اضاءة على أدب الأطفال في الداخل الفلسطيني ..!!

شاكر فريد حسن

الكتابة للطفل هي من اصعب أنواع الكتابة ، وليس كما يظن البعض في أنها أسهلهاگكً وأقلها حاجة للخبرة .

وللأدب دور هام في عملية التوعية ظيوالتنشئة الاجتماعية للأطفال واشباع رغباتهم واحتياجاتهم المختلفة ، وفي تهذيب اخلاقهمك ، وغرس القيم الاجتماعية والانسانية والاخلاقية والايجابية في نفوسهم ، وتنمية الجانب المعرفيعندهم وامدادهم بثروة لغوية هائلة ، وكذلك تنمية قدرتهم التعبيرية وتعود الطلاقة في احاديثهم ، فضلاً عن تعليمهم أشياء جديدة تساعد على فهم الحياة والتكيف ، والسمو بخيالهم وذوقهم .

ولعل الموضوعات التي يمكن ان يتناولها ادب الأطفال هي التي تثير اهتمامات الطفل ، بحيث تحتوي اشارات لقيم تثري وجدانه ، وتحمل أفكاراً تفتح أمامه فضاءً رحباً يتيح له الانطلاق والانفتاح .

يقول الكاتب والشاعر السوري نوري الجراح : ”

الثقافة البديلة للطفل يجب أن تقوم على احترام حقيقي لوعي الطفل ، وحسه الجمالي ، ورغبته في الاستكشاف ، وولعه بطرح الاسئلة ونزوعه الى الحرية والسعي الى اشراكه في صنع ثقافته واستقبالها ، واتاحة الفرصة له للأخذ بما تقدمه له كمقترحات جمالية وفكرية ، ورفض ما لا يستسيغه حسه السليم بالأشياء ..

لقد تأخر ظهور أدب الاطفال في الداخل الفلسطيني لأسباب سياسية واجتماعية واقتصادية ، بالرغم ان أدب الأطفال في فلسطين الانتداب كان قائماً وموجوداً ، واعيدت طباعة كتب ومؤلفات كامل الكيلاني ، رائد هذا الأدب الطفولي ، الذي قدم مشروعاً أدبياً تمثل في انتاج قصص للأطفال ذات مضامين انسانية جمالية هادفة .

بدأ أدب الأطفال بالظهور في البلاد في خمسينات القرن الماضي ، حيث أصدر الشاعر والأديب النصراوي الراحل ميشيل حداد ” أبو الأديب ” بمشاركة الشاعر المرحوم جمال قعوار ” ابو ربيع ” مسرحية ” ظلام ونور ” التي تمت مسرحتها وعرضها في حينه بمدارس الناصرة ، تلاهما الشاعر المرحوم جورج نجيب خليل من عبلين كتابه ” الحان الطالب” العام ١٩٥٦.

ويعتبر الأديب محمود عباسي ” أبو ابراهيم ” أحد المؤسسين البارزين لأدب الطفل عندنا ، وكان قد أصدر في العام ١٩٦٠مع صديقه المرحوم جمال قعوار من الناصرة مجموعة قصصية مأخوذة عن الآداب العالمية وعن التراث الديني والعربي الشعبي ، ثم أصدر عدداً من المؤلفات والأعمال المعدة للأطفال ، التي لقيت رواجاً واستحساناً .

بعد ذلك توالت الاصدارات والكتب في هذا المجال ، وبرز القاص المعروف مصطفى مرار من جلجولية ، وهو من كتاب المرحلة الثانية الممتدة من السبعينات وبداية التسعينات ، ولا يزال يكتب وينشر قصصه للأطفال في مجلة ” الاصلاح ” الشهرية الثقافية ، التي تصدر عن دار ” الأماني ” في عرعرة ، ويشرف على تحريرها واصدارها الكاتب والصحفي مفيد صيداوي .

وقد استمدت هذه المؤلفات موضوعاتها من الواقع الاجتماعي والبيئة الشعبية ، وركزت على القيم الانسانية والاجتماعية والمعرفية ، قيم الخير والسلام والتآخي والتسامح والمحبة بين الناس .

