الإستفتاء وخطاب الكراهية

رحمن خضير عباس

الاستفتاء كمصطلح سياسي يهدفُ الى الحسم في قضايا جوهرية. ويُتْخذ قرار إجراء الاستفتاء بفعل أمر دستوري ينصُّ على إجرائه في قضية محددة من كموضوع الهوية القومية. ويعتبر الاستفتاء شكلا من أشكال الديمقراطية المباشرة. وقد لجأت اليه الشعوب في مسيرتها كما حدث في الولايات المتحدة التي مال الكف نحو الاتحاد. وكذلك في إستفتاء كيبك الكندية الذي مال الى الوحدة الكندية. وكنا شهودا فيه ومتفاعلين معه والذي كانت نتائجه في صالح الوحدة الكندية. كذلك حدث استفتاء مماثل في سويسرا وإيطاليا والدانمارك. ولكن أخوتنا الأكراد لايتذكرون من هذه التجارب الجميلة. ويتذكرون فقط بؤس بالتجربة السودانية وانفصال الجنوب !

من الجدير بالذكر ان الحزب الشيوعي العراقي ومعه كل التيارات التقدمية واليسارية كانت مع حق تقرير المصير لكردستان وأغلبهم من عناصر ليست كردية. عرب وتركمان وكلدان وصابئة وآشوريين. كان شعار الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان قد دفع العراقيون في سبيله دماءً غالية وتضحيات جسيمة. هذا الشعار كان مبدئيا ، عرفته القوى العراقية التقدمية قبل ان يعرفه بعض المتطرفين من الكردالذين قاموا بتمزيق العلم العراقي. وقبل ان تعرفه التيارات الحديثة.

العراقيون التقدميون – بكل هوياتهم القومية- دافعوا عن كردستان ضد القمع القومي. وقدموا شهداء في مجزرة بشت آشان التي حدثت بعد صراع الحزبين الكرديين المتنافسين والذي جعل احدهما يلوذ بصدام حسين لتصفية الطرف الآخر. وكان ضحية ذلك كوكبة من الشهداء ، منهم من العرب والتركمان ومن المسيحيين والمسلمين ، جمعهم حب كردستان العراق ، كما جمعهم النضال ضد الدكتاتورية.

الاستفتاء الان ليس عملية ديمقراطية نظيفة، وذلك لان حكومة كردستان – وليس شعبها – قد استخدمت كل وسائل الكراهية ضد العرب . متناسين ان الحكم الدكتاتوري قد ساوى في قمعه بين كل مكونات الشعب فقد نكّل بجنوب العراق كما نكّل بشماله ونكّلَ بشرقه بشكل متساوٍ مع غربه. ولا ننسى ان دماء العراقيين. من الكرد والعرب وبقية المكونات الأخرى لم تجف حينما اجتمع البرازاني والطلباني بصدام حسين. وكأنهما يشرعنان مافعله بشعبهم الكردي.

الذي أثارني لكتابة هذا المقال هو خطاب الكراهية المضاد الذي صدر قبل أيام من شخصية عراقية معروفة بوطنيتها ونزاهتها وهو النائب السابق وائل عبد اللطيف. والذي صرّح بتصريحات غير مقبولة وغير ناضجة أثارت استغراب الحركة الوطنية التي تكنّٰ له كل الاحترام والتقدير. فقد قال وهو يتحدث عن الاستفتاء ” إنّ الحرب الأهلية ستكون قائمة بين العرب والكرد للدفاع عن الحدود. “. ثم حذّر الأكراد في بقية المناطق بقوله : ” كل مسؤول كردي حكومي عليه ان يهيِء كتاب إستقالته ويجمع أوراقه ويخرج ، لان الموقف لن يكون سهلا “. ورغم ان السيد وائل عبد اللطيف لايمثل رأي الحكومة العراقية ولايمثل المزاج الشعبي. ولكنه إنقاد تحت وطأة غضب مفاجيء او استفزازات كل الأطراف . وأعتقد بان تصريحاته هذه ستثير حفيظة حتى الكرد الذين هم ضد الاستفتاء. وإنني كعربي أعلن شجبي ورفضي لتصريحاته. واعتبر ان المواطن الكردي له الحق ان يعيش ويعمل في اية بقعة من عراقه. وليس هنالك قوة تمنعه من ذلك .

من ناحية أخرى فإنّ حكومة بغداد عجزت عن تقديم المثال والقدوة الحسنة لحكومة الإقليم كي تتمسك بالعراق. فقد كانت الحكومات المتعاقبة بعد سقوط النظام الدكتاتوري قد برهنت على عجزها وفشلها في قيادة البلد. وذلك من خلال انتهاج المحاصصة التي هندسها لهم الامريكان. ولكنهم – اعني السياسيين العراقيين بشيعتهم وسنتهم واكرادهم- قد إرتاحوا لهذا الدفيء الذي وفرته المحاصصة. فتمسكوا بها وإعتبروها عروتهم الوثقى ! والتي أتاحت لهم تدمير البلد ونهب خزينته. فتركوا لنا عراقا ضعيفا ومقسما ومخترقا من قبل دول الجوار وغيرهم.

حكومات بغداد لم تقدم النموذج الجيد الذي يجعل الأكراد ينغمسون في الاندماج في الاتحاد العراقي. لذلك أضمروا القطيعة والانفصال ، وأظهروا المشاركة في المواطنة.

ومع تقديرنا لحلمهم في تحقيق طموحاتهم القومية. ولكن هذه الطموحات ستؤدي الى تصدع وإنكسار العراق. لذا فان الكرد ضمن عراق ديمقراطي تعددي ، يحققون فيه طموحاتهم على كل الأصعدة ويساهمون في بناء الديمقراطية. سيكون أفضل من إعلان دولة كردية محاطة بدول لاتعترف بها وبوجودها . ولاسيما إيران وتركيا.

نحن الان بأمس الحاجة الى ترجيح العقل وكبح جماح العاطفة.

ان التلون العرقي في الوطن هو قوة له ومتانة لبنائه. ولنأخذ الدول التي أكدت على الاتحاد بين ولاياتها فأصبحت قوية كالولايات المتحدة الامريكية التي خاضت حروبا ضد الانفصال فأصبحت بالاتحاد أمة عظمى. لذا فان بقاء الكرد ضمن العراق هو قوة لهم وللعراق. علما بان هذا العراق هو مهد الحضارات الإنسانية. فلتبق متساويين في حقوقنا وواجباتنا تحت خيمته. ولنحاول بناءه على أسس من الديمقراطية والعدالة والمساواة.

ان استفتاء الكنديين في ان تبقى كيبك ضمن الأمة الكندية كان نصرا لكيبك وكندا.

لقد أصبحت الوشائج الكردية والعربية إضافة الى المكونات الأخرى التي تكوّن شعبنا العراقي متشابكة ومتداخلة ، فلا تحاولوا تمزيق هذا النسيج الجميل

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here