ببغاء لرئاسة البلدية

قصة: نبيــل عــودة
أعلن عشرة مرشحين عرب من مواطني اسبانيا من أيام المجد العربي الأندلسي، أنهم يطمحون للفوز برئاسة بلدية قرطبة الاسبانية، لأنها مدينة لها تراث عربي أصيل وتعتبر منارة للعرب الباقين في وطنهم ولم تجرفهم رياح التهجير من الأندلس.

تسابق مرشحي العرب الجدد لرئاسة بلدية قرطبة لشراء ببغاء تكون سكرتيرة لرئيس البلدية. السبب ان الوعود التي ينثرها مرشحي الرئاسة على المواطنين الإسبان وبقايا المواطنين العرب من اجل الفوز بالترشيح لا تغطية لها في الميزانيات المتوقعة لبلدية قرطبة، وربما تخالف كل عرف قانوني. فكر المرشح الأول، وهو بذلك يستحق صفة “مفكر”، قال لنفسه: الببغاء ستحفظ جملة تعيدها على مسامع المراجعين بأن الرئيس منشغل بتنظيم دفاتر وعوده. إذا سئلت سؤالا آخر لن تجيب إلا بما تعلمته: “الرئيس منشغل بترتيب دفاتر وعوده”.. ومن لا يصدق هذه العجيبة الانتخابية الناطقة؟

” ببغاء ؟ فكرة عبقرية… هذا حلٌّ مثالي” قال المرشح الثاني الذي يعلن انه المنتصر القادم لأن وراءه جبهة مهزومين، رغم انه لم يحقق أي انتصار سابق .. قال لنفسه “الببغاء ستوفر علي مليون كلمة كل يوم لأتملص من الوعود التي قطعتها على نفسي”. أضاف “مع اقتراب الانتخابات التي تلي هذه الدورة التي سننتصر فيها حتما، نعلن ان مؤامرة من أعداء الشعب والوطن حالت دون تنفيذ ما وعدنا به الشعب في الانتخابات السابقة، انتخبوني لأنفّذ ما تعهدت به وها هي الببغاء الناطقة شاهدة على ما أقول!!”

المرشح الثالث يظن انه البديل الأفضل، لكنه لا يعرف كيف يكون بديلا مكان الأورجينال (الأصيل) إذا تعثّرت خطاه ولم ينفّذ وعوده فالويل له من مريديه، قال لنفسه “الحل ببغاء ناطقة تقول للجميع جملة واحدة فيخرجون راضين متأملين ان البديل سيحقق لهم ما طلبته نفوسهم.. لأن الطير لا يعرف الكذب” قال أنصاره “إذا تأخر البديل بإخراج وعوده للتنفيذ، فسوف نحضر له شربة ملح انكليزي، لتخرج الوعود بيسر وليس بعسر!!”

المرشح الرابع فكر… وبذلك صار مرشحان يستحقان صفة “المفكر”، قال لنفسه “ان الببغاء قادرة على إقناع مؤيديه أكثر من أي شخص آخر”. وفكر بعمق “سيتعجبون لمسمع طائر يتكلم الإسبانية الفصحى بدون أخطاء لغوية وسيعتبرون ذلك من الإنجازات الهامة لرئيس البلدية القادم المنتصر حتما، بدليل انه جعل الطير يتكلم”.. والمؤكد انه الفائز بإذن الله!!

لكنه في ورطة، قال انه سيقيم مهرجانا للتغيير، وإذا لم يتغير شيء ويتربع على كرسي الرئاسة، سيحتاج إلى ببغاء تكرر الهتاف على مسمع الجماهير “سنغير سنغير”، سنفتح أكبر مصنع للتغيير. سنجعل التغيير أيقونة مقدسة توزع على السائلين مجانا، ونعلم الببغاء ان تقول جملة مختصرة لكل السائلين عن موعد التغيير، لأن حضرته سيكون منشغلا في الأيام الأولى بمعرفة قيمة الوعود المطروحة من ناحية مالية ولا بد من ببغاء تعطي جوابا واحدا لكل المتسائلين عن تنفيذ ما وعدوا به وطبعا الببغاء لا تقول إلا ما تتعلمه منه”.

عليه توجه المتنافسون الأربعة إلى محل لبيع الطيور النادرة، وكان طلبهم الحصول على ببغاء تحسن نطق الإسبانية بوضوح وبدون أخطاء في القواعد والنحو .. ويسهل تعليمها قول جملة مفيدة.