ثم برز على الساحة عدد من كتاب قصص الأطفال ، نذكر منهم سليم خوري وعبدالله عيشان ومحمد علي طه وسامي الطيبي وعبد اللطيف ناصر وفاطمة ذياب وسواهم ، وهم من كتاب المرحلة الثانية ايضاً .

وقد عالجوا في كتاباتهم وقصصهم الواقع الاجتماعي المعيش ، واوضاع القرية العربية ، والتأكيد على القيم والأخلاق والفضائل الانسانية والعلاقات الاسرية الحميمية والتعاون والتكافل الاجتماعي ، بينما تمحورت قصص عبد اللطيف ناصر حول القضايا السياسية والوطنية والقومية والطبقية .

وفي اواخر العام ١٩٧٩اصدر الشاعر البروفيسور فاروق مواسي مجموعة شعرية للطلاب بعنوان ” الى الآفاق ” عن دار” الأسوار ” العكية .

ومنذ التسعينات وحتى يومنا هذا ، وهي المرحلة الثالثة ، يشهد أدب الأطفال نقلة نوعية وانعاطفة حادة ، وهنالك انتعاشاً وازدهاراً وانتشاراً ونهوضاً في ثقافتنا العربية الفلسطينية ، وساهم في هذا الانتشار مركز أدب الاطفال العربي الذي تأسس عام ١٩٩٥، اضافة لمراكز أدب الأطفال التي انشئت فيما بعد ، ومنها مركز أدب الأطفال الذي بادرت اليه دار ومؤسسة الأسوار في عكا لصاحبيها يعقوب وحنان حجازي .

واذا كان عدد المهتمين بالكتابة للأطفال قبل سنوات قليل نسبياً ، فقد اصبح لدينا أكثر من ٢٥٠ كاتباً واسماً في هذا المضمار ، وتحول الكثير من الكتاب للكبار الى كتاب للصغار ، ومن هؤلاء الذين يتعاطون الكتابة للطفل نذكر على سبيل المثال لا الحصر : سعاد دانيال بولس، يعقوب حجازي ، احمد هيبي ، آمال كريني ، فاضل جمال علي ، محمود مرعي ، نادر ابو تامر ، مفيد صيداوي ، عايدة خطيب ، حنان جبيلي ، سهيل كيوان ، سهيل عيساوي ، عليا ابو شميس عبير بلحة ، انتصار عابد بكري ، جميلة شحادة وغيرهم الكثير الكثير .

وهذه الكتابات للطفل بمجملها تعبر وتجسد حياة الطفل العربي الفلسطيني واربتباطه بالمكان ، والبيئة الشعبية التي يعيش فيها في ظل سياسة الاهمال والحرمان والفقر السلطوية ، فضلاً عن التطرق الى القضايا الوطنية والهموم اليومية .

ولعلني اتفق مع رأي صديقي الكاتب البهي الدمث محمد علي سعيد ” أبو علي ” ، وهو كاتب وناقد تجربة مركز ثقافة الطفل في مؤسسة الأسوار ..حيث يقول : ” ان ادب الاطفال يستمد مضامينه من الذاكرة المودعة في الماضي والتاريخ ، الا ان المشكلة تكمن في نرجسية بعض ادباء الأطفال الذين يكتبون لانفسهم ، ويستعملون لغة الوعظ والخطابة التي لا يتقبلها الأطفال ، اما من ناحية المبنى فان معظم قصص الاطفال دائرية تصل اولها بآخرها دون ربط الأحداث بصورة ابداعية ، وبجب ان تكون قصص الاطفال ذات مضمون وهدف ومبنى واسلوب يقبله عقل الطفل والا فانها لن تؤدي مبتغاها ” .

ان أدب الأطفال هو عبارة عن مؤسسة تربوية كاملة ، لها شريعتها المقدسة التي تصون قدسية الأجيال من كل ما يخرب منها حياتها ويشوه اداءها ، وعندما يكتب أدباً بهذه المواصفات فاننا نكون قد ابدعنا الذات الخلاقة في الانسان الأكثر وعياً بما اكتسب وانجز ، وكل انجاز لا يكون انجازاً في مختمر التوعية ، وذلك ما يمكن أن ندعوه بأدب الوطن والثقافة الوطنية الملتزمة .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here