استقلال كوردستان والآراء المضادة

مالوم ابو رغيف

صيقول السياسيون العراقيون : نحن مع تقرير المصير لكن الوقت غير مناسب الآن لاجراء الاستفتاء.ـ
بالطبع هذه مغالطة واضحة وكذبة مكشوفة اذ ان الساسة العراقيين يؤكدون في كل مناسبة على وحدة العراق وسلامة اراضية. وهذا التصريح، وان بدى براقا ووطنيا ويحمل حسن النوايا، لكن في حقيقته يتبطن على سوء النية وفساد الضمير تجاه القضية الكوريدة اذ انه يشير بشكل واضح وصريح الى معارضة استقلال كوردستان .ـ
ليس من محض الصدف هذا التناغم السياسي بين الحكومة العراقية وبين تأكيدات الاتراك والايرانيين والعرب المتكررة على وحدة العراق وعلى سلامة اراضيه، مع ان جميع الدول المذكورة تتدخل بصلافة في شؤون العراق الداخلية محدثة احتراب داخلي يكون ثمنه المزيد من الضحايا وسفك الدماء.ـ
فتركيا تفرض سيطرتها بالقوة على بعض الاراضي العراقية ولها قواعد عسكرية لاتنوي التزحز منها رغم انتهاء ذرائع البقاء التي تحججت بها ولها تأثير كبير على الاحزاب السنية مثلها مثلا لايران من تأثير على الاحزاب الشيعية ومع هذا تدعيان بانها مع وحدة وسلامة اراضي العراق!!ـ
الاحزاب الاسلامية القابضة على السلطة والمتحكمة بالمال والثروات العامة في العراق لا يهمها ان بقت كوردستان او استقلت او احرقها التنين بناره او ابيد الشعب الكوردي عن بكرة ابيه او سيطر الاتراك على اراضيه وثرواته. تماما مثلما لا يهمها ايضا اذا اباد الارهاب ملاين العراقين او اذا أماتت الأوبئة والتلوث البيئي ملايين اخرى، ان ما يهم هذه الاحزاب هو هيمنتها على السلطة ودوام سرقتها للمال العام مقابل اي ثمن حتى لو كان على حساب السيادة الوطنية.ـ
لماذا يعارض السياسيون الاسلاميون والعرب استقلال كوردستان؟
ان الاحزاب العراقية الحاكمة لا تملك الا ان تنفذ بالحرف الواحد ما تمليه عليها الدول التي لا تحمل ودا للشعب الكوردي ونقصد تركيا وايران. ان مرجعية الاحزاب الاسلامية السياسية والدينية والروحية (سنية او شيعية) هي هاتان الدولتان.ـ
فالاحزاب الشيعية مثلا لا تترك صغيرة او كبيرة الا وطرحتها على الولي الفقيه سيد علي الخامنئي لاستحصال موافقته ورضاه.ـ
حتى قضاياها الحزبية الداخلية وخلافاتها المالية لا يسمح لها بتسويتها دون عرضها على الولي الفقيه، وهذه الاحزاب لا تخفِ ذلك بل تتحدث فيه علنا من خلال الفضائيات الاخبارية.ـ
فمثلا لم يؤسس عمار الحكيم حزبه الجديد المسمى تيار الحكمة الا بعد ان اخذ الضوء الاخضر من الولي الفقيه، الامر الذي ادهش قطيع كادر الملالي المتقدم في المجلس الاعلى فذهبوا الى نفس الولي الفقيه وهم يذرفون الدموع ويلطمون الرؤوس والصدور ويشتكون له عسف سيد عمار الحكيم الذي اتهموه بانه استولى على الجمل بما حمل.ـ
كوردستان من الناحية الفعلية مستقلة لا ينقصها الا اعترافا دوليا، فلها قوانينها وانظمتها المدنية والعسكرية والقضائية والتربوية ولها شرطتها وجيشها وماليتها المستقلة وعلاقاتها الدبلوماسية مع الدول الاجنبية ولها وزرائها وبرلمانها ولها ثقافتها ولغتها واجهزة اعلامها.

