بعيدا .. بعيدا عن البشر : قصص قصيرة
1 __ بعيدا .. بعيدا عن البشر
كتب في إحدى رسائله لصديقه :
إنه يزداد يوما بعد يوم نفورا من البشر ، في الوقت الذي تشده رغبة الاقتراب والانغماس في عوالم مثيرة من حيوانات وديعة ومن صفاء الطبيعة الأكثر عزلة وصمتا ، و من هدوء الغابات البعيدة و من سكينة البراري المهجورة أو الخالية من وجود البشر ..
ثم يضيف بعد صمت قصير :
ــ فهؤلاء لم يعدوا يصلحون لشيء إلا لتسبب مزيدا من خيبات أمل لبعضهم بعضا ..
وعدم انتظار من أي منهم لا رجاء و لا عزاء .
2 ــ
محكوما بأمل راسخ …فيا لقدري الجميل !
عندما تنتابني أحيانا لحظات يأس محبطة وتصبح روحي منهكة … وخائرة … بل لاهثة اختناقا ، كلحظات أخيرة لمحكوم شنقا ، سرعان ما تتعقبها هبات أمل مشرقة و وطيدة كنسائم عذبة تلامس روحي كأصابع أمي الحنونة ، وهي تباغتني فجأة من مكان ما ، كبقايا حلم جميل و مبهم ، أو من حالة ناشئة من تلقاء نفسها ، ليست لي حيلة فيها ، قد أكون آنذاك سائرا على حافة نهر ، و قد افلتُ ظلي محمولا على أمواجه المتلاطمة بتكاسل تحت تحليقات أجنحة نوارس مرحِبة ، أو مشهد عاشقين يتجالسان بحميمة دافئة … رؤية سرب من طيور مهاجرة تغيب ببطء خلف أفق مخضب بأحمرار شمس غروب متآخر ، مؤججة رغباتي القديمة في الأسفار مجددا … فيتناهى إلى أذني صهيل جياد وحشية يدجّونها بقسوة على سفوح جبال وعرة … وحينا أسمع أغاني رعاة يمضون قيلولتهم عند آبار مهجورة أو يرقصون على أصوات نايهم الرخيمة والحزينة …ضحكة طفل جذلة يطارد حمامات تتشمس على أعشاب مشذبة جيدا ، فآنذاك تستعيد الأشياء رونقها البهي والنضر بين مدارج روحي الشاهقة ، لتكون مغرية من جديد … جميلة و آسرة بسحرها الغامض … شاعرا بجذوة الحياة تشتعل متوهجة من جديد ، لتضيء مرتفعات قلبي، كقمر كامل قيافة بضوئه الباذخ ، في ليل صيفي طويل …
فأعلم آنذاك :
ــ بأنني محكوم بأمل راسخ … فيا لقدري الجميل !.
مهدي قاسم
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط