25 مادةً عقابيةً قامعةً للحريات في قوانين النشر والمعلوماتية

 ذي قار / حسين العامل

أنهى مجلس النواب يوم الإثنين (21 آب 2017) قراءة تقرير ومناقشة مشروع قانون جرائم المعلوماتية المقدّم من لجان الأمن والدفاع والتعليم العالي والبحث العلمي والقانونية والثقافة والإعلام وحقوق الإنسان والخدمات والإعمار، تمهيداً لإقراره. الوسط الإعلامي أبدى مخاوفه من هذا القانون الذي يُعد (بوليسياً) أكثـر مما هو تشريعي أو منظم لعمل الإعلام وحرية التعبير التي نصّ عليها الدستور الدائم.. ومن بين المواد المثيرة للجدل المادة السادسة من الفصل الثاني من مشروع قانون جرائم المعلوماتية التي تنصّ على أن (يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت وبغرامة لا تقل عن 25 مليون دينار ولا تزيد على 50 مليون دينار كل من استخدم أجهزة الحاسوب وشبكة المعلومات لإشاعة الفوضى بقصد إضعاف الثقة بالنظام الالكتروني للدولة).

مخاوف من تقييد الحريات
كيف لي أن أعمل وأكتب بحرية وأنا محاصر بـ 25 مادةً عقابيةً تصل بعضها الى السجن المؤبد وغرامة 50 مليون دينار، وربما هناك ما هو اكبر، بهذه المخاوف يبدأ الإعلامي مصطفى السعيدي يومه في العمل متخوفاً من مواد قانون جرائم المعلوماتية الذي أنهى مجلس النواب مؤخراً قراءته الأخيرة ، تعود الكثير من مواده العقابية الى الحقبة الدكتاتورية السابقة، السعيدي الذي تعرض للملاحقة القضائية لأكثر من مرة نتيجة عمله في مجال الإعلام بيَّن لـ(المدى) أن قوانين النشر وجرائم المعلوماتية من شأنها أن تقيّد العمل الصحفي كونها تتضمن فقرات ومواد فضفاضة يسهل تفسيرها وفق أهواء الجهة التي تحاول أن تقيّد العمل الصحفي وتقمع الحريات. مشيراً الى أن أي مادة ينشرها الصحافي يمكن أن تأوّل وفق النصوص القانونية لتجعل الصحافي تحت طائلة القانون. منوهاً الى أنه تعرض لأكثر من مرة للوقوف أمام القضاء وفق المادة 434 نتيجة نشر مواد يعتقد البعض أنها مخالفة للقوانين النافذة والتي هي بطبيعتها مقيّدة للحريات .
وأعرب السعيدي عن خشيته من اقرار قانون جرائم المعلوماتية، مشدداً على أن هذا المشروع لو تمّ اقراره بصيغته الحالية فسوف يضيّق أكثر على العمل الصحفي وحريات المواطنين بصورة عامة. داعياً مجلس النواب الى تشريع قوانين تتناسب مع النظم الديمقراطية وتضمن حرية النشر والتعبير عن الرأي من خلال الاستعانة بخبراء ومختصين في القانون والإعلام.

قوانين حماية الصحفيين لا تحمي الصحافيين
من جهته قال الإعلامي هيثم الجاسم لـ(المدى) إن الحالة العامة للعمل الصحفي بالعراق مزرية، وهي بحاجة الى قوانين تحمي الصحافيين وتضمن حرياتهم وفقاً للدستور الذي كفل تلك الحريات. مشيراً الى أن الفوضى في العمل الصحفي وغياب الأطر العامة للحريات جعلا من الصحافي عرضةً للخطر من جهات متعددة سواء حكومية أو اجتماعية وعشائرية. مشدداً على اهمية تشريع قوانين تضمن حقوق الصحافيين بصورة فعلية لا شكلية كما يحصل الآن وتوفر البيئة المناسبة للعمل الصحفي الرصين.
ونوّه الجاسم الى أن الكثير من القوانين التي جرى تشريعها أو تعديلها ما بعد عام 2003 لم تلبي طموح الاعلاميين والصحافيين ولم توفر لهم الحماية القانونية .مبيناً أن الصحافي العراقي لا يستطيع اليوم العمل بكامل حريته في ضوء القوانين النافذة وذلك لضعف سلطة القانون ووجود جهات متنفذة أكثر وأشد قوةً من القوانين وسلطة الحكومة. لافتاً الى أن السلطة السياسية والعشائرية وسطوة الميليشيات، هي اليوم اكثر قدرةً على خرق القانون الذي يفترض أن يحمي الصحافي، داعياً الى سنِّ وتشريع قوانين فاعلة بمساعدة الجهات الدولية المعنية بالحريات وحقوق الإنسان.
وأشار الجاسم الى أن أيّ صحافي يعمل بالعراق بات محدداً ومهدداً بخطوط حمراء لا يجرؤ على تجاوزها، لأن أي تجاوز لتلك الخطوط من شأنه أن يعرض حياته للخطر. مشيراً الى تعرض الصحافيين الى جملة من الضغوط السياسية والاجتماعية والأمنية. وختم الجاسم حديثه بالقول إن، الحرية الصحفية غير متوفرة رغم وجود قوانين تدّعي حماية حقوق وحريات الصحافيين.

