هؤلاء في حياتي (٣١) غالب الشابندر..

هؤلاء في حياتي (٣١)
غالب الشابندر..

مجموعة من المفكرين المختلفين المتناقضين، يحملون أفكاراً متصارعة، يخوضون أشرس النقاشات، وأكثرها صخباً، ثم يكتبون بقلم واحد.. هذه المجموعة هي غالب الشابندر.
مجموعة من المشردين والمجانين والأطفال والكبار والفوضويين والصعاليك يعيشون المشاكسة طوال الليل والنهار ثم يظهرون أمام الناس في الشوارع والأسواق والأماكن العامة.. هذه المجموعة هي غالب الشابندر.
ينتمي هذا الرجل الى عائلة ثرية، لكنه منذ صغره بحث عن التراب والزوايا المهملة في البيت الكبير المطل على نهر الغراف في مدينة الحي، فألقى جسده هناك، تلّمس خشونة التراب فوجده ناعماً، وتطلع الى العتمة فوجدها مضيئة، وتحسس ضيق المكان فوجده رحباً، وبذلك اختار مكانه في الحياة، فاستقرت نفسه بين الخشونة والظلام والضيق، لا يستطيع ان يفارقها، يبحث عنها دائماً ويحلق في أجوائها الى أعلى المديات، وحين تضطره الأوقات الى الخروج والظهور واللقاء والاجتماع، فأنه يتنفس بصعوبة حياة الترف، يختنق بهذا الهواء المعطر، فيقضي الساعات متقلباً على قطع من الزجاج الجارح والمسامير الناتئة، ثم ما يلبث أن يغادره نحو الضياع، وأجواء المتشردين.
هو غالب الشابندر الذي لا يعرفه شخص، كما أعرفه. أقول ذلك ليس زعماً من غير دليل، ولا قولاً أتباهى به، لكني عشت هذا الانسان المملوء بالتناقضات والغرائب، الهائم في دنياه الخاصة، المحلق في فضائه الخارج عن أفقنا المألوف.

أعرف ما يكره وما يحب، أعرف ما يريد وما لا يريد. ولكني في نفس الوقت أعجز عن توضيح ذلك للآخرين، حين يبدون ملاحظاتهم واعتراضاتهم على مواقفه وسلوكه وكتاباته وأحاديثه.. لا يمكنني أن أشرح ذلك، وأكتفي بأن أقول:
ـ هذا هو غالب الشابندر.
نعم هذا هو غالب الشابندر، وبغير هذه التناقضات والتقلبات والجنون والعبث والمشاكسة والاستقرار والاضطراب، لن يكون غالب الشابندر، سيصبح شخصاً آخر، لا يعرف الكتابة البارعة ولا يجيد طرح الفكرة المبدعة، ويفشل في اكتشاف الرؤية الفاحصة.

هو نموذج خاص لن يتكرر، لقد صاغ نفسه بهذا القالب المختل، وأصر ان يبقى فيه ما بقي حياً. ومن يريد أن يجري عليه تعديلاً لن يواجه إلا الفشل. ليس لأن غالب الشابندر عنيد متحجر.. أبداً ليس الأمر كذلك، بل لأن القالب الذي وضع نفسه به، متغير متحرك، تتحكم به الفكرة التي يقتنع بها، والفكرة عنده خاضعة للنقاش المستمر، ينظر اليها كل يوم، وكل ساعة، يؤصلها أو يعدلها أو يطورها أو ينفيها ويشطب عليها. يناقش ذلك مع نفسه بشكل مستمر، حوار متواصل وبحث متواصل وتأمل طويل مرهق.
يبحث عن النقطة الخفية، عن شيء ضائع في الحياة، عن أمر مدفون تحت التراب، فيلتقطه في أشد ظروف العتمة والظلام، ويقضي الوقت الطويل، يتأمله ثم يجليه فيجعله براقاً لامعاً مضيئاً.
وحين يفعل ذلك، لا يهمه ما سيقوله الآخرون عنه، يكفي أنه اقتنع بما توصل اليه، فيكتب ويتحدث بلا خوف، فهذه الحياة له، والفكرة التي توصل اليها يمنحها للحياة، بصرف النظرة عن ردود الفعل، لا يهمه من يغضب ومن يرضى، المهم أنه اقتنع بها، أو أقنع نفسه بها أو أراد أن تكون مقنعة له.

لو سألوني: ماذا تتوقع أن يكون موقف الأستاذ غالب الشابندر من هذه القضية؟
سيكون جوابي ما قاله عنه العزيز (حسين السكافي):
ـ اثنان لا أعرف ما سيفعلان، حفيدي الصغير (زين) وصديقي غالب الشابندر.
صديقي واستاذي (أبو عمار) سترهقني الكتابة عنك، لكني سأكتب.

لإستلام مقالاتي على قناة تليغرام اضغط على الرابط التالي:
https://telegram.me/saleemalhasani

سليم الحسني

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here