سُرَّ البائع من زبائنه، جلب ببغاء ريشها جميل، وقال لها: “أنا صح” فنطقت بلغة اسبانية لا يشوبها خطأ “أنا صح”.

– كم ثمنها؟

– 30 ألف يورو فقط؟

– سأشتريها. قال الأول

– لدي ببغاء ثمنها 50 ألف يورو وتستطيع ان تقول أربع كلمات بدون خطأ.

– ممتاز (صرخوا معا بسعادة) أربعة كلمات أفضل من كلمتين!!

جلب ببغاء تبرق عيناها مثل عيني قطة في الليل.

– أنا سأشتريها…بل أنا اشتريها .. انا المشتري، انا سأدفع فوق السعر!!

تنافس مرشحي البلدية الاسبانية على من أحق بشراء الببغاء.

– تمهّلوا. قال البائع، وأضاف:

– لدي ببغاء تقول ستة كلمات وثمنها 100 ألف يورو.

– غدا سأحول المبلغ من قطر إلى حسابك البنكي… تريده باليورو أم بالدولار؟ صرخ آخر:

– أنا جاهز للدفع الآن بالبيزيتا الاسبانية!!

– أنا سبقتكم إلى شرائها. أصر زعيم التغيير؟

المنافسة اشتدت.. سأدفع بالدولار، قال المرشح الأول. سأدفع بالجنيه الإسترليني قال الثاني، سأدفع باليورو قال الثالث.. وأضاف الرابع:

– القيمة لا تختلف باختلاف ألوان العملة وانواعها أنا سأدفع بالبيزيتا.. لأنها عملتنا الوطنية غير المستوردة.. هذا يثبت وطنيتي أيضا.

بدأ النزاع يشتد من يشتري الببغاء الناطقة بست كلمات .. التاجر ابتسم وقال لهم:

– لدي ما هو أفضل، ببغاء بمليون يورو.

– مليون يورو؟! جحظت عيونهم.

– أجل إنها هنا.. تفضلوا أنظروا إليها ..

قادهم إلى غرفة جانبية، شاهدوا ببغاء مع نظارات طبية، نظرت إليهم من فوق العدسات، ولم ترد عليهم التحية.

– لكنها أبشع من الببغاوات السابقات.. لماذا مليون يورو؟ ما الذي يميزها؟

– إنها أستاذة اللغة الاسبانية، كل الببغاوات هم تلامذتها، وهي تريد ان تنهي عملها بالتعليم لتصبح هي نفسها رئيسة بلدية، اسمعوها..

توجه التاجر إليها برقة وإحترام:

– ما هو برنامجك الانتخابي يا سيدة الببغاوات؟

وانطلق صوتها:

– أنا الصح، أنا المنتصر القادم، أنا اصنع التغيير، أنا رأس الحكمة، أنا برفع الرأس، انتخبوني وسأعفيكم من الضرائب والرسوم وأوظف أبناءكم.. سأمُّد لكم شارعاً يتجاوز ضغط الشارع الرئيسي عبر جسر هوائي. سأوفر لكم مواقف مجانية، سأرجع الأحراش للدولة، نحن لا نريد أحراشا. لا نريد قاعة ثقافية يلتقي فيها الشباب بالصبايا، هذه معصية، لا نريد مدراس تعلم الفيزياء والرياضيات ومواضيع الكفر مثل المنظومة الشمسية وتطور الإنسان. يكفي الحساب ومعرفة الأرقام والتسبيح بحمد الرئيس… انتخبوني وسأجعل التغيير مضمونا .. سأغير.. سأغير.. سأبدل.. سـأغير.. سأغير..

واستمر هتافها بالتغيير مما أثلج صدور المتنافسين!!

في تلك الليلة لم تهدأ بدالة التلفونات الدولية في قطر ولندن وواشنطن وجنيف وباريس وبرلين وانشغلت مكاتب المال في مختلف عواصم العالم لتوفير المبالغ للفوز بالمناقصة الحادة على شراء ببغاء ناطقة، لدرجة ان اصحاب رؤوس الأموال في العالم ظنوا ان البورصة ستواجه اخطر انهيار لها.. ولكن قلقهم زال حين تبين ان المبلغ تافه ولا تأثير له على توظيفاتهم الكبيرة، وان الموضوع ليس “امبارغو” (حظر شامل) عربي على تصدير النفط للدول المارقة الداعمة للعدوان الاسرائيلي، بل صراع عربي على شراء ببغاء لتسيير شؤون بلدية قرطبة الاسبانية ورئيسها القادم!!

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here