1500 شكوى على الصحافيين عام 2016
وعن حجم الدعاوى القضائية الخاصة بقضايا النشر التي تستهدف وتلاحق الصحافيين والإعلاميين، قال رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق مصطفى ناصر لـ(المدى) إن الدعاوى القضائية التي تستهدف الصحافيين هي ليست كيدية فقط وإنما هي محاولة للتنكيل بالصحافيين من خلال المواد القانونية الموروثة من النظام الدكتاتوري السابق. مبيناً أن المواد القانونية النافذة حالياً لم يجر تعديلها لتنسجم مع النظام الديمقراطي.
وأكد رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، أن الدعاوى المقامة على الصحافيين والمدونين في تزايد مضطرد، فحين كانت محكمة الإعلام والنشر سجلنا قرابة 200 دعوى ما بين عامي 2013 و 2014 وارتفعت هذه النسبة الى الضعفين عام 2015 وحين تم الغاء هذه المحكمة، سجلت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة عام 2016 بحدود 1500 دعوى نشر قضائية مقامة في عموم العراق. موضحاً أن تلك القضايا أدت الى إعاقة العمل الصحفي والتضييق على حرية الصحافة والإعلام، وهذا ما يخالف بنود الدستور ولاسيما المادة 38 التي كفلت الحريات وحرية التعبيير .منوهاً إلى أن المشرع العراقي غير جادٍ بتعديل هذه المواد القانونية الموروثة من الحقبة الدكتاتورية. لافتاً الى أن جمعية الدفاع عن حرية الصحافة أعدت مسودة بديلة لقانون جرائم النشر كي تكون منسجمة مع النظام الديمقراطي ومنظّمة للعمل الصحفي لا مقيّدة له.

مؤبد وغرامات بالملايين
ويقول الخبير القانوني في مجال الحريات الصحفية زهير ضياء الدين الدجيلي لـ(المدى)، فوجئنا بإدراج مشروع قانون جرائم المعلوماتية ضمن جدول اعمال مجلس النواب، فالقانون بعد أن تصدت له منظمات المجتمع المدني والناشطون في مجال الحقوق والحريات والمنظمات الدولية كونه يتضمن نصوصاً عقابية قامعة. فالقانون الذي يتضمن 31 مادة قانونية، 25 مادة منها مواد عقابية، خمس مواد منها تصل العقوبات فيها الى السجن المؤبد، وتصل الغرامة فيها الى 50 مليون دينار. مردفاً بالقول، كما يتضمن مشروع القانون الكثير من العبارات الفضفاضة التي تفسح المجال للتفسير بحسب هوى المفسّرين والجهة السياسية التي تحاول الضغط على القضاء، وهذا يشكل خطراً كبيراً على المواطنين بصورة عامة وعلى الصحافيين بشكل خاص كونهم معنيين بالأمر بصفتهم مدوّنين ومستخدمين للشبكة العنكبوتية والصحافة.
ودعا الخبير القانوني المهتمين بحرية التعبير، الى منع تشريع مثل قوانين كهذه تحدّ من الحريات والتعبير عن الرأي التي كفلها الدستور واستبدالها بقوانين تضمن تلك الحريات وتحمي المواطن والصحافيين .لافتاً الى أن المواطن يمكن أن يتعرض للسجن أو الغرامة حتّى إذا دخل سهواً الى الشبكة العنكبوتية وتعامل مع مواقع تقع ضمن طائلة عقوبات قانون جرائم المعلوماتية، مؤكداً أن ذلك يتعارض مع المبادئ الدستورية. مشيراً الى أن المخاوف من مشروع قانون جرائم المعلوماتية متأتية ليس لأنه يحاول تنظيم عملية النشر والاتصال، وإنما لأنه كتب بعبارات فضفاضة يمكن استخدامها ضد كل الصحافيين والناشطين.
وبيَّن الدجيلي، أن مشروع القانون تضمن مصطلحات فضفاضة تقابلها عقوبات قاسية جداً من قبيل (اضعاف الثقة بالنظام الالكتروني للدولة) و (التفاوض مع جهة معادية) من دون أن يحدد تلك الجهات أو (نشر وقائع كاذبة ومظللة)، مشيراً الى أن هذين المصطلحين فيهما مجال كبير لتوسع القانون ليشمل كل من تعتقده السلطة أنه مظلّل أو كاذب.