كما ان كوردستان غير معنية بالقرارات والقوانين والانظمة التي تصدرها بغداد مهما كان درجة اهميتها، وعلى اية حتا فان بغداد لا تهتم اطلاقا اذا ما التزمت كوردستان بالقوانين بصفتها فدراية خاضعة للدولة الاتحادية او لم تلتزم، ذلك ان بغداد لا تهتم بالكورد لا شعبا ولا حكومة.ـ
ان اساس معارضة الاحزاب الاسلامية العراقية لاستقلال كوردستان نجده في حقيقة تبعيتها للإدارات الاجنبية، فلو كانت ايران وتركيا مع الاستقلال، لرأيت الحوزات والمرجعيات والاحزاب الاسلامية تجند فرقها الاعلامية والدينية والاجتماعية في الدعوة لاحقاق الحق وازهاق الباطل، ولقرآنا احاديثا نبوية وايآت قرآنية تحث على الاستقلال ولسمعنا روايات ال البيت وروايات الصحابة من على منابر الجوامع تؤكد على حق تقرير المصير وعلى استطلاع واستمزاج اراء الناس لانها دعوة مباركة.ـ
واذا كانت الاحزاب الاسلامية الحاكمة صدى لرغبات ومصالح دول الجوار، فما الذي يدعو بعض اليساريين الى الوقوف بالضد من الاستفتاء ناهيك عن الاستقلال؟
ان اهم ما يتحجج به هؤلاء هو بان الدعوة الى الاستفتاء ثم الى الاستقلال لا تخدم الا الادارة الكوردستانية التي تجد نفسها في ازمة سياسية واقتصادية ودستورية خانقة وان هذا الاستفتاء جاء لاشغال الشعب الكوردي والهائه عن الازمة الحقيقية باستفتاء صوري يقود الى التفرد بالسلطة.ـ
لكن اصحاب هذا الرأي يتناسون بان جميع الحكومات العراقية المتعاقبة في بغداد ومنذ اسقاط النظام ولحد هذا اليوم هي حكومات فاسدة الى نخاع العظم، وان جميع الفعاليات السياسة، بل العملية السياسة المبنية على المحاصصة هي الاساس الذي ترتكز عليه اعمدة الفساد، وان الجهل والامية وانتشار المخدرات والسرقة والخطف والفقر والاختلاسات الكبرى والتزوير وتدني الثقافة والدراسة وتدهور الخدمات هي اهم ملامح العراق الجديد. كما ان سرقات مليارات الدولارات وهروب اصحابها الى بلدان اجنبية يحملون جنسيتها اصبحت شيئا روتينيا ومعتادا في عراق اليوم.ـ
ان الحملة الاعلامية والصحفية الكبيرة الموجه ضد استفتاء استقلال كوردستان هي لالهاء اللشعب العراقي وتحويل انتباهه من ازمة السلطة وازمة العملية السياسية ومن فيضان الفساد الذي لم يشهده العراق منذ فيضان نوح الى خصومة الشعب الكوردي والوقوف بالضد من حلمه القومي بتأسيس دولته المستقلة؟
وهل عدم استقلال كوردستان سيمنع الفساد ويقطع ايادي الفاسدين؟.

هل سيمنع تحكم الاحزاب بالشعب الكوردي ام ان العكس هو الصحيح، اذ ان استقلال كوردستان سيجعل قضية بناء وانجاح التجربة الكوردستانية قضية نضالية يكرس الشعب الكوردي لها كل امكانيته لانجاحها ولجعلها نموذجا رائدا لتحقيق الارادة الشعبية الحرة؟
نشير ايضا بان لا يحق لقومية او لمجموعة دينية او سياسية ان تنصب نفسها وصيا على قومية او مجموعة دينية او سياسية او ثقافية اخرى، ان هذا يتعارض ليس مع الديمقراطية فقط بل يتعارض مع ابسط مباديء الحقوق الطبيعية للانسان.

لذلك لا يمكن لهذه المجاميع المعارضة لاستقلال كوردستان ادعاء التنبأ بالمستقبل المثبط للعزائم والمبشر بالتقاتل بين الاحزاب والمجاميع الكوردية. فالامة الكوردية هي وحدها المسؤولة عن مصيرها وهي وحدها القادرة على استشفاف المستقبل وهي وحدها التي لها حق الكلمة وتقرير مصيرها وليس من احد له الحق على اجبارها على السير في طريق اخر لم تختره بنفسها.ـ

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here