حين تحولت المرأة العراقية إلى جامعة قمامة

الدكتورة / ناهدة محمد علي
لقد مر تأريخ المرأة العراقية السياسي والإجتماعي بطريق نضال طويل من أجل الحقوق الديمقراطية ، وقد تحدث عن هذا الكثير من عمالقة السياسة والإجتماع العراقيين ومنهم الدكتورة ( سعاد خيري ) .
لقد كان تطور المرأة العراقية منذ الخمسينات بخط بياني متصاعد رغم الإرهاب السياسي ، وقد أثبتت المرأة جدارتها في الكثير من المجالات الأدبية والعلمية والفنية ، ومرت بسنوات من الحصار السياسي والإقتصادي عانت به المرأة والعائلة العراقية الكثير من الويلات لكنها بقيت مرفوعة الرأس ، ترفع اللافتات وتقود المظاهرات السلمية ، ولم تستطع سنوات الحصار الإقتصادي أن تلوي ذراع المرأة العراقية . وبعد أن إرتفعت صادرات النفط لتغطية هبوط الأسعار وإرتفعت أيضاً نداءات الديمقراطية وتطبيقاتها في المجتمع ، نكست المرأة العراقية رأسها وإلى ما تحت القدمين .
كان هناك في إحدى العشوائيات خارج مدينة بغداد مجموعة كبيرة من النساء الأرامل والمطلقات يعشن مع أطفالهن في مستوى ما دون خط الفقر وتقع صرائفهن قرب ( مكبات القمامة ) والتي تأتي من مدينة بغداد . يستيقظ هؤلاء النساء عند الخامسة فجراً ليتلقفن حاويات القمامة قبل حرقها ويتعرضن من خلال خروجهن فجراً إلى الكثير من المعاكسات والتحرش المصحوب بالعنف من قبل سائقي سيارات التاكسي والسكارى ولا ينقذهن سوى صراخهن وشهامة بعض الرجال . يقمن بحمل أطفالهن على الجزء الأيمن من ظهورهن والجزء الثاني لأكياس القمامة . يقمن بفصل محتويات ( الزبالة ) ويضعن العلب المعدنية في كيس وقطع القماش القديمة مع بقايا الأطعمة المتعفنة والخبز اليابس في كيس آخر ويقمن بإطعام أطفالهن من هذا الخبز . كان هذا هو مصدر رزقهن الوحيد حيث يأتي الوكيل بعد طلوع النهار ليشتري منهن القمامة .
أرجو أن لا يَعجب القاريء فالعراق الآن هو بلد العجائب حيث يقتات فقراء العراق على مزابل المدن في بلد مهما تعددت إلتزاماته العسكرية يُفترض أن يتبقى من مبيعات النفط الشهرية والتي تُعد بالمليارات ، أقول يجب أن يبقى منها الكثير للفقراء ، ولم يعد يتساءل الناس عن مصير موارد العراق فالكل يعلم أن هناك خلل كبير في تصريف هذه الموارد وكل من يأتي يفضح الذي قبله وهلم جرى .
إن أطفال هذه المناطق يعيشون على المياه الآسنة وبرك المياه ، يشربون منها وفيها يغتسلون ، ويصابون بالكثير من الأمراض الجلدية والمعوية ، فتسقط شعور رؤوسهم وتتقيح جلودهم .
كانت إحدى النساء تولول فوق أكياس القمامة ولا أحد يدري أتبكي زوجها القتيل أم حظها العاثر . أما بقيت النساء فكن يتساءلنا بغضب عن المسؤول عن أوضاعهن ولِمَ حُرمن من الرعاية الإجتماعية ومن الرواتب الزهيدة التي يُفترض أن تعطى لهن .
جاءت إليهن بعض القنوات الفضائية والتي صورت واجهات الفشل الحكومي لأغراض سياسية .
لم تكن هذه الظاهرة هي الوحيدة التي تُفجع المشاهد أو القاريء ، حيث أننا نلاحظ ما بين السطور تفسخ العلاقات الإجتماعية وتوضح السقوط الإجتماعي للعائلة العراقية حيث الكل يريد النفاذ بجلده ويطبق مقولة ( إذا جاءك الطوفان فضع ولدك تحت قدميك ) . فقد إبتعد عن هؤلاء النساء الأخوة وقطعوا صلتهم بهن وتزوج بعض أزواجهن من نساء أصغر سناً وبقي هؤلاء الأمهات هن الراعيات الوحيدات لأطفالهن ولمزابل المدينة بعد أن كانت راعية المجتمع العراقي .
لا يمكن أن نلقي اللوم على الإرهاب فقط وإنما نلقيه على الإنحدار السلوكي والإجتماعي للفرد العراقي ، فكل الوسائل أصبحت هنا مبررة للوصول إلى الدينار . فنحن نفرش سجادة الصلاة ثم نطويها لنرتشي أو لنقتل أو لنتجسس على جارنا لكي نسرقه أو نخطف إبن قريبنا الغني ، وأن نغتال زهرات المجتمع العراقي من أستاذات جامعيات وطبيبات وصيدلانيات ومهندسات وإعلاميات . لا تقولوا أنه الإرهاب الأجنبي ، بل هو إرهابنا نحن ، ونحن فقط الحاضنين للإرهاب ، وفي كل مدينة دخلها داعش كان فيها حاضنة قوية من أبناء المدينة ضناً منهم أنهم سيقلبون الموازين . ونحن من إستقدم الإرهاب لفرقتنا ونحن من غذاه . وكل ما بقينا لا نسمع للآخر ، وكلما إمتدت يد المدير أو الوزير أو القاضي أو المحامي وأستاذ الجامعة والمدرسة للرشوة بقيت فوهات البراكين الإجتماعية تبعث حممها يميناً ويساراً ، وبقيت كرامة الفرد العراقي وبضمنها المرأة والطفل بين أكياس المزابل .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here