قوانين المرحلة الدكتاتورية والتشريعات البديلة
وعن مواد جرائم النشر في قانون العقوبات العراقي رقم 111 سنة 1969 يقول الخبير القانوني زهير ضياء الدين الدجيلي، إن القانون تمّ تشريعه في زمن النظام السابق، ويتضمن مواد عقابية رادعة وقامعة للحريات. مضيفاً، الآن وبعد أن تم التغيير، يفترض أن تكون هناك تشريعات تتناسب مع الحياة الديمقراطية التي تتيح لوسائل النشر والإعلام التعبير عن آرائهم بحرية دون الخوف من وجود نصوص عقابية تمنعهم من ايصال ما يريدون التعبير عنه. مشيراً الى وجود نحو 15 مادة في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969من بينها مواد تتعلق بجرائم النشر وأخرى تتعلق بالإعلام والحريات بصورة عامة.
وأشار الدجيلي الى أن المنظمات والجمعيات المعنية بحرية الصحافة، تعمل حالياً على التوصل لصياغات بديلة لتلك المواد التي تحدّ من حرية الصحافة والإعلام. مؤكداً على ضرورة التوصل الى صياغات تعتمد على مبدأين أساسيين هما، أن تبتعد المواد القانونية عن العقوبات السالبة للحرية، أي السجن والحبس، وأن تقتصر على الغرامات المالية إذا تطلب الأمر، وإذا كانت هناك ضرورة لوجود عقوبات سالبة للحرية هي أن تكون بحدها الأدنى. منوهاً الى أن الصياغات القانونية التي من المؤمل أن تتوصل لها المنظمات والجمعيات المعنية بحرية الصحافة، سيتم عرضها على مجلس النواب بالتنسيق مع اللجان المختصة بالمجلس المذكور.

قوانين غير منسجمة
ومن جانبه قال التدريسي في كلية إعلام جامعة ذي قار عفان الإبراهيمي لـ(المدى) إن العمل الإعلامي والصحفي الراهن بات مرتبكاً نتيجة عدم وجود قوانين منسجمة مع طبيعة المرحلة الراهنة، فالقوانين النافذة باتت ترسم حدوداً رقابية على المعلومة والرأي. مسترسلاً بالقول، إن الفوضى الإعلامية التي خلقتها مواقع التواصل الاجتماعي وكثرة المخالفات فيها أديّا الى بروز أصوات تنادي بإصدار تشريعات تحدّ من الحريات، وهذا ما ينعكس سلباً على العمل الصحفي والإعلامي الرصين. مؤكداً على ضرورة تشريع قوانين تدعم العمل الصحفي وتضمن حرية النشر والتعبير بدلاً من اللجوء الى تكميم الأفواه وقمع الحريات وفرض قيود على الصحافيين والمواطنين. محذراً من أن تسفر الفوضى الإعلامية والتشدد في القوانين عن نظام شكله ديمقراطي وجوهره قمعي.
وأشار الإبراهيمي الى تعرض العاملين بوسائل الإعلام، الى جملة من التهديدات من خلال جهات حزبية أو ميليشياتية أو عشائرية. منوهاً الى أن الصحافي العراقي بات اليوم يسير في حقل ألغام لا يعلم اللحظة التي ينفجر فيها ذلك اللغم المتمثل بسلطة الأحزاب المتنفذة والعشيرة والميليشيات واتباع الرموز السياسية والاجتماعية والدينية.
وبيَّن الأستاذ الجامعي، أن الصحافي حالياً يسير بصدر مكشوف، ويفترض أن القوانين هي التي تحميه، لكن هذه القوانين باتت عاجزة عن حمايته، رغم ما تتضمنه من نصوص توحي بضمان حريته وحقوقه. محذراً من انقراض الصحافيين نتيجة ما يتعرضون له وتحولهم الى العمل في صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء مستعارة ليتجنبوا المخاطر عند التعبير عن آرائهم ونشر ما يريدون نشره من حقائق قد تتقاطع مع مصالح الجهات المتنفذه في المجتمع.

دعوات للإقرار أو السحب
نيابياً حذر عضو لجنة الأمن والدفاع شاخوان عبد الله، من استمرار تأجيل التصويت على مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي، مشيراً إلى أن التأجيل المستمر سيجعل الإعلاميين والناشطين أمام ملاحقة قانونية في حال طرحهم لآراء معارضة لرأي الحكومة أو الجهات السياسية.
وقال عبد الله في حديث صحفي، إن لجنة الأمن والدفاع النيابية قدمت ملاحظاتها ورؤيتها بشأن مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي، لافتاً إلى أن القانون لا يحتمل المزيد من التأجيل لأن هذا الوضع سيجعل الإعلاميين والناشطين أمام ملاحقة قانونية في حال طرحهم لأراء معارضة لرأي الحكومة أو الجهات السياسية”.
أما عضو لجنة حقوق الإنسان النيابية أشواق الجاف، فقد اعلنت عن عزم لجنتها تقديم طلب إلى رئاسة البرلمان لتأجيل التصويت على مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي المدرج على جدول أعمال الجلسة المنعقدة، مشيرة إلى أن ذلك جاء بناءً على طلب من منظمات مجتمع مدني.
وقالت الجاف في حديث سابق، إن لجنة حقوق الإنسان ستقدم طلباً إلى رئاسة مجلس النواب لتأجيل التصويت على مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي، مبينةً أن ذلك جاء بناءً على طلب ورد إلينا بالأمس، من منظمات مجتمع مدني للتريث بالتصويت. مضيفة أن القانون كانت عليه خلافات لكنها انتهت، ونحن بحاجة إلى قرار من اللجنة أما بالتصويت عليه أو تركه.
المدى

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here