة. وهدموا أجزاء من القبر الشريف. ونُهبت النفائس والحاجات الثمينة من هدايا الباشاوات والأمراء وملوك الفرس ، و المجوهرات الثمينة . وحرقوا الكتب النادرة والمصاحف والمخطوطات الثمينة . وسُلبت الزخارف بعد ان قُلعت من الجدران . وقُلِع الذهب من السقوف. كما أخذت الشمعدانات والسجاد الفاخر. وإقُتلعت الأبواب المرصعة, ونُقلت للخارج . كما قُتل قرابةُ خمسين شخصاً بالقرب من ضريح الحسين عليه السلام, وخمسمائة أيضاً خارج الضريح في الصحن . ودُقَّت القهوة في الرواق الحسيني الشريف . وعاث الغزاة المتوحشون بالبلدة فساداً وتخريباً . وقتلوا من دون رحمة جميع من صادفوه في طريقهم .كما سرقوا كل دار. ولم يرحموا شيخاً ولا طفلاً . أوشيخاً. واختلف المؤرخون بتقدير الضحايا التي فاقت الخمسة آلاف نسمة. وقدَّرها بعضهم بثمانية آلاف . ووصف ياسين العمري في كتابه «غرائب الأثر في حوادث ربع القرن الثالث عشر الهجري» ما حل بالمدينة من تخريب بقوله : ” لم يبق من بيوتها الا داراً واحدة كانت محصنة بالبناء الشامخ . إجتمع فيها نحو خمسين رجلاً وجعلوا يضربون بالبنادق وقتلوا من الوهابيين عدداً كبيراً .
و ترعرعت الحركة الوهابية ونشطت بعد مصاهرة محمد عبد الوهاب للعائلة المالكة في نجد والحجاز(السعودية) . وبات المذهب الوهابي مذهباً رسمياً . ودُرِّست أفكار هذا المذهب في المدارس وجوامع المملكة الى هذا اليوم. وتمدد الفكر الأرهابي الوهابي الى دول الجوار, ومن ثَمَّ للعالم كله. وهو الفكر والمداد الأيدوجي للأرهاب العالمي, الذي ضرب كل العالم. وأساء للأسلام الحنيف . وجعله في نظر العالم فكراً إرهابياً معادٍ للأنسانية و الحضارة.حتى بات الدين الأسلامي ديناً مخيفاً للعالم, وعدواً للبشر. وهذا الخوف سُميَ الأسلامو فوبيا .وهو لفظٌ يتكون من: إسلام و فوبيا. فالفوبيا فى السايكولوجيا هى خوف مرضي يسيطر على وجدان الإنسان الذي يعاني منه.و الإسلاموفوبيا ليست خوفٌ مرضي نفسي أو شخصي . لكنها صورة نمطيه مسبقة عن الاسلإم و المسلمين تعتري الجماعات والشعوب , رسمتها الماسونية والصهيونية لخلق الكراهيةَ و العداءَ للإسلام و المسلمين. تروجها فى المجتمعات الغربيه أجهزةُ إعلامٍ معاديةٍ للعربِ والمسلمين , للإثارة أو التوظيف السياسي. و تسوقُ لها أيضاً الحركات العنصرية المتطرفة و الاحزاب و المنظمات اليمينية المتطرفه المتشددة, بهدف تخويف الناس من زيادة عدد المسلمين فى المجتمعات الغربية و التأثيرات السلبية التي يمكن أن تحصل من هذا ، و فى نفس الوقت تُبرر هذه الجهات المتطرفة الحروبَ العسكريةَ التى يشنها الغرب على بلاد المسلمين. و يساهم الإسلامويون المتطرفون فى تعضيد المخاوف عند الشعوب عن طريق العمليات الإرهابيه, التي يقومون بها في مجتمعاتهم و خارجها بالترويع اللفظي و الترويج لأفكار متخلفة و عنيفة و عدوانية لا صلة لها بالإسلام الحنيف ومفاهيمه أولاً و للمفاهيم الحديثه التي تقوم على التفاهم و التعايش السلمي ثانياً. والصورة التي يتروج لها الوهابيون الأرهابيون هى إنَّ المسلمين و الإسلام لا يتعايش مع الثقافات أبداً. وانَّ ثقافة الآخرين وخاصة الغربيين ثقافةٌ دونية تافهة, وأقل من الثقافة الدينية الأسلامية.لذا وكما يرى هؤلاء العدوانيون من المتأسلمين بأن الثقافات غير الأسلامية . يجب أن تُغيَّر ولو بالقوة والعنف.
وبهذا فإن المتطرفين الأسلاميويين بتشددهم يزرعون في أذهان الأمم بأن ثقافة المسلمين عامة والعرب خاصة ثقافة غير إنسانية معادية للحضارة والديموقراطية. و إنًّ أيديولوجية الأسلام السياسية عنيفةٌ وعدوانيةٌ ودين الأسلام ليس دينَ تسامحٍ ومحبةٍ وعلمٍ وثقافة. بل دين حربٍ وعداء مستمر للبشر. والمسلمون لا يعرفون سوى القتل والسلب والسبي وشهوة النساء. وهذا ما دأبت عليه القاعدة وداعش والأخوان المسلمين وكل من تبنى الفكر المتشدد النابع من الفكر الوهابي صنيعة بريطانيا والماسونية .وزُرِع في بلداننا لتشويه سمعةالأسلام والدعوة للنفور منه ، وبطبيعة الحال فإدخال الاسلامويين الدين فى السياسه (السلطة ), و لجوئهم للعنف الفعلي و اللفظي, يساهم بشكل كبير و فعال فى تعضيد الصورة النمطية المسبقة المعادية للأسلام . و يُتستخدم كدليل على صحة رأي المعادين للإسلام ، ولذا من حقنا كمسلمين مؤمنين بالله وبالرسالة المحمدية الأنسانية المحبة للسلام, أن نعتبر الأسلامويين ومن أدخل الدين بالسياسة (السلطة),خارجين عن الأسلام.و هم من أسباب تردي المجتمع العربي والأسلامي وتخلفهما وتسلط القتلة و الفاسدين والسراق عليهما. وهم من تسبب في معاداة الشعوب للعرب والمسلمين لأنهم من الأسباب المباشرة للإسلاموفوبيا عند الشعوب من العرب والمسلمين والأسلام كدين.
وعليه وجبَ التنبيه لما سيحدث بعد تحرير الموصل والمدن الأخرى .فقد هربَ هؤلاء المجرمون من المدن المحررة الى البادية و مدن أخرى. ليكونوا الخلايا النائمة البعيدة عن العين. لينقضّوا كمجموعات أو ذئابٍ منفردة .يهددون الأمن والعيش السلمي ويعطلون النمو الأقتصادي المطلوب. وقدهرب العديد منهم الى البادية والصحراء الغربية ليتجمَّعوا هناك. ويجعلوا من المغارات والكهوف معسكراتٍ لهم. وليعدّوا العدة للهجوم على المدن ويقطعوا الطرق المهمة ويعبثوا في الأرض فساداً. فيقتلون ويسلبون كما يحلوا لهم.وهذا ما ورثوه من محمد عبد الوهاب وفكره المتشدد الأجرامي المنحرف.
أمّا أن تُعقَد إتفاقيات مع داعش الوهابية الأرهابية ونقل الأرهابيين من الحدود السورية اللبنانية الى البوكمال في الحدود السورية العراقية , فهي مؤامرة كبرى على العراق خاصة, والمنطقة عامة .مؤامرةٌ بعيدة الأهداف خُطِطَ لها بمهارة وسرّية.وهذا الأتفاق ليس إلا رفداً للإرهابيين في العراق. ولا يجب أن تمر مرور الكرام.فهؤلاء الأرهابيون سينظَمّونَ لفصيلهم الأرهابي المتبقي في العراق, والهارب من الموصل وتلعفر والفلوجة والرمادي وحديثة وعانة وراوة .وسينتشرون في هذه البادية الواسعة المتصلة بالأراضي السعودية وسيشكلون خطراً كبيراً على الشعب العراقي.وستكون تلك المنطقة نواةً لدولتهم الجديدة.وهذا لم يأتِ عبثاً ولا من فراغ .بل ضمن مخطط رهيب خططَ له مَنْ يريد بنا السوء.
إستمعنا لرد السيد رئيس الوزراءحيدر العبادي فلم يكن بالمستوى المطلوب إزاء هذا الأمر الخطير.وكان كالعادة مخيباً للآمال وإعلامياً لا غير. فهو لم يوجه قواتنا الجوية ويأمرها بقصف أرتال داعش القادمة من الجرود الى الحدود العراقية ولم يوجه وزارة الخارجية العراقية لأستدعاء السفير السوري ولم يتصل هاتفياً بالرئيس السوري للأحتجاج.وكذلك موقف وزارة الخارجية العراقية فقد كان سلبياً وشبه صامت كعادتها بالأمور الخطيرة. فهيَ كالعادة لا تهش ولا تنش .وإستمعنا كذلك لرد السيد حسن نصر الله. الذي نكن له وافر الأحترام, حول عدم مشروعية توجيه أصابع الأتهام للحكومة السورية.ومن حقنا كعراقيين. ومن الواجب علينا الحفاظ على بلدنا و نوجه كل أصابع الأتهام للنظام السوري. لأنه قبِلَ بهذا الأتفاق المضر بالمصالح العراقية. والذي يشكل خطراً كبيراً على الأمن الوطني العراقي.وكان تبرير السيد حسن نصر الله غير مُقنِع تماماً.
والعجب العجاب أن يساهم حزب الله في هذه المؤامرة الخبيثة.أما النظام السوري فلا عتب عليه . فهذا ديدنه ؟ ففي سوريا ترعرع الأرهاب ونشط. وتمَّ تدريب الأرهابيين في معسكراتٍ في اللاذقية وغيرها. ومن الحدود السورية دخل الآلاف منهم للعراق . ليفجروا ويذبحوا ويخربوا.ولكن صدق المثل (طباخ السم يذوقه) فإنقلب السحر على الساحر وضرب الأرهاب سوريا ونظامها ودمرها.وأخيراً ظهر ما بَطُن وغيَّرَ الغرب مخططَه المُعلَن بإزاحة السلطة في سوريا. وغضَ عنها النظر اليوم ولم يعد هذا ضروريا .
وسؤالنا المهم مَنْ هو الوسيط بين داعش من طرف والنظام السوري وحزب الله من طرفٍ آخر.ولا شك أن وراء داعش قوى دولية وإقليمية ووراء سوريا وحزب الله إيران وروسيا .فّمَنْ هو الوسيط ولماذا ؟ وما علاقة القوى الدولية والأقليمية بهذا ؟ وما هو الهدف؟ وهل لبعض القوى السياسية العراقية دورٌ أو يدُ أو علمٌ ودراية بهذا ؟
من غير المقنع أن تقول أميركا بأنها لا تعلم شيئاً عن هذه الصفقة .ولكي تُقنِعَ العالم عامة والعراق خاصة , لا بدَّ لها من قصف هذه التجمعات الأرهابية في موطن تجمعها في الحدود السورية العراقية قصفاً مركزاً, لا خجولاً لذر الرماد في العيون. و عليها إبادة هذه العصابات الأرهابية لتحمي العراق منها. ولا تغض النظر عنها. كما غضته عندما تقدمت فلولٌ داعشية صغيرة وإحتلتْ الموصل وأسقطتْ تكريت.وعلى النظام السوري وحزب الله إثبات حسن نيته تجاه شعب العراق والتوجه بقواتهما المسلحة وإستخدام الطيران السوري والروسي للقضاء على هذه الزمر الأرهابية قبل توغلها في البادية العراقية.
وخلاصة القول على الحكومة والقوات المسلحة العراقية وهي الآن في نشوة إنتصاراتها المجيدة وفي أفضل أحوالها. بعد أن دعمتها المرجعية الرشيدة بالحشد الشعبي البطل. أن تتبصر وتحزم الأمر وتعيد النظر بعلاقتها المشبوهة بالنظام السوري. وتحذر حزب الله من مغبة هذا الأمر. وإن الشعب العراقي أُصيب بالخيبة منه .ونأمل ألا تكون هذه غفلة أو غض بصر.والتأريخ لن يرحم والشعوب لن تغفر.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here